تقدم مصر على أهم انتخابات رئاسية فى تاريخها من عدة زوايا؛ فمن ناحية، يريد الشعب وضع حدًا للمرحلة الانتقالية والتحول إلى نظام سياسى مستقر، كما أنها تأتى فى أتون حرب مصيرية ضد الإرهاب الإخوانى الأصولى المحلى والدولي، ومن ثم، تحمل للرئيس القادم تحديات كبرى لإعادة الأمن والأمان ثم الانطلاق لبناء مصر المعاصرة. وقد قدم المرشحان للشعب ما يريد أن يحققه كلاهما خلال فترة الرئاسة الأولي، وكذلك وضع الأسس لخطة تنمية تتعدى هذه الفترة إلى سنوات أطول، ومهما كان مستوى التنافس بين المرشحين ومهما كانت رؤية المصريين لكل منهما؛ فإنه ينبغى على الجميع أن يصوت فى الانتخابات القادمة؛ فليس من المعقول أن يقوم الشعب بثورتين ويقصى رئيسين فى أقل من ثلاث سنوات ويصوت فى ثلاثة استفتاءات، ثم يتقاعس عن التصويت فى أهم انتخابات رئاسية فى تاريخ مصر، وليس من المعقول أن يخرج 30 مليون مصرى إلى الشوارع والميادين فى أنحاء الجمهورية لإسقاط نظام الإخوان ثم يتخاذل عن التعبير عن نفسه وتحديد مستقبل دولته باختياره لرئيس مصر القادم. فقد أخطأت لجنة الانتخابات الرئاسية خطأً فادحًا، ينبغى علاجه، وذلك بوضع قواعد لتسجيل المغتربين أدت إلى إحجامهم عن القيام بذلك، وهو ما يؤدى إلى عدم مشاركة حوالى 10 ملايين ناخب نتيجة تعقيدات إدارية فى الانتخابات القادمة، وأعتقد أن الوقت مازال مناسبًا للسماح لهم بالمشاركة فى الانتخابات ببطاقة الرقم القومى مع ضمان عدم تكرار تصويتهم ومد فترة التسجيل وحثهم على ذلك، ومن جانب آخر؛ فإن هناك أجهزة مخابرات وأجهزة أمنية فى دول معادية لمصر تسعى سعيًا حثيثًا لتثبيط همم المصريين ودفعهم إلى عدم التصويت فى الانتخابات القادمة بحجة أن المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى سيحصل على أعلى الأصوات، وبالتالى فإن النتيجة محسومة مسبقًا، وأن أصواتهم لن تجدى وأن المرشح الرئاسى الثانى حمدين صباحى ما هو إلا أداة لتحسين الصورة، ويكون الهدف من ذلك فقدان الثقة فى مصداقية الانتخابات، ومن ثم فى المرشح الفائز، يضاف إلى ذلك أن تيارات الإسلام السياسى وعلى رأسها الإخوان تحاول إقناع المصريين بنفس الحجة حتى لا يزيد عدد المصوتين عمن صوتوا فى انتخابات الرئاسة لعام 2012، فإذا أضفنا إلى ذلك بعض الأصوات التى ترفض الاعتراف بالتحولات الإيجابية وعلى رأسها المشاركة السياسية بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو؛ فإنه يمكن فهم لماذا تحاول كل هذه الأطراف خلق اتجاه سلبى نحو الانتخابات الرئاسية، وفوق ذلك؛ فقد صدرت فتاوى عن قيادات إخوانية فى الخارج تجرم التصويت فى الانتخابات القادمة مما قد يؤدى إلى إحجام مشاركة المواطنين خصوصًا فى الريف والقري، والذين تصل نسبة المصوتين فيها إلى 65% على الأقل. ويظل الهدف النهائى لهؤلاء هو إرباك المشهد السياسى خصوصًا وأن المخابرات القطرية والتركية وغيرهما يستثمرون استراتيجيًا وماليًا وأمنيًا فى إنشاء ما يسمى ب»جيش مصر الحر» فى ليبيا، وذلك لتكثيف عمليات العنف والإرهاب