القيمة السوقية لأصول الاقتصاد هى شأن مٌهِّم على المستوى القومى لأن الخطط المستقبلية للافراد وللمجتمع، تعتمد على تقدير الثروة التى يمكن ان تزيد أو تنقص بين ليلة وضحاها ومن خطأ المهتمين بالشأن العام والحكومة الصمت حول مردود تقييم الثروة ترك التعليق عليها لمحللى السوق الذين يتولون مهمة التنبؤ باتجاهات السوق على المدى القصير وهى المهمة شبه المستحيلة من الوجهة العلمية نظراً لتعدد وتعقد العوامل المؤثرة على الاسواق. والدليل تلك الآراء المتفائلة على سبيل المثال- لجهابذة المحللين فى العالم يوم واحد فقط قبل الازمة المالية الامريكية فى سبتمبر 2008، أوغيرها من أزمات العقار والبورصات المفاجئة منذ انهيار بورصة وولستريت عام 1929، وكما ينتقص من موضوعية تقدير المحللين تشابك مصالحهم فى كثير من الاحوال- مع مؤسسات المال والسمسرة وقطاعى المقاولات والاستثمار العقاري. وبصفة عامة فان أفكار الناس مشوشة فيما يخص القيمة الحقيقية والاسعار التى يجب أن تكون عليها استثماراتهم فى كل من اسواق الاسهم والعقار ، بالطبع يمكنهم الحكم على السعر مقارنة بسهم أوعقار آخر أو بما كان عليه فى فترة سابقة ولكن يصعب عليهم معرفة المستوى الصحيح للاسعار ، ويرجع ذلك فى سوق الاسهم نتيجة اختلاط افكار آلاف المستثمرين ودوافعهم الشخصية فى البيع والشراء، وتأثر سلوكهم فى السوق باخبار الاعلام المرئى الذى يرغب فى اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين دون دافع حقيقى لمدهم بتقدير علمى ومتعمق قد يفقده نسبة كبيرة من المشاهدة التى سترى فيه صعوبة وملل، وامّا بالنسبة لسوق العقار فهو ليس كما يظن البعض محصلة لقوى العرض والطلب فقط حيث ايضاً تأثير العوامل العاطفية والاجتماعية علاوة على اعتقاد خاطئ لدى العامة بان أسعار العقار فى تزايد مستمر رغم ان السوق المصري، شاهد مثل أى سوق عقارى فى العالم- انفجار فقاعة العقار وركود سوقه وهبوط اسعاره فى نهاية التسعينيات لتعاود الارتفاع بعد عام 2004 وكما ان ارتفاع الاسعار فى بعض الاحياء قد يصاحبه انخفاض فى مناطق اخري، ولقد أدت عدة عوامل الى رواج سوق الاسهم والعقار فى مصر منها انتشار تكنولوجيا الاتصال واستخداماتها فى المحمول والانترنت والسياسات المالية التى شجعت الإقراض الاستهلاكى للافراد واعفاء أرباح تعاملات البورصة من الضرائب والاولوية فى نشرات الاخبار لتحليلات صعود أوهبوط البورصة ودور صناديق التحوط العاملة فى المضاربة بالاسهم ودخول شركات التسويق العقارى الدولية السوق المصرى بالاضافة الى التنبؤات المتفائلة فى معظم الاحوال للمحللين ، وأوجدت كل تلك المعطيات بالتالى ما يطلق عليه بسلوكيات القطيع وبالذات فى سوق الاسهم ، بل لقد صار هناك اعتقاد لدى الجمهور بأن عائد الاسهم سيفوق على المدى الطويل العائد على الاستثمار فى أدوات مالية أخري، مثل السندات وهو الأمر الذى تُفِّنِده الاحصاءات التاريخية على مستوى العالم. لقد شاهد العقد الأول من الآلفية فى مصر-نتيجة هيمنة فكر اليمين الاقتصادي- مَناخاً يُشبه سعار البحث عن الذهب بما يعنى من مضاربات وعدم استقرار الاسعار وثروات للبعض ومآس للبعض الآخر، وكما ادّى انسحاب الدولة وعجزها عن تقديم مستوى لائق لخدمات رعاية المواطنين الى تأجج الخوف لديهم من المستقبل والى السعى لتأمين مستقبلهم وأولادهم من خلال الاعتماد على الزيادة المطردة لقيمة الاصول، هذه هى الثقافة المادية التى برزت فى مصر قبل ثورة يناير2011 والتى صار فيها المُضارب تم تشويه اللغة بإطلاق لفظ المستثمر عليه- أهم من العالم أو الشاب المبدع أو المصلح الاجتماعى ، ولا غرابة اذن ان يتوج ذلك بزواج السلطة السياسية والمال وتولى كبار رجال الأعمال المناصب السياسية فى السلطتين التنفيذية والتشريعية! أيمكن فى نهاية المطاف حماية الناس من نتائج أخطائهم ولكن يمكن الارتقاء بالسياسات القومية لادارة المخاطر فى الاسواق، وبالتى تتعامل مع الفقاعات المالية والعقارية وذلك من خلال قواعد عمل للمؤسسات المالية وضوابط لأسواق الاسهم والعقار مثل التى شرعتها الولاياتالمتحدة بعد ازمة الرهن العقارى الأخيرة والتى أدت الى تهاوى بنوك ومؤسسات عديدة وخراب ديار الملايين، ومن تلك الضوابط مثلاً قاعدة 28/36 والتى تقضى بالاّ يزيد القرض العقارى عن 28% من الدخل السنوى للمقترض و 3% من دخله بحساب فوائد القرض، ولكن الأهم من ذلك كله قيام الدولة بتوفير اشكال افضل من الضمان الاجتماعى للمواطنين فى مراحل حياتهم المختلفة من حيث الصحة والتعليم والتشغيل بما يبعدهم عن المجازفة والمضاربة غير المحسوبة من اجل ضمان المستقبل وبما يُنقى اسواق الاسهم والعقار أيضاً من المضاربة والحركة العشوائية للاسعار. لمزيد من مقالات شريف دلاور