لا تبدو الكتلة التصويتية للمصريين بالخارج؛ والتى تقدر ب 680 ألف صوت عاملا مرجحا للفوز أو الخسارة فى الانتخابات الرئاسية التى بدأ سباقها مع فتح باب تصويت المصريين بالخارج من الخميس 15 مايو للأحد 18 مايو لمدة أربعة أيام قبل أن يجرى تمديدها يوما آخر، من خلال 142 مقرا ولجنة انتخابية بمقرات البعثة المصرية بالخارج في 124 دولة ، إلا أن حجم المشاركة أسقط كل الرهانات الخاسرة لجماعة الاخوان ومن يدور فى فلكها بشأن تعكير صفو أهم مرحلة من خارطة الطريق المصرية للتحول الديمقراطي. وأول تلك الرهانات هو عدم توافر الشفافية والفرص العادلة ، حيث أسهم فى مراقبة العملية الانتخابية منظمات دولية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا ولبنان والأردن . وثانى تلك الرهانات هو إبتعاد المصريين عن المشاركة فى عملية سياسية، حاول الإخوان تصويرها على أنعا مسرحية عبثية يغلفها الهزل وتحيط بها الشكوك ، سواء فى شرعية القائمين عليها ، أو قانونية مساراتها وإتساقها مع القوانين الدولية ، أو من حيث بنيتها التى يعتبر الإخوان أنها باطلة لانها بنيت على باطل وهو الانقلاب على حد زعمهم ، إلا أن زخم المشاركة فى كافة أصقاع الارض بما فيها المناطق الأشد خطورة مثل العراق والمناطق مترامية الأطراف مثل السعودية والولاياتالمتحدة ، أسقط هذا الرهان نهائيا. أما ثالث تلك الرهانات فهو محاولة فصل المصريين بالخارج عن وطنهم الأم ، ومحاولة التأثير على سير العملية الإنتخابية من خلال دعوات المقاطعة التى فشلت ، ثم تكثيف التظاهر حول المقار الانتخابية ، إنتهاء بمحاولات إشاعة أجواء من عدم اليقين حول حقيقة الارقام التى تعلنها وزارة الخارجية ومفوضية الانتخابات حول نسب المشاركة التى حققت معدلات قياسية . ويبدو أن فشل تنظيم الإخوان بما يمتلكه من قدرة على التحرك والمناورة والتواصل مع العالم ومراكز صنع القرار فى الدول المؤثرة باوروبا وأمريكا ، دفع بأحد أهم قياداته وهو الدكتور جمال حشمت، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان والمتحدث باسمها، إلى الإعتراف بأن الجماعة والتحالف الذى تتزعمه كانت تعول على "الرهانات الخاسرة طوال الفترة الماضية، بدءا من - إنشقاق الجيش وفشل السلطة فى إدارة الشأن الاقتصادى للبلاد- مرورا بما أسماه " وقف الدعم الخارجى ". وعلى الرغم من سقوط كل تلك الرهانات إلا أن مساعى إفشال عملية التحول الديمقراطي تجري على قدم وساق ،حيث أكد القيادي الإخواني الهارب فى كلمة ألقاها أثناء مؤتمر عقدته جمعية "ائتلاف المصريين الكنديين من أجل الديمقراطية" بمدينة كالجارى فى كندا ضرورة أن يتجه مؤيدو الإخوان فى الداخل والخارج إلى الاعتماد على أنفسهم ، وهو ما يكرس فرضية خسارة التنظيم الدولي للمواقف الداعمة التى أججت مشاعر العداء تجاه ثورة 30 يونيو ، وحاولت خنق مصر وعزلها عن محيطها الافريقي والعربي . ويمكن للمراقب أن يدرك كثافة الحراك الذى حاول الإخوان من خلاله شق الصف منجهة ، ومنح قدر أكبر من الدعم لأنصارهم ومن يدور فى فلكهم بالداخل من جهة أخرى ، على إعتبار أن المعركة لن تنتهى عند حدود الفشل فى تعطيل العملية الإنتخابية أو تسقط بسقوط الرهانات الخاسرة التى إستند إليها التنظيم الدولي . فقد كثفت جماعة الإخوان من جهودها تزامنا مع آخر أيام تصويت المصريين فى الخارج على الانتخابات الرئاسية المصرية الذى ينتهى اليوم الاثنين ، من خلال تكثيف الوقفات الاحتجاجية، وعقد مؤتمرات بحضور قيادات من جماعة الإخوان لدعوة المصريين لمقاطعة الانتخابات ، فيما نظمت الجماعة وعدد من الائتلافات المقربة منها مثل الائتلاف العالمى للمصريين فى الخارج على مدار أمس واليوم العديد من المظاهرات أمام السفارات المصرية فى كل من سيدنى بأستراليا، وفى النمسا، وأمام السفارة المصرية فى برلين وفرانكفورت، أمام القنصلية المصرية فى كل من هيوستن، ونيويورك. وفى الجهة المقابلة كما يمكن القول أن التسهيلات التي تم توفيرها