التى تجرى على حدود الدولة المصرية وداخلها سواء فى فترة الانتخابات أو عقب إعلان النتيجة. ولا يمكن أن تتم المشاركة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية القادمة بدون إقبال جاد من الشباب المصرى على التصويت فى الانتخابات؛ فهؤلاء هم مفجرو ثورتى 25 يناير و30 يونيو، على الرغم مما حدث لبعضهم فى عقب صدور قانون تنظيم التظاهر، إن تصويت الشباب فى الانتخابات الرئاسية يؤكد أنهم أصحاب الثورتين وأصحاب الوطن وأنهم حريصون عليه وعلى مستقبله، إن الغضب من السلطة المؤقتة لا يمكن أن يبرر اتجاههم السلبى نحو انتخابات الرئاسة، فالسلطة زائلة والوطن دائم ومستمر، إذ ليس من المقبول أن يحجم هؤلاء عن الإدلاء بأصواتهم. إن العالم كله سواء فى الشرق الأوسط أو خارجه يتابع ويراقب بشغف ما يدور فى مصر لأنها دولة إقليمية مركزية تشكل قلب التطورات الدولية، وهناك دراسات وسيناريوهات بعضها يتسم بالود، وكثير منها يعكس العداء والشماتة بالوطن، وإذا كان رهان الدولة المصرية على شعبها بالمشاركة الفاعلة والتصويت الجاد للمرشح ذى الخبرة الاستراتيچية والرؤية المستقبلية، والذى يقيم بالفعل علاقات وثيقة مع دول الخليج الشقيقة، فإن رهان الآخرين يستند إلى إفشال الانتخابات الرئاسية وحصرها فى ملايين أقل من المصوتين، والتقليل من دورها فى بناء المستقبل، ومن ثم؛ الاستمرار فى المرحلة الانتقالية التى تحد من القدرة على الانطلاق وبناء الوطن. وتصير القضية الاستراتيچية فى مصر ليس فيمن يتولى رئاسة مصر، ولكن فى قدرته على تحقيق الأمن القومى المصرى فى السنوات القادمة، ويتطلب ذلك بالقطع خبرة استثنائية فى الإدارة؛ حيث إنه يتولى إدارة أهم دولة إقليمية مركزية فى العالم، سواء بموقعها الجيواستراتيجى أو بعدد سكانها الذى يناهز 90 مليونًا أو لوجود قناة السويس داخلها أو للاحتمالات الكبرى لبناء قوتها الذاتية وتطوير دورها الإقليمى الدولي، كما تتطلب كذلك قدرة فائقة على حل وإدارة الصراعات والأزمات سواء أكانت داخلية أم إقليمية، وهو ما يعتمد على الخبرة الدولية للرئيس المنتخب، وتقتضى إدارة مصر كذلك قدرة على التعبئة الشعبية للمشاركة فى إعادة هيكلة الدولة والمجتمع والانتقال من الحالة الراهنة غير المستقرة وغير المنتجة إلى حالة الإجماع القومى حول الأهداف العليا، ولعل هذه هى النقطة الجوهرية التى ينبغى على المصريين اليوم التفكير فيها وتحقيقها؛ فالإقبال على التصويت فى الانتخابات الرئاسية القادمة يتطلب حشدًا غير عادى لملايين المصريين كما حدث فى 30 يونيو لإرسال مجموعة من الرسائل الوطنية للداخل والخارج، يأتى على رأسها أن هناك اتفاقًا مصريًا على مستقبل الدولة المصرية، وأن هناك حرصًا على تنمية هذا المجتمع وتأكيد حياده فى المستقبل، وهكذا، تقتضى المصلحة القومية العليا ومصلحة الشباب ومستقبله ومصلحة الجميع الخروج للتصويت، واعتبار الانتخابات الرئاسية فى نهاية هذا الشهر الموجة الثالثة لثورة 25 يناير. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط