بعد مرور ما يقرب من العام على نشر آرون كلاين الصحفى الاستقصائى الأمريكى البارز, كتابه «اتهامات موجبة للعزل» والذى فند من خلاله الاتهامات الموجهة للرئيس الأمريكى باراك اوباما التى تستوجب عزله من منصبه, ومنها علاقات إدارته الغامضة بتنظيم الإخوان الإرهابي, يستعرض كلاين فى أحدث مقالاته هذه المرة تهمة جديدة لإدارة اوباما حول سماحها بان يتم اعتماد اثنين من رجال الدين الإسلامى فى برنامج الإمام المسلم التابع للبنتاجون, هما من جمعية «إيسنا» أو الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا, وهو ما لم يحدث منذ أكثر من 15 عاما, لاتهام هذه المنظمة تحديدا بتورطها فى تمويل عمليات إرهابية ولصلتها الوثيقة بتنظيم الإخوان, بل الأدهى أن من صادق على عمل الإمامين هو عبد الرشيد محمد, وهو نفسه قد ارتبط اسمه فى الآونة الأخيرة بعمليات تمويل لتنظيم القاعدة وفروعه. كانت”إيسنا” منذ إنشاء برنامج الإمام المسلم فى عام 1993, هى الجهة الإسلامية الرسمية التى قدمت للجيش الأمريكى الأئمة فى إطار ما يعرف بنظام الإرشاد الروحى للجنود الأمريكيين, الذى يعمل فيه نحو ثلاثة آلاف مرشد روحى يمثلون جميع الأديان, ويضم الجيش الأمريكى نحو 20 ألف جندى مسلم, خصص لهم ستة من الأئمة. اللافت للنظر حقا أن يختار الجيش الأمريكى أن تأتى عملية الإرشاد الدينى للجنود المسلمين من خلال أئمة معروفين بانتماءاتهم الدينية المتطرفة, وتحديدا بالنسخة الوهابية المتشددة, ليكونوا هم من يقدم الفتاوى لهؤلاء الجنود, جدير بالذكر أن نفس هذه المنظمة “إيسنا” هى من تقدم الأئمة داخل نظام السجون الأمريكي, وهى أيضا التى تتحكم بالإضافة إلى مؤسسة الوقف الإسلامى لأمريكا الشمالية فى نحو 80% من التوجه الدينى للمساجد فى كل من الولاياتالمتحدة وكندا, وهى بالتالى من تمارس السلطة النهائية على دور العبادة والتعاليم التى تقدم للمسلمين بها. ومن المعرف أن “إيسنا” قد تأسست عام 1981من قبل رابطة الطلاب المسلمين التابعة لتنظيم الإخوان, وكان اسمها قد ذكر فى وثيقة سرية للإخوان تم اكتشافها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالية فى مايو 1991, بعنوان “مذكرة تفسيرية بشأن الهدف العام الاستراتيجى للجماعة فى أمريكا الشمالية” ويصفها الباحث فى الإسلام السياسى وتنظيم الإخوان, ستيفن شوارتز, بانها واحدة من القنوات الرئيسية التى تقدم النموذج الوهابى للإسلام الراديكالى وتمهد قنوات تمريره فى الولاياتالمتحدة.وهى أيضا كما يصفها الخبير الأمريكى فى الإرهاب ستيفن ايمرسون, مجموعة تختبئ تحت قشرة زائفة من الفكر المعتدل, وتصدر كل شهرين مجلة آفاق إسلامية التى تركز على ترسيخ الفكر المتشدد, كما أنها تعد منبرا لترويج الكراهية والحض على العنف من خلال الترويج للفكر الجهادى على يد شيخها التكفيرى يوسف القرضاوي, وهى المسئولة عن جمع التبرعات لتمويل الأنشطة الإرهابية, ولكن كما يوضح المراقبون فإنها دوما قدمت للإدارة الأمريكية تعهداتها بان تكون أنشطتها “الجهادية” خارج الأراضى الأمريكية, وهو ما جعلها تنال دوما الرضا الأمريكي, والاهم أنها وفقا لعدد من المتخصصين فى الإسلام السياسي, قد نجحت عبر أئمتها داخل الجيش الأمريكى بان ترسخ لدى الجندى الأمريكى المسلم قناعة بأنه يجوز قتل أخيه المسلم بدم بارد, وقد حدث ذلك بكثافة واضحة خلال الحرب على أفغانستان والعراق. وكما يوضح كلاين فقد تم ذلك بالتعاون أيضا مع ما يعرف بالقوات المسلحة الأمريكية المسلمة ومجلس شؤون المحاربين القدامى المسلمين الذى انشيء عام 1991 ويعمل تحت مظلة مؤسسة مسلمى أمريكا. تأسست مؤسسة مسلمى أمريكا على يد عبدالرحمن العمودي, لتكون مجموعة ضغط لصالح جماعة الإخوان فى أمريكا وهو عالم إسلامى من اصل اريترى حصل على الجنسية الأمريكية عام 1979, وشغل منصب مستشار الشؤون الإسلامية للرئيس بيل كلينتون وهو من تولى إنشاء برنامج الإمام المسلم فى الجيش الأمريكي, وهو أيضا من عين أول إمام فيه, عبد الرشيد محمد, الذى ما زال يشغل نفس المنصب والذى صادق مؤخرا على تعيين أحدث عضوين فى البرنامج, كما أن العمودى هو من كان له الدور الأبرز فى اختيار ستة أئمة آخرين فى الجيش الأمريكى يعملون حتى الآن. المثير للدهشة أن العمودى يقضى منذ عام 2003 حكما بالسجن لمدة 23 عاما لتورطه فى تمويل عمليات إرهابية مع حكومة القذافي, منها التخطيط لاغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية التى كان وقتها ولى العهد, وقد وصف العمودى فى تقرير نشرته مجلة النيوزويك وقتها بأنه “خبير فن الخداع”, فقد تمكن بنجاح من قيادة اكبر عملية اختراق للإدارة الأمريكية فى تاريخها, وقد اعترف بأنه عضو فى تنظيم الإخوان وانه مؤيد لحركة حماس, ومع هذا فقد تمكن كعادة عقيدة “تقية” الإخوان أن يقدم نفسه للبيت الأبيض باعتباره ممثلا للفكر الإسلامى الوسطي, وتمكن أيضا من عقد صداقة قوية بمن كانت وقتها السيدة الأولى هيلارى كلينتون وأصبح أيضا مستشارها للشؤون الإسلامية, وحتى يستحق العمودى لقب “أمير الدهاء” كما وصفته الصحافة الأمريكية, فقد حاول ونجح أيضا فى اختراق الحزب الجمهوري, من خلال الناشط الجمهورى غروفر نوركويست, وأقنعه بتأسيس ما يمكن أن يسمى جبهة اقتصادية لتنظيم الإخوان عبر معهد السوق الحر الإسلامي, الذى قام باختراق دوائر داخل الحزب الجمهوري, وحملة من سيصبح الرئيس جورج دبليو بوش. وتوضح كلير لوبيز الخبيرة فى المخابرات الإستراتيجية بمركز السياسات الأمنية, والتى عملت كضابط فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية, ان العمودى، نجح بالفعل فى زرع نائبه خالد صفورى وسامى العريان من تنظيم الإخوان فى الحملة الانتخابية لجورج بوش, وبعد فوز بوش, تمكن العمودى من تعيين سهيل خان وهو عضو آخر فى التنظيم الدولى للإخوان, فى مكتب البيت الأبيض للعلاقات العامة, لإدارة التواصل بين المجتمع المسلم فى أمريكا والبيت الأبيض, وسرعان ما تم اختزال المجتمع المسلم الأمريكي, داخل البيت الأبيض فى تنظيم الإخوان, الذى منح فرصا غير مسبوقة للتأثير على اعلى عمليات صنع القرار فى الولاياتالمتحدة, ومن خلال الإدارات المتعاقبة.