صفاء شاكر رغم أن المرأة السيناوية- مثل أى إنسان- لها عينات إلا أنها غالبا لا تتمكن من الرؤية سوى بعين واحدة، لأن المجتمع أجبرها على إخفاء العين الأخرى من باب الاحتشام.. وفى كل عام ونحن نحتفل بأعياد تحرير سيناء تتصدر صور المرأة السيناوية المشهد.. وربما تتكرر نفس الصور المألوفة ومن بينها تلك التى تخفى فيها إحدى عينيها، وهى صورة تعكس واقعها فى بعض القرى النائية وتوابعها فبالرغم من أن المرأة السيناوية لديها الكثير من القدرات إلا أن المجتمع يحد من هذه القدرات ويمنع الاستفادة منها، فتلك المرأة- التى أضافت إلى أدوارها التقليدية فى تدبير شئون أسرتها ورعى الأغنام وتطريز المنسوجات وغيرها- أدوارا أخرى فخرجت للتعليم والعمل والمساهمة فى تنمية مجتمعها من خلال منظمات المجتمع المدنى إلا أنها مازالت فى معظم الأحوال لا تجد فرصتها للعمل بمؤهلها الدراسى ولا السوق المناسبة لمنتجاتها، ولا حتى فرص للاستفادة بقدرتها المعروفة فى البلاغة وفصاحة اللسان التى تتميز بها كامرأة بدوية والتى تؤهلها للتحدث عن مشاكل مجتمعها واقتراح الحلول لها وتوصيل ذلك لأصحاب القرار من خلال مشاركتها فى المجالس المنتخبة.. لأنها باختصار تعيش فى مجتمع محروم من معظم الخدمات الأساسية وهو ما يلقى عليها بمزيد من العبء.. وهو نفس المجتمع الذى مازال يقيد المرأة بقيود القبلية والعصبيات وبالأعراف والعادات والتقاليد دون أن يفكر من تنقية هذه الموروثات مما يشوبها من سلبيات.. والصورة على لسان السيناويات تؤكد ذلك. سلوى الهرش- نائب رئيس مجلس إدارة جمعية شباب رابعة «قرية رابعة ببئر سبع» ومنسق عام حزب مصر بلدى بشمال سيناء لا تكف عن رفع صوتها فى كل مناسبة لدعوة المرأة العربية لتتحرك وتستنهض فيها القومية العربية الاقتصادية، وتؤكد أن المرأة السناوية لابد أن تكون شريكا فى ذلك وأنها قادرة على هذا، وأن المرأة كى تحصل على حقوقها لابد أن تعمل وتنتج وأن المرأة السناوية قادرة على النهوض بمجتمعها. وهذا ليس كلاما خطابيا فحسب بل تدعمه بمقترحات للنهوض بالمجتمع السيناوى فتقول: لدينا ميناء معطله، ونريد منطقة حرة على أرض سيناء، واستغلالا لثرواتنا التى يمكن أن ترفع الدخل القومى المصرى، واستغلالا للسياحة التى يمكن أن تصبح فرصة لتسويق منتجاتنا، ومعارض دائمة للمنتجات السيناوية فى المحافظات السياحية ومقرا لتوعية المرأة وتثقيفها. صباح سالم- رئيسة مجلس إدارة جمعية تنمية المرأة السيناوية برأس سدر بجنوب سيناء، إلى جانب مطالبتها بتوفير معارض للمنتجات السيناوية فى مناطق متميزة طالبت أيضا بالعمل على توفير برامج ومشروعات لتدريب النساء على تحسين المنتجات اليدوية التراثية والصناعات الحرفية وإسناد مشروعات للجمعيات الأهلية تمكنها من تحقيق عائد يساعد فى دعم المرأة المعيلة التى تضعها جمعيتها فى مقدمة اهتماماتها. حنان مقيبل- رئيسة مجلس إدارة جمعية تنمية المشروعات الصغيرة بشمال سيناء، أكدت أهمية استغلال الثروات الطبيعية فى سيناء وترى أن الاهتمام بها سيزيد من فرص المرأة فى العمل وزيادة الدخل، فكما تقول: لدينا انتاج وفيرمن زيت الزيتون يباع للتجار نظير خمسة عشر جنيها للكيلو ليباع فى المحافظات الأخرى بحوالى خمسين جنيها بعد تعبئته وتغليفه، وكذلك الخوخ والبلح. أيضا لدينا بحيرة البردويل وما تنتجه من أسماك نادرة، وغيرها من المنتجات التى إذا أقيمت مصانع لتعبئتها وتغليفها ستحدث تغيرا فى المجتمع وتوفر فرص عمل للنساء، فلدينا مناجم ومصانع أسمنت ومعادن ورخام ولكن كلها لايوجد بها عمالة نسائية. تضيف: المرأة مازالت تعتمد على المشغولات اليدوية التراثية، وربما تعمل لمدة شهر لإنتاج قطعة واحدة كل عائدها خمسة عشر جنيها، والنتيجة تأصيل للفقر الذى يفرز كل مشاكل وأمراض المجتمع. المرأة محبطة فلا يوجد تأهيل مناسب لها ليس