آداب الإفتاء هي الصيغة التي ينبغي أن يكون عليها الإفتاء، وطريقة وأسلوب أدائه، فإذا ما توافرت له تلك العوامل خرج بالشكل الصحيح المقبول، وأركان الإفتاء تتمثل في الفتوى والمفتي والمستفتي، ولكل من هذه الأركان آداب لا ينبغي الخروج عنها. فآداب الفتوى التي ينبغي أن تشتمل عليها الفتوى الشرعية، ويراعيها المفتي عند إصدار فتواه، هي: أن تكون ألفاظها محررة حتى لا يفهم منها السائل وجهًا باطلاً، قال العلامة البهوتي: «ويحرم على مفتٍ إطلاق الفتيا في اسم مشترك». وألا تكون الفتوى بألفاظ مجملة؛ أي متعددة الاحتمالات، لئلا يقع السائل في حيرة، كمن سئل عن مسألة في المواريث، فقال: تقسم على فرائض الله عز وجل، وهو يجهل هذه الفرائض، لكن إن كان السائل من أهل العلم جاز ذلك. وأن تشتمل الفتوى على الأدلة؛ فيحسن ذكر دليل الحكم في الفتوى سواء أكان آية أم حديثًا أم غيرهما، ويذكر علته أو حكمته، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى في حديث ابن عباس أن تزوج المرأة على العمة والخالة، قال: «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم»، وقال النووي في المجموع: «ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة، إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا». ويجب ألا تشتمل الفتوى على جزم بأنها حكم الله إلا بنص قاطع، أما الأمور الاجتهادية فيتجنب فيها ذلك، وقد استدل العلماء على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: »وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا»، وهذا على قول من يجعل الصواب في قول أحد المختلفين، أما من يقول: كل مجتهد مصيب فيجوز أن يقول: هذا حكم الله. ويجب أن تكون الفتوى بكلام موجز وواضح ومستوف لما يحتاج إليه المستفتي مما يتعلق بسؤاله، ويتجنب الإطناب فيما لا أثر له، لأن المقام مقام تحديد، لا مقام وعظ أو تعليم أو تصنيف. أما عن المفتي فينبغي أن يتحلى بكثير من الآداب، ومن ذلك ما نبه عليه الإمام أحمد من أمور، فقال: »لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أولها أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية أن يكون له علم، وحلم، ووقار، وسكينة. والثالثة أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته. والرابعة الكفاية وإلا مضغه الناس. والخامسة معرفة الناس». كما ينبغي عليه أن يحسن سيرته، بتحري موافقة الشريعة في أفعاله وأقواله، لأنه قدوة للناس فيما يقول ويفعل، وينبغي عليه كذلك أن يصلح سريرته ويستحضر عند الإفتاء النية الصالحة من قصد الخلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الشرع، وإحياء العمل بالكتاب والسنة، وإصلاح أحوال الناس بذلك. وعليه أيضاً أن يكون عاملاً بما يفتي به من الخير، منتهيًا عما ينهى عنه من المحرمات والمكروهات، وألا يفتي حال انشغال قلبه بشدة غضب أو فرح أو جوع أو عطش أو إرهاق أو تغير خلق، أو كان في حال نعاس، أو مرض شديد، أو حر مزعج، أو برد مؤلم، أو نحو ذلك من الأشياء التي تمنع صحة الفكر واستقامة الحكم، لأن الفتوى تبليغ حكم شرعي، فهو كالحكم بين الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: »لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان». أما عن آداب المستفتي (أي السائل)؛ فينبغي عليه التحلي بجملة من الآداب أولها حفظ الأدب مع المفتي؛ فالمفتي عالم في الدين، ومتخصص في الشريعة الإسلامية. وعليه عدم الإصرار على مطالبة المفتي بالحجة والدليل؛ فقد اختلف الفقهاء هل للمستفتي أن يطالب المفتي بالحجة والدليل، والراجح أنه لا ينبغي للمستفتي أن يطالب المفتي بالدليل مراعاة لحال المستوفي، إذ هو في الغالب ليس أهلا للتعامل مع الدليل الشرعي، إلا أن يكون ذلك على سبيل الاستئناس به. وعلى المستفتي عدم الإكثار من السؤال في غير فائدة، أو السؤال عما لا ينفع في الدين، أو السؤال عما لم يقع، أو أن يسأل عن صعاب المسائل. وعلى المستفتي مصارحة المفتي لأنه يفتي بالظاهر، وبما تبين من أدلة، وقد يدعي إنسان حقًّا ليس له، ويقيم عليه الأدلة والشهود، فيجيبه المفتي طبقًا لتلك الأدلة أو الشهود وبمقتضى الظاهر، وهنا لا يجوز للمستفتي العمل بتلك الفتوى؛ لأن المفتي لو اطلع على باطن الأمر وصدق المستفتي في عرض مسألته لم يفتِ بما أفتى به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من نار». وللحديث بقية لمزيد من مقالات د شوقى علام