بايدن: قرار ترامب فتح تحقيق بشبهة التستر على حالتي الصحية سخيف    الناتو يطلق اليوم أكبر مناورة بحرية في بحر البلطيق وروسيا تندد تصفها ب"الاستفزازية"    إيلون ماسك يهاجم خطة ترامب الضريبية: إفلاس أمريكا ليس مقبولا    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب بنما ولا تقاريرعن وقوع أضرار    الولايات المتحدة تعلن اعتقال قيادي داعشي    جبل الرحمة.. موضع الخشوع وقبلة الدعاء في صعيد عرفات    أكثر من 1.5 مليون حاج يصلون للمملكة استعداداً للوقوف بعرفة اليوم    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    سعر الدولار أمام الجنيه الخميس 5-6-2025    ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستر على الحالة العقلية ل بايدن    وداعًا سيدة المسرح العربي| سميحة أيوب.. فصل الختام في سيرة لا تنتهي    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في مصر لجميع المحافظات    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    كامل الوزير يكشف تفاصيل إنتاج ألبان أطفال (فيديو)    «بعد توافد الحجاج على جبل عرفات».. كيف يقضي الحاج يومه في أعظم أيام الحج؟    دعاء يوم عرفة مستجاب كما ورد في السنة النبوية    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    إصابة 3 أشخاص في حادث مروري بالوادي الجديد    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    هل تسقط مع الظهر بصلاة العيد؟.. حكم صلاة الجمعة يوم «الأضحى المبارك»    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    انقطاع التيار الكهربائي عن بلدات في زابوريجيا جراء قصف أوكراني    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة.. على أمين
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 04 - 2014

كنت أناوله المثلث والمسطرة وأنا جالسة أمامه بالمستشفى ليقيس من فوق فراش المرض حجم الصور والمساحات المقدرة للصفحات التى يزمع نشرها فى مجلته الجديدة التى أوكل إلىّ فيها منصب نائبة رئيس التحرير عام 76..
ومع كل صباح أتوجه إليه بمواد جديدة أسهر عليها لنناقشها معاً ليضيف إليها ويحذف منها بقناعاته وأستاذيته.. ومع تسارع الصباحات المتعاقبة بتدهور مؤشر حالته الصحية لم يتخل على أمين وسط الآلام والمسكنات عن القياس وكتابة العناوين ورسم الصفحات حتى بعد الالتزام بالرقاد على ظهره عصير الحياة يجتاز وريده نقطة بعد نقطة عبر حبل سرى معلق فى نهايته زجاجة والزجاجة مقلوبة رأساً على عقب ككل شيء فى غرفته بالمستشفى.. مادياً ومعنوياً.. فقد كنا نحن المحيطين به على علم مسبق بتسابق خطى المحنة القادمة، فالمرض وبيل، وطوق النجاة قد غرق فى خضم الأمواج العاتية، والأيام الباقيات معدودات كما أطلعنا توءمه مصطفى أمين الذى أوصانا بمجاراة الشقيق بشأن مجلته الوليدة وكأنها ستصدر جدياً فى الغد.. و..