مر عام منذ انفجار ثورة25 يناير.. عام تمت إدارة البلاد خلاله بطريقة غير موفقة علي جميع الأصعدة من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحكوماته. استمر المجلس الأعلي للقوات المسلحة كسلطة سياسية والحكومات التي اختارها في العمل بنفس السياسات الاقتصادية-الاجتماعية الظالمة لعصر الديكتاتور المخلوع مبارك, وهو ما تجلي في الموازنة العامة للدولة التي تعد إعادة إنتاج رديئة لموازنات عصر مبارك, بملامحها الرئيسية المتمثلة في ضعف الإيرادات العامة بسبب تشوهات وفساد النظام الضريبي, فضلا عن التقصير في تحصيل الضرائب, حيث توجد متأخرات ضريبية قيمتها126 مليار جنيه, منها63 مليار جنيه مستحقة علي كبار الرأسماليين. واستمر العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة الذي بلغ أكثر من234 مليار جنيه, منها نحو207 مليارات جنيه, عبارة عن فوائد وأقساط الديون الضخمة التي كبل الديكتاتور المخلوع مصر بها. ومع الاستدانة الجديدة فإن مصر تسير من سيئ إلي أسوأ في هذا الصدد. والمفزع حقا أن جزءا كبيرا من هذا العجز والاستدانة المترتبة عليه, ناتج عن دعم الطاقة البالغ أكثر من95 مليار جنيه والذي يذهب ما لا يقل عن75 مليار منه إلي الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية التي تبيع إنتاجها برغم ذلك بأعلي من الأسعار العالمية. كما استمر دعم الصادرات الذي يوزع بشكل مشوه وثبت أنه كان فاسدا. واستمر ضعف مخصصات معاشات الضمان البالغة اثنين وأربعة أعشار المليار جنيه لنحو واحد ونصف مليون أسرة تعدادها نحو سبعة ونصف مليون إنسان, بما يعني أن نصيب الفرد من تلك المعاشات هو27 جنيها شهريا, وهي معاشات كان ينبغي مضاعفتها ثلاثة أضعاف علي الأقل, لأنها حق للفقراء في إيرادات الموارد الطبيعية والمشروعات القديمة في بلادهم. كما استمرت الحكومة في تجاهل تقديم إعانات للعاطلين إلي أن يتم تشغيلهم. كما استمر تخلي الدولة عن وجود الوظائف الحقيقية التي يمكن أن تتحقق من خلال الاستثمارات الإنتاجية المباشرة, وتثبيت العمالة المؤقتة التي توجد حاجة لعملها فعليا. واستمر الإصرار علي نظام السوق الحرة الذي لم يمل وزير المالية السابق د. حازم الببلاوي من ترديد ضرورة التمسك به برغم أنه أثبت فشله وظلمه للفقراء والطبقة الوسطي محليا وعالميا, وتتجه الدول الرأسمالية نفسها إلي نظام أقرب لنظام اقتصاد السوق الاجتماعية الذي أخذ تاريخيا ببعض الإجراءات الاشتراكية لتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية التي تعزز السلام الاجتماعي والنمو المتواصل. أما الإنفاق العام المتدني علي الصحة والتعليم بما يعتدي علي حقوق الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة الوسطي في التعليم الجيد والرعاية الصحية ويعتدي علي حقوق الأجهزة الطبية والتمريضية والتعليمية والإدارية في أجور عادلة تكفل حياة كريمة, فإنه استمر كما كان بل تدهور كنسب من الناتج المحلي الإجمالي ومن الإنفاق العام!! وفي الوقت نفسه الذي يعاد فيه إنتاج السياسات الاقتصادية الاجتماعية لعهد الديكتاتور المخلوع مبارك, يجري تدليله هو وأنجاله وعصابته وزوجته التي تم الاكتفاء بأن تعيد بعضا من أموال الدولة التي استولت عليها وتركها حرة طليقة. كما يواجه هؤلاء مع القتلة من الجهاز الأمني لمبارك محاكمات لن تفضي لمحاسبة حقيقية بعد أن تم إخفاء أو تدمير الكثير من أدلة الاتهام, وأيضا لأن تلك المحاكمات تتم ببساطة من خلال القوانين التي وضعها نظامه التي لا تتيح المحاسبة علي الجرائم العظمي التي اقترفها ذلك النظام ورموزه, بينما تتم التحريات وتقديم أدلة الاتهام من خلال جهازه الأمني الذي من المفترض أن يقدم أدلة إدانته وإدانة وزير داخليته حبيب العادلي وقيادات جهازه الأمني وقتلة المتظاهرين من رجال الشرطة بمختلف مستوياتهم الوظيفية!! كما أن النائب العام الذي