الإسلام السياسى مثله مثل أى ظاهرة سياسية لها بداية ونهاية. البداية فى عام 1928 عندما أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، وبعدها دعا الجماعة إلى أن تكون على وعى بالعلاقة بين الدين والسياسة من أجل إعادة تأسيس الخلافة الاسلامية التى كان قد ألغاها كمال أتاتورك فى عام 1924. ومع تحقيق هذه الإعادة ينتهى الاسلام السياسي. والسؤال اذن:هل نهاية الاسلام السياسى ممكنة بهذا المعنى؟ استعنت فى الجواب على هذا السؤال بكتاب صدر فى عام 2002 للمفكر الفرنسى جيل كيبل أستاذ العلوم الاجتماعية والسياسية ومتخصص فى الاسلام السياسى والعالم العربى المعاصر. العنوان الرئيسى لكتابه الرئيسى « الجهاد» والعنوان الفرعى «بقايا الاسلام السياسي». ومن مؤلفاته «النبى والفرعون» و«انتقام الله» و«الله فى الغرب» و«الاسلام والغرب». ومغزى هذه العناوين مردود إلى أن كيبل مهموم بتحليل الظاهرة الاسلامية بحكم أنه أستاذ دراسات الشرق أوسطية بمعهد الدراسات السياسية بباريس. يبدأ السطر الأول من كتابه بالتنويه بأحداث 11 سبتمبر 2001 فيقول عنها، إنها تحدث لأول مرة فى تاريخ أمريكا الأمر الذى ترتب عليه اهتزاز اليقين بأن الحضارة الأمريكية هى الحضارة الحاكمة للقرن العشرين. والمفارقة هنا أن أمريكا هى التى دفعت أسامة بن لادن - مدبر تلك الأحداث - إلى محاربة السوفييت الملحدين بالتعاون مع نظام طالبان الأصولى بأفغانستان. وأسامة نفسه هو الذى قال بأن الله قد بارك طليعة اسلامية وهى تدمر أمريكا. والسؤال بعد ذلك: ماذا حدث للإسلام السياسى منذ بدايته فى عام 1928 حتى ما انتهى إليه فى عام 2001؟ حدثت تراكمات فى حاجة إلى بيان. ففى عام 1970 تأسس حزب الرفاه الإسلامى بتركيا، وفى ذلك العام أيضاً كان خومينى يدعو الايرانيين إلى الثورة من أجل طرد الشاه وتأسيس حكومة اسلامية. وفيه ثالثاً حدثت مذبحة «أيلول الأسود» التى نفذها الملك حسين ضد الفلسطينيين فى الأردن. وفيه رابعاً مات عبدالناصر وتوارت معه القومية العربية والوحدة العربية، وكانت جماعة الإخوان المسلمين هى البديل، ومن ثم بدأ صعود الاسلام السياسى فى العالم الإسلامي. وفى فبراير 1979 أُعلن طرد الشاه وتأسيس الجمهورية الاسلامية. وفى النصف الثانى من التسعينيات من القرن الماضى انشق فريق من الاخوان وشكَل حزب الوسط فى مصر فى عام 1995، وتحالف هذا الحزب مع ما يقال عنهم إنهم علمانيون مع ادعاء أنه قد استبعد من أيديولوجيته أفكار المودودى وسيد قطب وخومينى، كما اعتبر نظرية السلفية الجهادية مصدر رعب ينبغى استبعادها مع رفع شعار « الهوية الديمقراطية للإسلام» فى مواجهة طغيان الحكومات الشمولية، وفى مواجهة المستشرقين الذين ارتأوا أن الاسلام ضد الديمقراطية. أما الحجاب فرأى الحزب أن قبوله أو رفضه هو اختيار شخصى. ولا علاقة له بالشريعة. وفى أوروبا أصبح طارق رمضان حفيد حسن البنا هو الممثل لتيار الوسط الذى يدعو المهاجرين المسلمين إلى الاندماج فى المجتمع الأوروبى على أنهم مواطنون وليسوا غرباء، ومن ثم يتم الانفصال بينهم وب،ين الاسلام السياسي، كما يدعو إلى حوار بين الاسلاميين والعلمانيين. وكان طارق رمضان قد أعلن أن الديمقراطية البرلمانية هى النظام الأقرب إلى الاسلام. واذا فشل المسلمون فى الالتزام بهذا النوع من الديمقراطية، فالضربة تكون قاضية لأى اصلاح دينى بل قد تكون قاضية للإسلام ذاته، وعندئذ يقال عن المسلمين إنهم أعداء الاسلام. أما إذا نجح المسلمون فان الارهاب يتوارى، وبالتالى يمتنع وصف المسلمين بأنهم ارهابيون. والسؤال بعد ذلك: أيهما الأقرب إلى التحقيق فى المستقبل: الفشل أم النجاح؟ جواب كيبل فى الصفحة الأخيرة من كتابه أنه فى إطار أحداث 11 سبتمبر يمكن القول بأنها كانت علامة على اليأس والتمزق وانحطاط الحركة الاسلامية ولم تكن علامة على القوة. فقد توهمت السلفية الجهادية الملازمة ل «بن لادن» أن تلك الأحداث مجرد شرارة لكى تلهب مشاعر العالم الإسلامى من أجل اشعال عاصفة نارية. وهذا أفضل وأسرع من انتظار ثورة الجماهير الاسلامية. ومن هنا يختتم كيبل كتابه بالعبارة الآتية: «إن الحركة الاسلامية ستواجه صعوبة لكى تسير فى الاتجاه المعاكس لبقايا الانحطاط وهى تواجه القرن الحادى والعشرين». والسؤال اذن: ما هى هذه الصعوبة التى يثيرها كيبل بلا جواب؟ الرأى عندى أن هذه الصعوبة تكمن فى الخدعة الكبرى التى أشاعها حزب الوسط ومعه طارق رمضان فى الدعوة إلى التحالف مع العلمانيين مع أن الحزب على وعى وكذلك طارق رمضان بأن العلمانيين ليست لديهم الجرأة على الإعلان أنهم كذلك خشية اتهامهم بالكفر ومن ثم أحدثوا تعديلاً فقالوا عن أنفسهم إنهم «مدنيون». مع أن لفظ « مدنى» يعنى أنك تعيش فى المدينة حيث التجارة والقانون. وهو أمر لا علاقة له بالعلمانية لأن العلمانية بحسب تعريفى هى « التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق». ومعنى ذلك أن العلمانية يمتنع معها التحالف مع أى حزب يرفع شعار الاسلام السياسى. لمزيد من مقالات مراد وهبة