دائما ما تحظى الانتخابات العامة بالهند بإهتمام إعلامى كبير وتكون محط الأنظار على الدوام، وانتخابات هذا العام التى بدأت اليوم وتنتهى 16 مايو المقبل، وستتم على 9 مراحل، لذا تستدعى المزيد من الترقب أكثر من أى وقت مضى ولا يعود ذلك فقط إلى أن المدعوين إلى الاقتراع وصلت أعدادهم إلى ما يقرب من 815 مليون ناخب، وهو ما يزيد على ضعفى عدد السكان فى الولاياتالمتحدة إجمالا، ولكن لأن الهند تتجه نحو انتخابات برلمانية يصعب التكهن بنتائجها لأول مرة فى تاريخها، فهناك حالة من الغضب العام ضد الفساد والمحسوبية داخل الحكومة بالاضافة الى الوضع المزرى للمرافق العامة والخدمات. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، خضعت الهند لحكومة حزب (المؤتمر) الذى يعتبر الركيزة الاساسية فى الديمقراطية الهندية، غير أن حزب المؤتمر تحت قيادة رئيس الوزراء (مانموهان سنج) خلال فترة حكمه السابقة خيب آمال الشعب الهندى وغرق فى سلسلة من فضائح الفساد وفى برامج اقتصادية عرجاء، وقد تزايد الغضب العام بسبب فشل الحكومة فى الحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هذا إلى جانب الفشل السياسى فى اتخاذ إجراءات سريعة للخروج من الأزمة، بجانب اكتشاف العديد من عمليات النصب, كل هذا كان له أثره السيئ على شعبية الحكومة. صراع الكبيرين وتدور المعركة الانتخابية بين حزب المؤتمر، الذى هيمن على الحياة السياسية منذ 67 عاما أى منذ استقلال الهند، بقيادة راؤول غاندى (43 عاما) حفيد عائلة نهرو – غاندى، وبين حزب «بهارتيا جاناتا» القومى الهندوسى بقيادة «ناريندرا مودى» (63 عاما) الذى بدأ يصعد نجمه مجددا ويراهن عليه الكثير من المحللين فى هذه الانتخابات، بل إنهم يطلقون عليه حصان السباق الاسود حيث استطاع تقديم نفسه، باعتباره الرجل القوى الجديد القادر على إدارة البلاد بكفاءة على غرار إدارته لولاية (جوجارات) التى يتولى رئاسة وزرائها ويعلق عليه الشعب آمالا كبيرة فى اخراج الاقتصاد المتعثر من كبوته وخلق مزيد من فرص العمل وأنعاش الاستثمارات وهو ما وعد به فى برنامجه الانتخابي. غير أن البعض يتوقع أنه فى حال وصول"ناريندرا مودى"الى السلطة، فإن خطاب الهند مع الخارج سيكون أكثر حسما عن ذى قبل ولكن ذلك لن يمنع القوة الاقتصادية الثالثة فى أسيا من إقامة علاقات مستقرة مع الولاياتالمتحدة، فرغم أن الرجل لا يتمتع بالقبول العام لدى أوروبا والولاياتالمتحدة، فإن ذلك لم يمنع هذه الدول من إستئناف الاتصالات معه،خاصة بعد أن أشارت استطلاعات الرأى أنه الأوفر حظا بالفوز فى الانتخابات العامة. غير أن انتصار «أسد جوجارات» ليس مضمونا بشكل كامل, فرغم أنه لايزال شخصية محورية فى السياسة الهندية وجاذبية شخصيته لها ثقل مواز لنجاحه الاقتصادى فى ولاية (جوجارات) التى شهدت معدلات نمو تصل إلى 10% سنويا منذ توليه إدارتها فى عام 2001، فإن التساؤل الأول والأهم على الإطلاق هو موقفه من العنف الذى تعرض له المسلمين فى جوجارات عام 2002 على مرأى ومسمع منه,خاصة انه لم يحرك ساكنا عندما لقى المئات من المسلمون مصرعهم خلال أعمال الشغب، ورغم أنه لم يثبت بالدليل تورطه فى أى جريمة، لكنه حتى لم يعرب عن اسفه. وهو ما يجعل المواطنين يتشككون فى قدرته على اثبات نفسه كقائد مؤثر على المستوى القومى مع الأخذ فى الاعتبار سمعته كشخصية مستبدة منطوية نادرا ما يناقش الأمور. أما (راؤول غاندى) فهو فى نظر المواطن الهندى لا يتمتع بالمقومات الأساسية المطلوبة لإدارة البلاد، فرغم أنه تلقى تعليمه فى الغرب ويعتبر من قبل معجبيه تجسيدا للهند الحديثة الشابة, لكنه يتعرض لانتقادات من قبل خصومه باعتباره، لا يتمتع بشخصية قوية حتى إنهم أطلقوا عليه لقب «الأمير المتردد» على سبيل السخرية, هذا بجانب انتمائه لحزب المؤتمر الذى ظل ينخر فى جسد البلاد فسادا سنوات طوال حتى ضاق الشعب ذرعا، وفى واقع الأمر، فإن الشعور بأنه يفتقر المقومات اللازمة ليصبح قائدا عظيما فقد كان الكثير من العاملين بحزب المؤتمر يأملون فى أن تقتحم شقيقته الصغرى (بريانكا) مجال السياسة بدلا منه فهى صاحبة الشخصية الأكثر جاذبية وتلقائية . لاشك أن الهند بحاجة إلى قائد يعطى للبلاد توجهات جديدة ويعيد بناء الثقة مع العامة ويجتث الفساد من جذوره. إلا أن الهند دولة بالغة التعقيد متعددة الأعراق بعيدة عن التجانس حيث تتكون من 28 ولاية وبحاجة إلى رئيس وزراء لديه القدرة على توحيد الأمة. وقد لا يكون الشعب الهندى لديه صورة واضحة عن الرؤية التى يحملها (حزب المؤتمر) وربما لديه تخوف من عنصرية حزب (بهاراتيا جاناتا), لذا قد يضطر إلى اللجوء إلى حزب (المواطن البسيط). هل يفعلها الوافد الجديد؟ الواقع ان حزب (المواطن البسيط)شهد فى الأونة الأخيرة، ظهورا بارزا ومفاجئا، فهو حركة مقاومة للفساد, وكان أداؤه المبهر فى انتخابات البرلمان المحلى ب (ولاية نيودلهى) سببا فى جعل الناخبين تتجه نحوه والتصويت لصالحه، إذ إن فى قدرة هذا الحزب سد الطريق على فرص مودى فى الفوز وتشكيل الحكومة الهندية المقبلة, فهذا الحزب لم يفز فى الانتخابات المحلية فقط بالمقاعد، التى عادة ما كانت تذهب إلى حزب «المؤتمر»، لكنه أيضا حرم حزب (بهاراتيا جاناتا) من الحصول على فوز واضح, والوافد السياسى الجديد الذى يبلغ من العمر عاما واحدا والذى وصفه معارضوه بأنه حزب سياسى خفيف تمكن من الفوز ب 28 مقعدا . السباق على انتخابات 2014 لايزال مفتوحا, غير أن حالة السخط الشديد فى صفوف الناخبين من تراجع معدلات النمو الاقتصادى وانهيار البنية التحتية بجانب حالة الإحباط التى تسود الشعب تجاه الحزبين الرئيسيين قد تدفع بالناخبين وخاصة الشباب إلى إعطاء أصواتهم إلى حزب «المواطن البسيط».