بعد أكثر من شهر على الرحيل طلبت من الأستاذ موسى صبرى أن يبحث لى بين مخلفات مكتب الراحل الكبير عن كتاباتى وتحقيقاتى اللامجدية بلا أمل فى النشر الحقيقى فعاد لى بدوسيه مكتنز يضم تعليقات وإضافات بخط على أمين بين السطور، مع أكثر من مسودة لآخر مقالاته «فكرة!» التى كانت جرائد أخبار اليوم تتوج بها صفحتها الأخيرة وكان قد كتبها من فوق فراش المرض بعدما عدلت له من وضع الوسائد، وقربت من حامل زجاجة الجلوكوز الحديدى إلى جوار ذراعه كى لا يزداد ضغط إبرة الكانيولا المزروعة فى وريده.. كتب والدى الروحى سطوره الأخيرة ليناولها لى كى يرى تأثيرها على وجهى باعتبارى عينة للقراء.. وما أن لمح ملمحاً لدموع أحاول خنقها حتى استشعر الراحة لصدى عباراته، وأمر باستدعاء الممرضة لمزيد من المسكن.. ومضي.. ومضيت لأعاود قراءة الكلمات التى كتبها فى أول ابريل 1976 ليرحل بعدها فى الثالث منه وأظل من يومها لا أستطيع نوماً قبل أن أقرأ له الفاتحة وأترحم على روحه.... كتب أستاذى فى آخر أفكاره: «بينى وبين المرض حرب شعواء! لا أنا أستسلم أو أرفع الراية البيضاء، ولا هو يتركنى أعمل كما أريد أن أعمل وأعيش كما أريد أن أعيش! معاركنا معاً لا تنتهى. مرة أغلبه، ومرات يغلبنى. وأنا أكتب هذه السطور بعدما غادرنى خمسة أطباء أحاطوا بفراشى، يريدون منى أن أحنى رأسى أمام هذا الطاغية الجبار، وأنا أصر على مقاومته وتحديه. أريد أن ألقى بكل الأدوية من النافذة، وأريد أن أقفز من فراشى، وأرتدى ملابسى، وأعود إلى مكتبى! إن أخبار اليوم هى حبيبتى. لا أستطيع فراقها يوماً واحداً. أدق بابها فى الصباح المبكر أحياناً قبل السعاة والفراشين، ولا أتركها فى المساء إلا بعد أن ينصرف أغلب الزملاء! ولا أعرف سر هذا العشق الذى لا يريد أن يشيخ! بل كلما مرت السنوات على هذا الحب تضاعف وزاد وتحوَّل إلى جنون! يقول لى الأطباء إنه عندما ارتفعت درجة حرارتى بالأمس إلى أربعين درجة كنت أخطرف! فأذكر الصفحات والبروفات والأعمدة والأخبار، وأتحدث وأنا مغمض العينين إلى محررين وهميين. وعندما انتهت هذه الخطرفة عدت أفكر فى الكتابة من جديد. وكأنى أتوسل إلى المرض أن يتركنى لحظات لأكتب إلى القراء الذين أحبهم. أتوسل إلى الألم أن يمنحنى دقائق لأؤدى واجبى. وعندما أمسك بالقلم فى يدى تخف آلامى. وأحس أن الحياة دبت فىّ من جديد. كأن الحبر هو إكسير الحياة. وكأن القلم الذى أمسكه فى يدى سلك كهربائى يحمل إلى جسدى كهرباء غريبة تدير كل الخلايا الموجودة فيه. ولقد كنت دائماً أحب أن أكون رأسمالياً فى آلامى، أحتفظ بها كلها لنفسى، واشتراكياً فى أفراحى أوزعها على الناس. ولكنى اليوم أحس أن بينى وبين قرائى شركة، وأن من حقى عليهم أن يقاسمونى الخسائر كما يقاسموننى الأرباح.. الكاتب يشعر بأن القراء هم أهله. إخوته. أشقاؤه. أبناؤه. ويحس أنهم يهتمون به كما يهتم بهم. إنه قطعة منهم. وهم قطعة منه. وهذا هو الذى جعلنى أحس برغبة دائمة أن ألقاهم كل يوم. أن أصافح كل يد. كأننى أقول لكل واحد منهم صباح الخير.. هذا الشعور العجيب الذى يربط الكاتب بقرائه هو أجمل ما فى مهنة الصحافة».
وإذا ما كان على أمين قد رشحنى لمجلة لن يكتب لها الصدور فقد كانت مجاراتى له بعملى الجاد فى إعدادها مجرد نقطة عرفان فى بحر عطائه وتشجيعه لى منذ سنوات الجامعة الأولى، حيث عهد لى ولم أزل فى الثامنة عشرة برئاسة قسم المرأة وتحرير صفحة كاملة فى أخبار اليوم بمفردى دون الرجوع إلى أحد حتى إليه، وعندما عرضت عليه يوماً بعضاً من رسومى الكاريكاتيرية لشخصيات أخبار اليوم فاجأنى فى الصباح التالى وقد كتب إشارة فى الصفحة الأولى تقول «سناء البيسى غدا فى ملاعب الكرة» ولم أكن قد ذهبت فى حياتى مرة واحدة لمشاهدة مباراة ولا عرفت الأهلى من السكندرى من الدورى فاتكلت على الله على هدى تشجيعه بقوله ستكونين صاحبة أول ريشة نسائية فى عالم الكاريكاتير.. وأطلعه على خطوطى فى رسم الأزياء فيكرر مفاجأتى بإشارة منه بأننى سأقدم أحدث خطوط الموضة من جميع بيوت الأزياء العالمية على صفحتين كاملتين غداً فى الجورنال.. واصلت تحت رعايته الكتابة وخطوط الموضة والكاريكاتير الذى كان يستدعينى لحضور اجتماعه الأسبوعى مع ثلاثتهم الكبار: على أمين ورخا وصاروخان.. ولم تكن يده الحانية تمتد لى فى ميدان العمل فقط لكنه كان السند والملاذ عندما يضيق بى الأفق فى البيت والحياة حتى لقد كنت أرفع له شكواى الأسرية وأموراً أخالها لا تقال سوى للوالدين.. وكثيراً ما جمعنا فى دعوة على الغداء بمنزله لنغادره أنا وزوجى من بعد سوء تفاهم صافى يا لبن حليب يا قشطة.. وفى تعاملنا مع التوءم مصطفى وعلى أمين كنا ندرك تماما مدى الاختلاف الشديد بين الشخصيتين، فقد كان مصطفى العقل أما القلب والعاطفة فهو على أمين الذى نخشى غضبته أو الوقوف فى طريقه أو مراجعته، وربما المرة الوحيدة التى غضب منى فيها وكان محقاً عندما قمت بعمل عدة رسوم مذيلة بإمضائى لتنشر فى الأهرام بينما أعمل فى أخبار اليوم، ويومها استدعانى مصطفى بك إلى مكتبه بالدور التاسع ليحذرنى من غضبة على بك الذى اعتبر ما جنته يداى ذنباً لا يغتفر، بل فى عداد الخيانة العظمى لعملى مع الأعداء: «ونصيحتى الاختفاء عن وجهه فى آخر الأرض لأنه أقسم أن يقذفك من الشباك إذا ما وقعت عينه عليك»... وبعد مراقبتى الدقيقة عن بُعد لمؤشر الغضبة النارية، ويقينى من هبوطها إلى سفح الحنان ذهبت إليه معترفة بذنبى كاشفة له عن مكافأة ضخمة قدمت لى فى مقابل رسومى، فما كان منه إلا أن كتب لى مذكرة بزيادة فورية فى راتبى تعادل ضعف تلك المكافأة... ويضطرب حال الصحافة واختنق فى أجواء أخبار اليوم المؤممة التى استولى اليسار على مقاليد الأمور بها، فألجأ إلى أهرام الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 1964، ولا تمر الشهور حتى يأتى على أمين ذات نفسه للعمل فى الأهرام صحفيا متجولا فى الخارج، ومن بعد غيبة تسع سنوات خارج البلاد طلب منه الرئيس السادات بعد انتصار أكتوبر العودة فورا إلى القاهرة، وبمجرد عودته صدر قرار الرئاسة بتعيينه رئيسا لتحرير الأهرام ليخرجنى فور توليه المنصب من التابوت الثلجى الذى تكالب البعض لتجميدى بداخله سبع سنوات عجاف بتعيينى رئيسة لقسم المرأة، وكان هو القرار الوحيد الذى اتخذه خلال فترة منصبه الجديد بالأهرام قبل عودته إلى وطنه الأم «أخبار اليوم» ووقتها ذهب من فى قلبه مرض ينقل للأستاذ هيكل ما جرى فأجابهم راداً مكرهم إلى نحورهم بقوله: «وهل هناك غيرها يصلح لمثل هذا العمل؟!»..
و.. أبدًا.. لم نكن نجد أحداً غيرهما يستحق لقب "البك".. على بك ومصطفى بك.. تقوم الثورة وتلغى الألقاب ولا يعود لقب «الباشا» مستخدما اللهم إلا فى حالة الغزل إذا ما لوحقت الحسناء بمديح الثناء يا باشا يا باشا، وتحتفظ بعض الأسر بلقب البك فى خزائنها لتخرجه كنوع من التباهى كقلادة جدتى من الشكمجية فى المناسبات، ولكى نقول كنا وكان فى نعى الأسرة بصفحة الوفيات، وبعدما ذابت البشوية والبكوية استعضنا عنهما بالباشمهندس والخبير والاستشارى، ووحده سيادة الأميرالاى المتقاعد من ظل محتكرا لقب الباشا، ولاحترام المدرس على الماشى فى الفصل نقول له يا بك.. لكن كله كله إلا بكوية على ومصطفى أمين.. لقد ظل لها شموخها وقدرها ووضعها واحترامها ومنزلتها ودويها وأصالتها ومكانتها ومهابتها وسريانها الأخاذ، رغم أن مصطفى أمين قد حكم عليه وهو فى الخامسة والعشرين بالسجن لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ فى عام 1939 بتهمة العيب فى ذات الأمير محمد على ولى العهد وألغى الحكم عام 1942 فى عهد وزارة النحاس باشا، وفصل على أمين فى عام 1928 وهو فى الرابعة عشرة من الدراسة لأنه صَفَعَ حكمدار الغربية الذى حاول الاعتداء على مصطفى النحاس فى طنطا ولم يصدر عنه العفو إلا بعدها بعامين ليحصل على البكالوريا من الجامعة الأمريكية ويسافر لإنجلترا لينال بكالوريوس الهندسة عام 1936 وينضم هناك إلى فريق الملاكمة ليصبح من لاعبيها المشهورين، ويعود إلى مصر مهندساً باليومية فى مصلحة الميكانيكا والكهرباء، ثم مديرا عاما للمعاشات فى عام 1943، وفى عام 1944 يتفرغ مع توءمه مصطفى لإصدار أخبار اليوم.... ورغم وجود كل منهما بعيدا عن الآخر أو فى غرفته الخاصة، فقد كان مصطفى أمين يكمل من خلف مكتبه ما كان على أمين منذ لحظات يقوله لنا هناك من خلف مكتبه، ويتألم مصطفى أمين من داء النقرس وندخل مكتب على أمين لنجد النقرس قد زادت آلامه عليه فى نفس الوقت، ويقشعر بدنك من صقيع التكييف فى مكتب الأول لتكمل تجمدك فى مكتب الثانى، وما أن تجلس إلى أحدهما حتى تجد الآخر قد أتى ليراه ويحادثه ولو للحظات قصار، فيتلاشى حجمك ووضعك بين العملاقين اللذين ينظران إليك غالباً بتعبير الدهشة وتوقع قيامك بأمر ما لا علم لك به!!.. إنه الخيط السرى الخفى الذى يجمع ما بين جناحى التوءم «على ومصطفى أمين» المولودين فى 21 فبراير 1914 فى المشاعر والأحلام والأحاسيس، لقد كانت التوءمة التى تكاد تطابق بين طلعتهما وملامحهما وملابسهما تظل تسرى بينهما عن بُعد، وحمدًا لله أن بقى لنا مصطفى بك بعد وفاة توءمه لسنوات منحنا فيها مزيداً من العطاء الصحفي، وإن ظل الإطار من حوله شاغرا من نصفه الآخر، وكانا قد عانيا مرارة الانفصال على مدى تسعة أعوام قضاها مصطفى فى السجن، وقضاها «علي» خارج مصر ليكتب عن عذابات الغربة: «النظرات التى تبكى بغير دموع، وتصرخ بغير صوت وتنزف بغير دم. النظرات المليئة بالحزن والألم، الناطقة بالحيرة والعذاب كانت كلها فى عينى عندما اضطررت إلى أن أعيش تسع سنوات بعيدا عن بلادى تائهاً غريباً، رجلا بلا عنوان.. الذى ذاق جحيم الغربة وكابد نار النفى يسمع جيداً أنين قلوب هؤلاء الشهداء الأحياء الذين اضطروا أن يهاجروا من وطنهم وأن يتركوا بيوتهم وأن يحرموا من أعمالهم وأن يبتعدوا عن أصدقائهم وأحبائهم.. كنت أذهب إلى أكبر الفنادق.. كنت أجلس فى أعظم المطاعم. كنت أجلس مع أعظم رجال العالم، ومع ذلك كنت أشعر بأننى متشرد ضائع أسير على غير هدى.. كان شىء ما ينقصنى. كنت أحياناً أحس أننى أختنق لأننى فى حاجة إلى نسمة من هواء بلادى. كنت أتلوى من العطش. أريد نقطة من نيل بلادى. كنت أتحسر على ذلك العطر الخالد من مجموع أنفاس الشعب الذى أحبه وأعشقه وأهواه. الذين غابوا عن أوطانهم وحدهم وحرموا منها يعرفون ما هى مرارة الشوق للوطن. ما هو ألم الجرح الذى يحدثه الفراق عن بلدك وبيتك وأهلك وأصدقائك وعملك. قلبى مع كل المهاجرين.. وليعلموا أنهم سيعودون فى يوم قريب إلى أهلهم وإلى بيوتهم وإلى أوطانهم.. ومثلما تغنى فيروز لبنان سنرجع يوما إلى حيِّنا. سنرجع أخبرنى العندليب بأن البلابل لمَّا تزل هناك تعيش بأشعارنا.. لقد أضنانى السهر وخيالات الوهم وصوت فيروز تغنى بلهجتها اللبنانية: «ذكرتك يا عالية.. يخرب بيت عيونك يا عاليه شو حلوين!».
على أمين.. الأب الحنون.. البك.. كان يتابع مسيرتى وكلما أحدثت تلميذته سبقاً يردد على مسامعها كلمته السحرية «برافو» التى جعلت تلامذته فى كل مكان عشاق صحافة.. نصحو صحافة ونأكل صحافة وننام ونقوم ونسهر ونحب ونتزوج وننافس ونلهث ونفرح ونبكى ونجرى ونتعثر ونتشعلق وننكسر ونلتئم ونخربش ونهادن صحافة، ونستنشق عبير برافو جديدة من "على بك" ليرددها لنا من بعده مصطفى بك، وكان الأستاذ لا يمل من وصايته لنا بالأخذ بمبدأ التشجيع فى مسيرتنا والثناء على غيرنا إذا ما وجب الثناء، حتى لأذكر ولم أزل تحت التمرين أنه أوصى موظفى استعلامات أخبار اليوم بأن يخبروه بقدومى يوماً فى الصباح ليشير لى أحدهم بالرد على تليفون المدخل فهرعت متعجبة لأجد "على أمين" بذات نفسه يخاطبنى من مكتبه العلوى بصوت متهلل "شفتها وأنا فى إيطاليا برافو» ولم يكن ما رآه البك وهو خارج البلاد سوى رسم صغير «موتيف» لا يتعدى حجمه والله السنتيمتر فى السنتيمتر قمت بتصميمه بين فقرات يوميات العقاد فى الصفحة الأخيرة من الأخبار... وتقولوا ماتفدوش بلاط صاحبة الجلالة بأرواحكم وتسيروا على خطى مسيرة التشجيع، والكلمة الحلوة، والأخذ باليد، والمساندة، والتذكر بأنك بالأمس كنت مكان من يقف على بابك اليوم يرجو منك نظرة إلى عمله.. قم.. فز.. انهض.. انزع ثوب مركزك وزيف ألقابك وأقنعتك.. الصحافة لا تعترف بالكراسى والسكرتيرات والتليفونات وانتظار الطلعة البهية بالساعات.. قف على حيلك واستقبل من يلجأ إليك، فربما من أهملته يوماً وتعاليت عليه، وانشغلت عنه، ونظرت من خلاله وكأنه خواء، يكمن بداخله برعم نجيب محفوظ الجديد، وتوءم لإحسان عبدالقدوس وبعث لأحمد بهاء الدين، وولادة جديدة لصلاح حافظ، وعودة لعلى أمين ومصطفى أمين.. أصحاب البكوية اللذين نهضا وقاما والتقيا واكتشفا أعمدة الصحافة والاستنارة فى مصر..
على أمين أيقونة التفاؤل والأمل فى الصحافة المصرية رغم ما عانى من آلام الغربة والمرض وفراق الأحباب، وكانت مقولته الشهيرة «ساعة ظلم واحدة طولها ألف سنة».. صاحب القلم الكبير زرع فى حياتنا الأعياد.. عيد الأم وعيد الأب وعيد الحب وليلة القدر.. يكتب دوماً عن أخبار الغد الذى سيحمل إلينا كثيرا من الخير: «المدينة هى المدينة ولكنها ازدادت جمالا. الناس هم الناس ولكنهم ازدادوا طولا فالحرية قد أطالت رقابهم... أطلب من شعب بلادى أن يعرف أن ثمن النصر غال جدا، وأن المنتصر عادة يعيش فترة فى مستوى أقل من مستوى المغلوب! فلما انتصرت بريطانيا على ألمانيا عاشت ست سنوات لا تأكل البيض إلا مرة كل شهر، ولا تأكل اللحم إلا مرة كل أسبوع، وعاش أطفالها ست سنوات لا يعرفون فاكهة الموز، حيث منعت الحكومة استيراد الفواكه لمدة ست سنوات حتى تستطيع أن تسدد ديونها، أما شعب ألمانيا المهزوم فكان يأكل أضعاف أضعاف ما يأكله الشعب المنتصر! لأن الحلفاء أرادوا أن يحموا الشعب الألمانى من زحف الشيوعية فراحوا يغدقون ألوف الملايين على ألمانيا ويصدرون لها مجاناً أكبر المصانع والآلات حتى تقف على قدميها وتقاوم الشيوعية، ولقد كلفنا انتصار أكتوبر العظيم ألوف الملايين من الجنيهات وسنستردها من عرقنا وبعدها سندخل عصر المعجزات، وباق من الزمن القليل وبعدها ستتحول مصر إلى جنة، وأنت الذى ستصنع الجنة... الشمس أشرقت وستبقى مشرقة، وعلى الذين لا يصدقون أن يفتحوا عيونهم... إننى أسعد بكل فرقة كوميدية جديدة، فمعناها أن ضحكات جديدة ستملأ سماء بلادى. معناها أن ابتسامات كثيرة سترتسم على الشفاه الحزينة بعد سنوات من القهر والدموع. إن من الحقوق الجديدة التى بدأ يتمتع بها الشعب المصرى حقه فى أن يضحك... كل ما نتمناه أن ما حدث لنا من آلام لا يحدث لغيرنا..... فلنتجه إلى الذين يحملون القلم ويحاربون به ويصمدون، لا إلى الذين يحملون المباخر، أو الذين يحملون الطبول... عندما تضاء الأنوار تدخل كل الثعابين الجحور... فى مصر الجديدة الكوسة سوف نزرعها فى الحقول لا فى الوزارات والمؤسسات والشركات... أجمل هدايا الأعياد وأحلاها أنها تقول للمنسى لست وحدك، وتقول للغريب أنا معك... شعرت بسعادة غامرة وأنا أرى الرئيس أنور السادات يحضر حفل ذكرى أم كلثوم، قصة الحب بين امرأة وشعب أعطته فأعطاها، وهذه الأرض التى أخرجت أم كلثوم قادرة على أن تنبت عباقرة فى كل فرع من فروع الحياة، وإن فى استطاعة كل مصرى موهوب أن يشق طريقه فى هذا البلد بجده وكفاءته وصبره واستمراره. أم كلثوم الفلاحة المصرية التى استطاعت بصوتها أن توحد الشعب العربى من المحيط إلى الخليج فيقول فى صوت واحد «الله»، وأحسست بسعادة بلا حدود وأنا أرى رئيس الجمهورية يعانق الشاعر أحمد رامى ويقدم له شهادة الدكتوراه، لأنه يدرك أن رامى هذا هو الذى جعل الفلاحة المصرية تمشى فى الغيط خلف جاموستها تغنى: «اللى حبك يا هناه»... الله أعطانى أشياء حلوة كثيرة جدا، فلا يجوز أن أتململ عندما أدفع بالتقسيط ما أخذته بالجملة... السؤال على المريض يشبه المرهم الذى يوضع على الجرح، وهناك جروح كثيرة مفتوحة، النسيان والإهمال يفعلان فيها ما تفعله الخناجر والسكاكين... أفضل أن يفلت ألف مجرم ولا نظلم بريئاً واحداً، وهذا هو معنى سيادة القانون.
آلووه.. يا ملكة
فراشة إنجلترا الأميرة ديانا التى قتلوها داخل المرسيدس تحت كوبرى باريس مع حبيبها المليونير المصرى «دودى» الابن الوحيد للملياردير الفايد صاحب محلات "هارولدز" ليخرج السائق سليماً من الهيكل المعجون مثل الشعرة من العجين.. ديانا كانت قد أخذت بثأرها على طريقة إن كيدهن عظيم من جميع أفراد الأسرة المالكة البريطانية قبل مقتلها وذلك بعد انفصالها رسميا عن الأمير تشارلز فى ديسمبر 1992 من جراء غرامياته بكاميللا الشمطاء التى تكبرها بالكثير وطلاقهما المعلن فى 1996.. أميرة الانتقام التى لم تلطخ أناملها بالدماء أرسلت جميع أرقام التليفونات السرية للعائلة المالكة التى ملأت 15 قائمة للصحفى البريطانى "كلايف جودمان" محرر صفحات المجتمع فى جريدة "نيوز أوف ذا وورلد" داخل مظروف خاص باسمه، واعترف كلايف هذا الأسبوع بأن الأميرة قامت بالاتصال به شخصيا للتأكد من تسلمه للمظروف مع رجاء تسهيل إعطاء أى رقم من داخل الكشوف السرية لمن يطلبه من الصحفيين داخل بريطانيا وخارجها.. و..من يومها لم يتوقف الرنين ليل نهار فى عُقر القصور الملكية!!
ليه يا شيخ؟!
ولا نطق ببنت شفة إثر النطق بالحكم عليه سبع سنوات مع الشغل فى قضية اتهامه بتزوير جنسية والدته أثناء تقدمه بأوراق ترشحه للرئاسة المصرية عام 2012، وحتماً ابتلع الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل لسانه هذه المرة بعدما أدانه حكم سابق منذ أسبوع بالسجن سنة مع الشغل فى قضية إهانة القضاء، ومن هنا فإن بالنا وراسنا وبرامجنا وأمخاخنا ولافتاتنا ومياديننا وبوابات المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى وأرصفة الداخلية والاتحادية والعباسية ووزارة الدفاع وماسبيرو والنهضة ورابعة وقسم الدقى وجريدة الوطن و..الخ.. كلها طالعة فى إجازة راحة وسلام ووئام ومحبة لمدة سبع سنوات سِمّان لن نرى فيها شيخاً يقذف بالملايين المخبأة القادمة للتوزيع الإرهابى إلى بئر السلم لحظة القبض عليه، ولا عصابات بلطجيته ودورات مياههم الشرعية وذبائح سلخاناتهم العشوائية على قارعة الطريق، وتطاولهم البذئ بالذات على ستهم وكايداهم وست الناس كلهم المستشارة تهانى الجبالي.. و..لا فض فوك يا أبوإسماعيل داخل زنزانتك طيلة 2555 ليلة أضاف لسانك المنفلت إليها 365 ليلة أخرى تقضيها فى طلب السماح والغفران من السيدة الفاضلة الراحلة والدتك التى داومت على طلب العلم من داخل جدران بيتها المحترم لتحصل على الثانوية ثم الليسانس فالماجستير والدكتوراه والتى قمت أنت بشهوة السلطة بمرمطة اسمها وجنسيتها رايح جاى عبر القارات من أجل الكرسى الذى مشيت على رأس مظاهرة عرمرم من عشرات الآلاف الصارخة بالتمويل من الدقى لمقر اللجنة العليا للانتخابات فى مصر الجديدة لتقدم أوراق ترشيحك المزيفة التى أوصلتك.. لامؤاخذة.. للقفص.. ليه يا شيخ؟!!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.