بقلم فضيلة الإمام علي جمعة مفتي الجمهورية آداب الفتوي هي الصيغة التي ينبغي أن تكون عليها الفتوي، وطريقة وأسلوب أدائها، فإذا توافرت للفتوي تلك العوامل خرجت بالشكل الصحيح المقبول؛ حيث يتهيأ لها أداء وظيفتها في المجتمع المسلم، ويمكن أن نجمل تلك العوامل فيما يلي: 1- أن تكون الفتوي ألفاظها محررة: وذلك حتي لا يفهم منها السائل وجهاً باطلا، وقد أكد العلماء علي أهمية تحرير ألفاظ الفتوي، وضربوا الأمثلة بما يتناسب مع عصرهم، ومن ذلك ما ذكره العلامة البهوتي، حيث قال:» ويحرم علي مفت إطلاق الفتيا في اسم مشترك قال ابن عقيل: إجماعا »فمن سئل أيؤكل أو يشرب أو نحوه برمضان بعد الفجر؟ لابد أن يقول الفجر الأول أو الفجر الثاني« »راجع دقائق أولي النهي، للبهوتي، ج3 ص 484« 2- أن لا تكون الفتوي بألفاظ مجملة »أي متعددة الاحتمالات«: لئلا يقع السائل في حيرة، كمن سئل عن مسألة في المواريث، فقال: تقسم علي فرائض الله عز وجل، أو سئل عن شراء العرايا بالتمر - يعني يبيع الثمر وهو علي رأس النخلة بما يقدر من كيل هذا الرطب التي تحمله تمرا - فقال: يجوز بشروطه، فإن الغالب أن المستفتي لا يدري ما شروطه، لكن إن كان السائل من أهل العلم الذين لا يخفي عليهم مثل هذا، بل يريد أن يعرف قول المفتي جاز ذلك. 3- أن تشتمل الفتوي علي الأدلة: فيحسن ذكر دليل الحكم في الفتوي سواء أكانت آية أم حديثاً أم غيرهما، ويذكر علته أو حكمته، ولا يلقيه إلي المستفتي مجرداً، فإن الأول أدعي للقبول بانشراح صدر وفهم لمبني الحكم، وذلك أدعي إلي الطاعة والامتثال، وفي كثير من فتاوي النبي صلي الله عليه وسلم ذكر الحكمة. كحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:»نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تزوج المرأة علي العمة والخالة، وقال: إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن« »رواه ابن حبان في صحيحه«، وقوله في وضع الجوائح:»أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟« »أخرجه البخاري«، وقد ذكر النووي في كتابه المجموع، فقال:»ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة، إذا كان نصاً واضحاً مختصراً. 4- أن لا تشمل الفتوي علي جزم بأنها حكم الله، إلا بنص قاطع أما الأمور الاجتهادية فيتجنب فيها ذلك، وقد استدل العلماء علي ذلك بقول النبي صلي الله عليه وسلم:»وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم علي حكم الله فلا تنزلهم علي حكم الله، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟« »أخرجه الإمام أحمد في مسنده«. وهذا علي قول من يجعل الصواب في قول أحد المختلفين، أما من يقول: كل مجتهد مصيب فيجوز أن يقول: هذا حكم الله، وهو مذهب مرجوح. 5- أن تكون الفتوي موجزة: فينبغي أن تكون الفتوي بكلام موجز، واضح، مستوف لما يحتاج إليه المستفتي مما يتعلق بسؤاله، ويتجنب الإطناب فيما لا أثر له، لأن المقام مقام تحديد، لا مقام وعظ أو تعليم أو تصنيف. وأصل الإفتاء المشافهة والألفاظ وتجوز الفتوي بالكتابة ويتحري عدم التلاعب فيها أو التزوير، ولذا ينبغي أن تكون في عصرنا هذا علي هيئة وثيقة رسمية تصدر عن هيئة أو مؤسسة، وإن أصدرها عالم ختمها بالختم الخاص به وغير ذلك لإغلاق باب التلاعب والتزوير والقول علي العلماء. كما يجوز أن تكون الفتوي بالإشارة إن كانت مفهمة للمراد وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أفتي بالإشارة في مواضع، منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلي الله عليه وسلم سئل يوم النحر عن التقديم والتأخير؟ »فأومأ بيده أن لا حرج« »أخرجه الإمام أحمد في مسنده«، وقال صلي الله عليه وسلم:»إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلي لسانه - أو يرحم« »صحيح البخاري«. هذه جملة من الآداب التي ينبغي أن تشتمل عليها الفتوي الشرعية، والتي يجب أن يراعيها المفتي عند إصدار فتواه، اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا وزلاتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.