على الحرف اليدوية فقط بل فى المشاركة السياسية التى كلما خطت فيها خطوة للأمام تراجعت خطوتين للخلف حتى أصبحت فرص النساء فى الانتخابات ضعيفة جدا خاصة بعد إلغاء نظام الكوتا. ياسمين عطا- رئيس مؤسسة شباب سيناء للتنمية وحقوق الإنسان، دخلت إلى العمق، إلى القرى وتوابعها لترسم صورة لا يمكن تصورها لمجتمع حل عليه القرن الحادى والعشرون، فتوابع قرى وسط سيناء وغيرها محرومة من مياه الشرب والمحافظة توفر حصة أسبوعية بكل أسرة وبالطبع لاتكفى، وبالقياس على عدم وجود مياه لايوجد صرف صحى ولا خدمات طبية ولا مدارس قريبة... تضيف: المرأة فى هذه المناطق تعيش بلا هوية فليس لديها أوراق ثبوتية من شهادة ميلاد أو قسيمة زواج أو بطاقة، وهو ما يحرمها من الحصول على أدنى حقوقها ومن الاستفادة من أية خدمات مثل الحصول على قروض أو غيره، أيضا الزواج المبكر مازال منتشرا فى هذه المناطق وكذلك زواج الأقارب. وماذا تفعل مؤسسات المجتمع المدنى حيال هذه المشاكل؟ قالت: أعضاء جمعيتنا وغيرها من الجمعيات يقومون بالتوعية ويساعدون فى استخراج الأوراق الثبوتية وكيفية الحصول على الحقوق ودفع المرأة للمشاركة، فرغم الصعوبات هناك نماذج نجحت وفرضت نفسها على المجتمع مثل سهير جلبانة وفضية سالم وغيرهما، والنساء عندما ترى هذه النماذج تشتعل لديهن الرغبة فى المشاركة ولكن بلا خبرات ولا إمكانات لذلك نحرص على توعيتهن وتأهيلهن ولكن قدرات الجمعيات- رغم أن لديها الخبرة- محدودة لذلك لابد من دعم مادى حكومى أو مؤسسى. كان هذا هو آخر كلام للسيناويات، وهذا الكلام لا يختلف كثيرا عما عرضنه هن وغيرهن فى المؤتمر الذى نظمه المجلس القومى للمرأة بالقاهرة فى منتصف فبراير الماضى والذى عرضت السيناويات من خلاله بعض منتجاتهن، ليس بغرض بيعها وإنما ليؤكدن أن هذه المنتجات التراثية والبيئية تستحق المحافظة عليها وتطويرها وفتح منافذ تسويق لها، والاهتمام بها وبمنتجيها الذين تمثل النساء الغالبية العظمى منهم، فهل سيظل هذا المطلب مجرد مطلب نتذكره كل عام؟ اتحاد نوعى للحرف اليدوية البسيطة يبدو أن هناك بارقة أمل بدأت تلوح أكدتها كلمات د.طلعت عبد القوى رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية الذى قال إنه تم إنشاء اتحاد نوعى خاص بالسيدات، يتكون من الجمعيات التي تعمل في الحرف اليدوية البسيطة، وأن هذا الاتحاد سيضم جمعيات على مستوى الجمهورية، وخاصة في المناطق الحدودية في سيناء والنوبة وغيرهما، مضيفا أن الاتحاد العام للجمعيات الأهلية سيقوم بتقديم المساعدة الكاملة لإنشاء هذا الاتحاد النوعى، وسيساعد الجمعيات المشاركة في الاتحاد في التسويق الذى يعتبر العائق الأساسي أمام هذه الجمعيات، علاوة على إنشاء أسوق ومعارض لتسويق هذه المنتجات، كما سيقوم الاتحاد بتدريب السيدات، وتوفير الموارد المالية من خلال المنح والهبات الخارجية والقروض البسيطة من البنوك، وذلك ضمن خطة تنفيذ ما جاء فى مواد الدستور، الذى يلزم الدولة بتنمية المناطق الحدودية والمحرومة. وعن المعوقات التى تواجه مؤسسات التمويل متناهى الصغر قال المهندس فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية من بين هذه المعوقات خوف العملاء الفقراء من دخول البنوك ومؤسسات التمويل، ومن تعثرهم فى سداد القروض، وعدم قدرتهم على تحديد شكل الخدمات الملائمة لهم، كما أن هناك عقبات في المشروع الصغير تتمثل فى ان عدم إشهار وتسجيل المشروع قانونيا قد يقف عائقا أمام الحصول على القروض، موضحاً أن المرأة هى المستفيد الأول من التمويل متناهى الصغر، حيث ثبت ان النساء هن الاكثر إقبالا على الحصول على قروض متناهية الصغر بنسبة ستين بالمائة، منوهاً أن من بين الأماكن التى تتيح فرص التمويل الصندوق الاجتماعى للتنمية، وصندوق التنمية المحلية، مقترحاً إنشاء قاعدة بيانات بأسماء السيدات البدويات وأماكن تواجدهن والمهارات المتوفرة لديهن، وتحديد قائمة بالسلع الرائجة خاصة التى تعتمد على العمل اليدوى والتى تمتلك المرأة السيناوية ميزة تنافسية بها، ووضع برامج تدريبية على هذه المهارات أو الصناعات من جميع النواحى الفنية والمحاسبية، توفير القروض اللازمة لها من خلال تمويل ميسر مع تعظيم دور الائتمان التكافلى. وعن التمويل أيضا قالت د.جيهان جمال المستشار الاقتصادى لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية إن التمويل من أهم المشاكل التي تواجه المرأة عموماً والسيناوية بصفة خاصة، حيث تفتقد المرأة في غالب الأحيان إلى الضمانات الأساسية نظرا لصعوبة توفير وثائق الملكية فى ظل المنظومة الاجتماعية التقليدية القائمة، وأيضا ضعف المدخرات المالية نتيجة اتجاه المرأة أكثر لتعهد مصاريف الأسرة وهو ما أثبتته كل الدراسات المنجزة، كما يمثل تعامل مؤسسات القرض مع المرأة باعتبارها كائنا اقتصاديا ضعيفا معوقا أمام حصولها على التمويلات، موضحة أنه يتم تمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر من خلال (التمويل الذاتى) مدخرات شخصية وقروض من الأهل والأصدقاء، البنوك، و(مؤسسات التمويل المتخصصة) سواء عامة أو خاصة و(أهلية) تقوم بتمويل المشاريع الصغيرة. ومن جمعية مصر الخير تقول سامية مصطفى من مشروع تنمية الحرف اليدوية للمرأة فى سيناء، ان المشروع يعمل على تسويق وعرض منتجات الجمعيات المشاركة من خلال الانترنت عبر موقعين أحدهما للبيع المحلى والآخر للتصدير، ويحرص المشروع على إكساب السيدات مهارات مثل أساسيات البيع والتسويق الالكترونى، وتوقيع عقود لتصدير المنتجات. ويعرض د.صلاح عرفة الأستاذ بالجامعة الأمريكية، تجربة مساهمة الجامعة في التطوير والتسويق كنموذج لمساهمة الجمعيات فى هذا المجال مشيرا إلى أنها تجربة فريدة تقدمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال شهر أبريل من كل عام مند عدة سنوات تحت عنوان «يوم البسايسة: يوم مع الجمعيات الأهلية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة» كمعرض لتسويق وتطوير منتجات الجمعيات الأهلية وخاصة من سيناء بجانب جمعيات من المحافظات الأخري واحتفالا بأعياد سيناء. وأوصى بمشاركة الجامعات والشركات فى تنظيم أسواق للمنتجات وأن تقوم كليات التربية النوعية وكليات الفنون التطبيقية والجميلة بالجامعات المختلفة بتنظيم دورات تدريبية لتطوير هذه المنتجات وفتح أسواق جديدة لها، وأن تقوم البعثات الدبلوماسية بإقامة معارض لتسويقها في البلاد المختلفة وفتح مجالات لتصديرها. كذلك يجب توفير التدريب على نطاق واسع فى شمال وجنوب سيناء لتأهيل المرأة المنتجة، واتخاذ الإجراءات التى تكفل تطوير المنتجات التراثية القائمة وتنظيم معارض مؤقتة أو موسمية لدعم وتسويق المنتجات اليدوية التراثية والتعريف بها بواسطة أجهزة الدولة المختلفة من خلال مطبوعاتها ومواقعها على الإنترنت، والنظر فى صيغ التمويل الحالية بهدف تخفيض أعباء التمويل إلى حدها الأدنى وتيسير سبل السداد. إذن المشاكل مرصودة والحلول المقترحة معروفة والتجارب «النموذج» موجودة والخطط موضوعة.. والباقى هو التفعيل، ففى العام الماضى وربما ما سبقه رصدت صفحات المرأة بالصحف المختلفة مشاكل المرأة السيناوية ومطالبها التى لا تختلف عما عرضته المرأة نفسها هذا العام سوى فى بعض المشاكل التى سيأتى ذكرها مكررا وربما مملا للبعض من أن مشاكل المرأة السيناوية بسجلها الحافل بالتضحيات مازالت تعانى نتائج ميراث مجتمع ذكورى يعيق حصولها على ميراثها وعلى حقها فى الترشيح للمجالس المنتخبة إذا رغب أحد أفراد أسرتها من الذكور خوض هذه الانتخابات.. فهل يأتى العام القادم وتفاجئنا المرأة السيناوية بأنها راضية عن أحوالها حاصلة على الكثير من حقوقها؟.. نتمنى.