من جانب القائمين على العملية الانتخابية وخاصة وزارة الخارجية ، قد ساهمت في زيادة أعداد المصوتين لمواجهة عقبات مثل منع التصويت بالبريد الذي أثر علي مشاركة المصريين بالخارج في استفتاء 2014 علي الدستور . وتشير الأرقام إلي كثافة تصويت المصريين في الخارج مقارنة بالأرقام التي جاءت في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث جاءت أعداد المصوتين في أول وثاني أيام فتح باب الانتخاب في بعض الدول ما يعادل ضعفي التصويت يومي الرابع عشرو الخامس عشر من يناير يومي الاستفتاء علي دستور 2014 ،وما يتراوح مابين ثلاثة وأربعة أضعاف في بعض الدول الأخري . وتتركز الكتلة التصويتية الأكبر من المصوتين بالخارج في دول الخليج ، حيث تأتى السعودية والكويت علي قمة تلك الدول وفقا للأرقام الرسمية التي أقرتا وزارة الخارجية في انتخابات الرئاسة عام 2012 ، وتشكل الجالية المصرية بالسعودية الجالية المصرية الأكبر بالدول العربية ،بينما توجد الجالية المصرية الأكبر في أوروبا بإيطاليا . وعلى الرغم من وجود بعض التوقعات بإحجام المصريين بالخارج عن التصويت، وإلا أن اتجاهات المشاركة جاءت عالية ، حيث امتدت الطوابير الانتخابية رغم وجود مشكلة بعدالمسافات عن مقرات البعثات المصرية ، بالاضافة الى ظروف الطقس والحرارة العالية بالدول العربية ، وهو ما يؤكد عزم شعب مصر وتصميم على بناء مستقبل ونظام الديمقراطي العصري وفقا لما صرح به وزير الخارجية نبيل فهمي الذى أدلي بصوت في الانتخابات أثناء رحلت الخارجية بسلوفاكيا. وتكريسا لمفاهيم الممارسة الديمقراطية التى يكتب المصريون أسطرها الأولى بعد ثورتين عظيمتين ، فقد أكدت وزارة الخارجية المصرية أنه لا وجود لانتهاكات ممنهجة بالانتخابات الرئاسية بالخارج بعد شكاوي جاءت من حملة المرشح حمدين صباحي، كما أكدت اللجنة العليا للانتخابات أن فترة الصمت الانتخابي تتعلق بالداخل فقط، وعلي التزام البعثات المصرية بالخارج بشكل كامل بكل ضوابط اللجنة العليا للانتخابات وبالحياد تجاه المرشحين . فيما وحرصت اللجنة العليا للانتخابات ووزارة الخارجية المصرية علي تيسير العملية الانتخابية، حيث جاءت أي ام التصويت ممتدة لأربعة أيام ، ووافقت أيام عطلة نهاية الأسبوع سواء بالدول العربية و البلدان الأخري كما امتدت ساعات التصويت للعاشرة والنصف مساء . وقد تم السماح للمصريين من المقيمين أو الزائرين بالتصويت دون الحاجة إلي التسجيل المسبق بمقر البعثات المصرية وا لاكتفاء بحمل بطاقات رقم قومي أو جواز سفر ساريين من خلال نظام الكتروني يرفع الاسم من الكشوف الانتخابية بعد التصويت بالخارج، كما لم يشترط التصويت بالبعثة محل إقامة المغترب، بل سمح بالتصويت في أي بعثة في الخارج يتصادف وجوده بها، وتم إرسال جهاز " قارئ إليكتروني " استخدامها التصويت لأول مرة لمزيد من التيسير . فيما ساهم بعض المصريين في الخارج في توفير أوتوبيسات للنقل الجماعي في الدول التي تكون بها مقرات البعثة المصرية بعيدة عن أماكن تجمع المصريين ، ولا سيما في الدول ذات النطاق الجغرافي الواسع ما يمثل عبئا عليها من حيث التكلفة المادية والوقت ما يعيق المشاركة . أما المثال الذى يحتذى فى قهر المخاوف وإصرار المصريين على المشاركة مهما كانت الظروف ، فكان فى دولة العراق التى تعتبر من أخطر مناطق العالم حيث تكاتف المصريون المقيمون فى كافة المناطق لتسهيل الممارسة الانتخابية ، فيما برزت معالم الوحدة الوطنية المصرية من خلال ما عرف با لمركز الثقافي المصري فى بغداد . ولعل الحديث المنمق عن مشاعر المصريين نحو وطنهم لا ينتهي ، إلا أن هذه المشاركة الكثيفة غير المسبوقة ، يمكنها وحدها أن تؤكد مدى حرص المصريين على خيار الإستقرار ودعم بناء دولتهم المدنية الحديثة ، وهو ما أسقط كل الرهانات على إفشال خارطة الطريق ، وبعث برسائل إلى الداخل المتماسك ليكون أكثر تماسكا وإصرارا على إكمال مرحلة التحول الديمقراطي ، حتى تبدأ مرحلة بناء الدولة .