تم تعيينه في عهد مبارك هو المنوط به تقديم أدلة الاتهام ضد مبارك وعصابته وضد الفاسدين المنتشرين في المؤسسات الاقتصادية والإعلامية في مصر, وهو أمر صعب علي الصعيد الإنساني أن تقوم بمحاكمة حقيقية وصارمة لمن أتوا بك في موقعك. وخلال المحاكمة يقيم الديكتاتور المخلوع في مركز طبي في مستوي فنادق الخمس نجوم وليس في مستشفي السجن كما ينبغي, ويذهب للمحكمة ويعود منها بطائرة وهو ما لا يحق لأي سجين أن يتمتع به, فما بالكم بديكتاتور يعتبر عدو الثورة الأول, وهو متهم بالقتل والتعذيب والاعتقال لمعارضيه وسرقة المال العام وتسهيل استيلاء الآخرين عليه وقيادة النهب الأعظم في تاريخ مصر عبر برنامج الخصخصة الذي تم من خلاله نهب ما بنته الأجيال والحكومات السابقة, وتزوير إرادة الأمة عبر انتخابات واستفتاءات مزورة متعاقبة, وهو تعامل يعني ببساطة أن هناك حالة من التساهل والتواطؤ معه من قبل المجلس الأعلي والحكومة وأجهزة الدولة المعنية بقضيته. وفي الوقت نفسه يتم الاعتداء علي بعض المناضلين والمناضلات ويمنع المعارضون لمبارك من السفر مثل د. أيمن نور, والاستشاري العبقري وأحد رموز الثورة د. ممدوح حمزة, ويستمر مسلسل الاعتقال والتعذيب والقتل ردا علي التظاهرات السلمية في شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء, ويستمر مسلسل استخدام البلطجية ضد المتظاهرين السلميين, هؤلاء البلطجية الذين رعتهم أجهزة الأمن واستخدمتهم لسنوات طويلة في ترويع المواطنين وتزوير الانتخابات وإشعال الفتن. وكل هذه الأمور وضعت مصر في الموقف الصعب الذي تقف فيه, والحل باختصار هو المبادرة إلي تشكيل محكمة الشعب لمحاكمة ناجزة للقتلة والفاسدين ومزوري إرادة الأمة ومبددي أصولها الاقتصادية ومكانتها مع ضمان معايير دولية في هذه المحاكمة دون خوف أو ابتزاز بشأن الاستثمارات العربية أو الأجنبية, لأن مصر لن تبني إلا بأموال وسواعد وعقول أبنائها. والمبادرة بوضع وثيقة دستورية ضامنة للحرية والكرامة الإنسانية ومدنية الدولة وعلمانيتها التي يحاول بعض المتطرفين تصويرها علي أنها ضد الدين, برغم أنها تحمي الدين بإبقائه في عليائه علاقة خالصة بين الإنسان وربه, بعيدا عن متاجرة السياسيين بالدين لتمرير حكم استبدادي ومعاد حتي للفصائل التي تنتمي لنفس الدين من منظور مغاير, كما تشير التجارب التاريخية لكل النظم الدينية. وهذه الوثيقة تكون مضمونة من الشعب الحي ومن أجهزة الدولة وعلي رأسها القضاء والجيش. وإضافة إلي هذه الوثيقة يتم تشكيل لجنة إعداد الدستور لبناء دستور توافقي يراعي كل مكونات الأمة وضرورات الحرية والكرامة والتطور والعدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن النوع والأصل العرقي والدين. والمبادرة لتشكيل لجان خبراء لوضع نظام جديد وعادل للأجور والمعاشات في مصر بما يساعد علي تحقيق العدالة الاجتماعية, وتكوين الحضانة القومية للمشروعات الصغيرة ووضع أموال أغلب الصناديق الخاصة الفاسدة والصندوق الاجتماعي الفاشل تحت ولايتها لحل أزمة البطالة والفقر في مصر, وهذه الإجراءات ستطفئ الكثير من الحرائق السياسية-الاجتماعية المشتعلة. ويتم تسليم الحكومة فورا إلي السلطة الوحيدة المنتخبة حتي الآن وهي مجلس الشعب أيا كانت الملاحظات علي الانتخابات, ليحكم الحزب الذي يمكن أن يشكل التحالف الذي يتمتع بالأغلبية, ليطبق السياسات التي وعد الشعب بها ويطفئ الحرائق المشتعلة في الكثير من المواقع ويقوم بتطهير الإعلام والشرطة والقضاء ومؤسسات الدولة بصورة عاقلة وحكيمة لبناء نظام جديد يستجيب لأشواق شعب مصر للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وهي المطالب الكبري لثورة25 يناير والتي ذهبت كل التضحيات وعلي رأسها دماء وأرواح الشهداء من أجل أن تستولد هذه الحقوق لشعب مصر من أضلع المستحيل. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار