بصورة دراماتيكية، تتلاحق توابع الزلزال السياسى الذى أطاح بالرئيس الأوكرانى المعزول فيكتور يانوكوفيتش بين القرار الروسى بإرسال قوات عسكرية إلى شبه جزيرة القرم، وتهديدات الغرب بعواقب وخيمة ضد روسيا، وانقسام الشعب الأوكرانى بين مؤيد ومعارض للتدخل العسكرى الروسى ولانفصال “القرم” عن أوكرانيا. وفى هذا السياق، تفتح “أكتوبر” ملف الأزمة الأوكرانية، وتطرح احتمالات نشوب حرب إقليمية بين روسياوأوكرانيا..وسيناريوهات تفجر الصراع الدولى حول أوكرانيا فى إطار الحرب الباردة بين القوى العظمى. الانقسام يشعل أزمة جزيرة القرم من مظاهرات لإقالة الحكومة وعزل الرئيس، مرورا بعزله وتعيين رئيس مؤقت وصولا للقرار الروسى بإرسال قوات عسكرية إلى شبه جزيرة القرم، تسارعت الأحداث فى أوكرانيا خلال الأيام الماضية والتى بدأت منذ نهاية نوفمبر الماضى بعدما قرر الرئيس الأوكرانى المعزول فيكتور يانوكوفيتش عدم توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبى وهو القرار الذى أشعل الاضطرابات حيث خرج مئات الآلاف من الأوكرانيين والمعارضة الأوكرانية الموالية لتوسيع التعاون مع الاتحاد الأوروبى للشوارع مطالبين يانوكوفيتش بالاستقالة ردا على تراجع الرئيس عن توقيع اتفاقية الشراكة مع بروكسل وقرار توثيق العلاقات مع روسيا بدلا من ذلك والتى استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر مما اضطر الرئيس الأوكرانى لتقديم تنازلات للمعارضة لإخراج أوكرانيا من أزمتها حيث وقع يانوكوفيتش ومسئولو المعارضة اتفاقًا يقضى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة والعودة إلى دستور عام 2004، بعدها تقدمت المعارضة للبرلمان بمشروع قرار لإقالة يانوكوفيتش حيث صوت البرلمان لصالح تسليم مهام الرئيس مؤقتا إلى رئيس البرلمان. وعقب تغيير الحكومة فى كييف اشتبك آلاف المتظاهرين المؤيدين لروسيا مع المؤيدين لأوكرانيا من جهة أخرى فى الوقت الذى قال فيه النشطاء الموالون لروسيا فى شبه جزيرة القرم إنهم سيقاتلون القيادة الجديدة فى كييف ومن هنا أصبحت القرم فى مقدمة المواجهة بين أوكرانياوروسيا. وأعلن رئيس برلمان جمهورية القرم المتمتعة بحكم شبه ذاتى فلاديمير قسطنطينون أن أغلب سكان الإقليم الناطقين بالروسية سيصوتون فى الاستفتاء حول وضع الإقليم والمقرر تنظيمه يوم 30 مارس الحالى. وتبرر روسيا التدخل العسكرى بأن الحكومة الأوكرانية الجديدة فاقدة للشرعية وتشكل تهديدا لسكان القرم من ذوى الأصول الروسية وقد فقدت السلطات الأوكرانية الجديدة تقريبا السيطرة على الإقليم بعد انتشار القوات الروسية وانضمام القوات الأوكرانية إلى الحكومة المحلية التى تخطط للانفصال. وأصبحت شبه جزيرة القرم مقطوعة عن باقى البلاد حيث أغلقت المطارات وأقام المسلحون الموالون للكرملين حواجز على الطريق الرئيسى الواصل إلى باقى أوكرانيا. وعلى الجانب الآخر ساد الشارع الأوكرانى حالة من القلق والتوتر رفضا لأى حرب تقام بين الشعبين الأوكرانى والروسى حيث أعلن الرئيس الأوكرانى الانتقالى اولكسندر تورتشينوف قرار التعبئة العسكرية ووضعت أوكرانيا قواتها المسلحة فى حالة تأهب قتالى وحذرت روسيا من أن أى تدخل عسكرى فى البلاد سيؤدى إلى حرب وطالب البرلمان الأوكرانى الموقعين على مذكرة بودابيست بضمان أمن أوكرانيا ووحدة أراضيها، كما طلب وزير الخارجية الأوكرانى سيرجى ويشتشيريتسيا من حلف شمال الأطلسى النظر فى كل السبل الممكنة للمساعدة على حماية أراضيها، كما دعت أوكرانيا مجلس الأمن لوقف العدوان الروسى على أراضيها. وتصدرت شبه جزيرة القرم مقدمة الأزمات الراهنة بين روسياوأوكرانيا حيث يعود ولاء سكان هذه المنطقة إلى روسيا ، وهى مفصولة جغرافيا وتاريخيا وسياسيا عن أوكرانيا، كما تستضيف أسطول البحر الأسود الروسى ، حيث ترتبط القرم من الشرق بشريط أرضى يكاد يتصل بالأراضى الروسية ويقع ميناء سباستوبول على الساحل الجنوبى لشبه جزيرة القرم وهو مقر أسطول البحر الأسود الروسى الذى يضم الآلاف من عناصر القوة البحرية لذا ترجع أهمية الجزيرة إلى أن امتلاكها يعنى السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح القرم جزءا من أوكرانيا إلا فى عام 1954 عندما قرر الزعيم السوفيتى السابق نيكيتا خروتشوف وهو أوكرانى الأصل إهداءها إلى موطنه الأصلى، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991 أصبحت شبه جزيرة القرم جزءا من أوكرانيا المستقلة ولكن رغم ذلك ما زال أكثر من 60% من سكانها يعتبرون أنفسهم من الروس . وقد اضطرت روسيا طوال أكثر من عقدين للقيام بمناورات سياسية لإبقاء أسطولها بالبحر الأسود وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات مع الحكومات الأوكرانية التى تتغير من وقت لآخر. وكان الرئيس الأوكرانى الموالى للغرب فيكتور يوشنكو قد أثار مخاوف موسكو عندما أعلن فى عام 2009 أن على روسيا إخلاء قاعدتها البحرية فى سباستوبول مع حلول عام 2017 لكن الرئيس يانوكوفيتش الذى أطيح به مؤخرا قرر بعد انتخابه فى 2010 تمديد مدة بقاء الأسطول الروسى فى الميناء حتى عام 2042 مقابل دفع مبلغ 100 مليون دولار وتنزيل سعر الغاز المصدر من روسيالأوكرانيا بنسبة 30%، وتخشى روسيا الآن أن تعمد السلطات الأوكرانية الجديدة إلى طرد الأسطول مجددا.