يعد الحديث عن نسبة المشاركة في الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية من أهم القضايا التي يهتم بها الباحثون والمحللون السياسيون وقادة الاحزاب علي مختلف توجهاتها، باعتبارها مدخلا لدراسة سلوك المواطنين وردود أفعالهم تجاه الحملات الانتخابية ومدي فاعليتها في حشد وتعبئة الناخبين، فضلا عن كونها مؤشرا واضحا علي مدي النضج والوعي السياسي لدي هؤلاء ودليلا مؤكدا علي مدي رسوخ وصلابة النظم الديمقراطية وايمان المواطن العادي بأن صوته سيلعب دورا حاسما في تحديد مصير بلاده. ولعل الجدل الذي ثار في مصر خلال اليومين الماضيين وشغل الرأي العام حول هذه القضية تحديدا هو أفضل نموذج علي ذلك، ولكن المفارقة أن هذه القضية ليست شأنا مصريا خاصا ولكنه موضوع طالما تناولته وسائل الاعلام الغربية بل والامريكية التي شهدت بعض التساؤلات مثل «أين ذهب الناخبون» و»اختفاء الناخب الامريكي» كما اعتبر مشروعا للبحث والدراسة، حيث نشرت جامعة هارفارد عام 2012 دراسة بعنوان «اختفاء الناخب». وهنا يشير المراقبون الي أن هناك عدة عوامل تلعب دورا في تحديد نسبة المشاركة فإلي جانب شعبية المرشح أو الحزب فهناك ايضا ما يعرف بالتصويت العقابي الذي يمارسه الناخبون احتجاجا علي سياسات حكومية معينة، بل أن هناك من يري أنه نظرا لطول الممارسة الديمقراطية في المجتمعات الغربية أصبح المواطنون يتعاملون مع الانتخابات باعتبارها أمرا اعتياديا يمكن تجاوزه أحيانا، ففي البرتغال علي سبيل المثال لم يتوجه للانتخابات البرلمانية عام 2011 سوي 59% من الناخبين المسجلين وتراجعت النسبة في الانتخابات الرئاسية لتصل الي 46،5% وهو أقل معدل للاقبال منذ نشأة الجمهورية الثالثة عام 1974، أما في المغرب فقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2011 تبلغ 45%، أما في باراجواي فقد انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بنسبة 25% خلال الاربعين سنة الماضية. وحتي في الديمقراطيات الحديثة مثل صربيا حيث تراجعت نسبة الاقبال في الانتخابات الرئاسية من انتخابات 2008 الي انتخابات 2012 بنسبة 22%.
ومع ذلك وبنظرة سريعة علي نسب الاقبال في عدد من الانتخابات السابقة حول العالم سنجد أنها تباينت بتباين ظروف كل دولة. ففي العراق علي سبيل المثال وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الاخيرة الي 60% تقريبا، وهو رقم يعد مرتفعا نسبيا في ظل الظروف الامنية الصعبة، أما في الجزائر فقد وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الي 51،7% رغم الجدل الذي أثاره قرار بوتفليقة الترشح لفترة رابعة في ظل حالته الصحية حيث أدلي بصوته وهو علي كرسي متحرك. أما في أوكرانيا فقد وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي قررتها السلطة الانتقالية بعد عزل الرئيس يانوكوفيتش الي 17،5% وهي نسبة منخفضة.
أما الهند أكبر ديموقراطية في العالم التي يستغرق اتمام الانتخابات البرلمانية فيها شهرا كاملا، فقد شهدت هذه المرة اقبالا هائلا، بعد ان سجلت رقما قياسيا لمعدل المشاركة بسبب اقبال الشباب والنساء بشكل غير مسبوق، الي الحد الذي وصلت فيه نسبة الاقبال في الثماني مراحل الاولي من الانتخابات من أصل عشرة مراحل الي 66٫2% من الناخبين المقيدين، أما الانتخابات البرلمانية الاوروبية التي شهدت بدورها جدلا واسعا بسبب الصعود الواضح لتيار اليمين المتطرف فقد وصلت نسبة المشاركة الي 43٫1% مسجلة ارتفاعا لاول مرة منذ 30 عاما.
وهنا لابد من الاشارة الي أن قضية المشاركة حظيت بدراسات وأبحاث واسعة للخروج بتوصيات محددة تهدف في مجملها لرفع هذه النسبة تدعيما للمشاركة الفاعلة من جميع الشرائح، من بينها دراسة نشرت عام 2006 في جريدة الدراسات الانتخابية، اقترحت خمسة اجراءات لتحسين نسبة المشاركة منها إجراء الانتخابات في أيام العطلات أو اعتبار يوم الانتخاب عطلة رسمية، واختيار اللجان الانتخابية في الاماكن ذات الكثافة السكانية المرتفعة والاكثار من عددها، والاعتماد بشكل متزايد علي التصويت الالكتروني أو ادخال هذا النظام اذا لم يكن معمولا به من قبل، والسماح والترويج للمقيمين في الخارج بالتصويت، وأخيرا دراسة المعوقات الاخري التي قد تظهر لاحقا وتعد معطلة للانتخابات لحلها والقضاء عليها.