بالغ بعض المعلقين كثيرًا فى اعتبار أحداث أوكرانيا عقب إعلان فلاديمير بوتين ضم القرم إلى الاتحاد الروسى متذرعًا بإجراء استفتاء كانت نتيجته كاسحة لصالحه فى شبه الجزيرة بمثابة بداية حرب باردة جديدة. ففى رأيهم كانت أحداثًأ خطيرة لن تؤدى إلى مجرد برودة فى العلاقات الدبلوماسية، بل ستعنى عداءً وتوترًا وسيلاً من العقوبات وتراكم الاستعدادات العسكرية ومزيدًا من دمج روسيا لأراض أوسع بما فيها المناطق التى تتكلم الروسية من شرق أوكرانيا؛ بل وتوقعوا تهديدًا فى كل لحظة بتحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة، وتستند تعليقات الهول المهول إلى أن تليفزيون روسيا قام بتذكير العالم مساء الاستفتاء بأن روسيا قادرة على تحويل أمريكا إلى رماد إشعاعي، فماذا سيكون رد فعل الغرب على ضم روسيا للقرم؟ العقوبات تؤذى وتلحق أضرارًا، ولكن لا أمل فى قدرتها على إرغام بوتين على الرجوع. فلا أقل عند الذين أطلقوا ضجة مدوية حافلة بالذعر من حرب باردة ممكنة من أن يتوقعوا من الغرب التهديد بثأر عسكرى للوصول إلى ذلك، وهو بالضبط الشىء الذى يمكن أن يقدح زناد حرب كبرى. وفى 18 مارس أنكر بوتين أن لديه رغبة فى تفتيت أوكرانيا، ولكنه لوح بالقوة واستخدم التشهير باليمين المتطرف الأوكرانى حينما كان الاستفزازيون الروس يستطيعون بسهولة خلق أعذار التهديد لحياة الأفراد الروس كذريعة للتدخل. ويتوقع مقال نشر فى مجلة نيوستيتسمان البريطانية الليبرالية التى تميل قليلاً إلى اليسار فى عددها الأخير إعادة رسم حدود أوروبا ثم إنزال ستار حديدى جديد!!. وهذا يخيب كثيرًا الآمال التى انتعشت منذ 1989 إلى 1991 حين بدا أن قارة أوروبا ستنعم بالسلام متحدة بلا صراع إيديولوجي.. وعلى مبعدة من ذلك نقرأ للمفكر اليسارى سمير أمين فى مقال »روسيا وأزمة أوكرانيا« فى مارس 2014 إن الثلاثى المتألف من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى واليابان يواصل إحكام السيطرة على كوكب الأرض من خلال ترابط سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة تسمح لرءوس الأموال متعددة القوميات بأن تقرر وحدها كل الأمور لصالحها. ويتحكم الثلاثى كذلك عسكريًا فى الأرض بكاملها ملغيًا أى محاولة من أى قطر خارج الثلاثى للخروج عن سيطرته. والمجتمع الدولى الذى تشير إليه وسائل الإعلام فى الغرب باستمرار مختزلا فى مجموعة السبع بالإضافة إلى دولتين على الأكثر تبديان موافقة تامة على استراتيجيات هذا الثلاثى، وفى هذا الإطار تعد روسيا عدوًا محتملاً على الرغم من أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى توقع بعض المفكرين فى روسيا أن الغرب الرأسمالى لن يعادى روسيا الرأسمالية مثلما حدث مع ألمانيا واليابان اللتين خسرتا الحرب العالمية الثانية، ولكنهما كسبتا السلام. وينسى هؤلاء المفكرون الروس أن القوى الغربية دعمت إعادة البلاد التى كانت فاشية لكى تواجه تحدى السياسات المستقلة للاتحاد السوفييتى، ولكن هذا التحدى اختفى الآن وصار هدف الثلاثى الاتفاق التام وتدمير قدرة روسيا على أى معارضة أو اختلاف. وفى وجه التوقعات الكارثية بحرب باردة جديدة تقدم نهلة عايد فى موقع محطة سى بى سى العالمية فى 19 مارس 2014 تحليلاً جديرًا بالتأمل عن إمكان أن يكون نصر فلاديمير بوتين فى القرم نهاية لحرب روسيا الخاطفة فى أوكرانيا، وحجة بوتين أن انضمام القرم إلى روسيا يتفق مع المتطلبات القانونية الدولية على الرغم مما تقوله الحكومات الغربية اعتمادًا على فكرة أن حكومة القرم شبه المستقلة ذاتيًأ هى التى قررت إجراء الاستفتاء، وأن أغلبية شعب القرم صوتت بإرادتها الحرة لتنضم إلى الاتحاد الروسي، وكانت النتيجة 96.7 فى المائة لصالح الانضمام أكثر من مقنعة كما قال بوتين، لكنه لم يذكر الطريقة التى تكونت بها حكومة القرم الجديدة دون مشاركة أوكرانية وغياب أى جدال قبل الاستفتاء فى البرلمان، ومنع عضو تترى مسلم من التصويت. وينكر بوتين وجود جنود روس على أرض القرم. ويشعر الآن بوضوح أنه على أرض قانونية آمنة، ويعرف أيضًا أن الغرب لن يدخل فى حرب من أجل القرم وإن مارس ضغوطًأ شديدة، إن نظرة سريعة إلى خريطة العالم تنبئ لماذا تظل روسيا قوة ضرورية لبعض مشاكل العالم الكبرى: سوريا وإيران على سبيل المثال. ومعظم بلاد أوروبا فى مجموعة الثمانى لها كذلك روابط اقتصادية قوية مع روسيا إما كمستوردين للطاقة وإما كمراكز مالية، ولا يريدون العبث بها، والاحتمال القوى هو أن نادى مجموعة الثمانى سيتخذ بعض الخطوات فى إرغام بوتين على دفع ثمن القرم أقل من طرده من المجموعة ما لم يواصل بوتين سعيه لاسترداد بعض أراضى روسيا السوفيتية، وما لم يندفع داخل شرق أوكرانيا. وقد أوضح بوتين لأنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا أنه قد يقنع بفكرة مراقبين عسكريين دوليين فى أوكرانياالشرقية للنظر فى حقوق الأقلية الروسية هناك وهو حضور رمزى يعطى انطباعًا بأن الغرب يفعل شيئًا ملموسًا فالرمزية فى غياب إرادة أى من الجانبين للدخول فى صراع وإدارة المسرح هى كل شىء الآن. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى