حين يغيب الحسم، ويتوارى القانون، وتتهاوى هيبة الدولة، وتختلط المفاهيم، ينقلب الحق إلى باطل، وحين تنفجر قنبلة المظاهرات، والإضرابات وترتفع المطالب الفئوية على أولويات الوطن المثخن بالجراح، فإن الاحتجاجات تنتقل من خانة الحق المشروع، إلى خانة الممنوعات الوطنية. إن خطر الاحتجاجات العمياء التى لا ترى مصلحة الوطن، باتت تمثل خطرا داهما على الاقتصاد الوطني، مما يستلزم وقفة جاده من حكومة إبراهيم محلب، بعد أن لجأت – الحكومات المتعاقبة - فى أحيان كثيرة للتفاوض، ورضخت للعديد من المطالب الفئوية خلال ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فشجعت مختلف الفئات على الإضراب عن العمل، بعد ما أدرك الجميع أن الاضراب هو الحل الوحيد للحصول على الحقوق !! من حيث المبدأ، لا خلاف على أن التظاهر، والتعبير عن الرأى حقوق مكفولة، ومصونة بموجب القانون المصرى والمعاهدات والمواثيق الدولية، بشرط أن تكون المظاهرات سلمية، بعيدة عن العنف، والتدمير، والاعتداء على المنشآت والممتلكات العامة والخاصة، ومن ثم فإن أى اختراق لتلك القواعد، يعنى خروج المظاهرات عن غاياتها فى التعبيرالسلمى إلى نطاق آخر يهدد المجتمع، ويعصف باستقراره! .. وفيما بين غياب العدالة السريعة والناجزة، وبين قانون نصوص التظاهر الجديد، يتحدث الخبراء، فى هذا التحقيق، عن المسموح والممنوع فى المظاهرات والإضرابات؟. إن قانون التظاهر رقم (107 لسنة 2013) الصادر بقرار من رئيس الجمهورية، قد نص على الحق فى التظاهر، إلا أنه اشترط فى المادة السابعة منه – كما يقول الدكتور شوقى السيد - أستاذ القانون وعضو اللجنة التشريعية فى مجلس الشورى السابق- على ضرورة الالتزام بالنظام العام، وعدم الإخلال بالأمن، وتعطيل عجلة الإنتاج، أو الدعوة إلى تعطيل مصالح المواطنين، والإخطار عن طريق الكتابة للقسم أو المركز الشرطى التابع له التظاهرة، وأن يتم ذلك قبل التظاهرة أو الموكب بثلاثة أيام على الأقل، وأن يصدر وزير الداخلية قرارًا بتشكيل لجنة دائمة فى كل محافظة برئاسة مدير الأمن بها تكون مهمتها وضع الإجراءات والتدابير الكفيلة بتأمين الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات المخطر عنها وطرق التعامل معها فى حالة خروجها عن إطار السلمية وفقًا للقانون، كما يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن طبقًا “للمادة العاشرة” فى حالة الحصول على معلومات أو دلائل تفيد بتهديد التظاهرة للأمن أو السلم إصدار قرار بمنع الاجتماع، والإخطار قبل الميعاد أربعة وعشرين ساعة على الأقل، كما لقوات الأمن تولى كافة الإجراءات والتدابير وطرق التعامل التى تضعها اللجنة المنصوص عليها فى المادة التاسعة وفقًا لنص القانون، وأكد القانون فى المادة “الثانية عشرة” على ضرورة التزام قوات الأمن فى الحالات التى يجيزها القانون فض أو تفريق التظاهرة طبقا على مراحل ووسائل معينة.. و يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنين وبالغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حاز أو أحرز سلاحًا أو مفرقعات أو ذخائر أو مواد حارقة أو مواد نارية أثناء مشاركته فى الاجتماع العام أو التظاهرة، ونصت المادة “الثامنة عشرة” على عقوبة الغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف أو إحدى العقوبتين كل من عرض أو حصل على مبالغ نقدية أو أية منفعة لتنظيم اجتماع عام أو تظاهرة.. وهكذا جاءت نصوص قانون التظاهر ، واشتراطاته، وعقوباته واضحة لا لبس فيها ، لكن لم تلتزم جماعة الإخوان الإرهابية بأى من بنوده، وأصبح من المعتاد أسبوعيا تنظيم المظاهرات دون إذن مسبق، ودون التزام بمعايير السلمية، ودون الاكتراث بما يقرره قانون التظاهر من عقوبات، ودون الالتفات إلى ساحات التظاهر التى خصصتها مختلف المحافظات!! ومن الضروري، - وفقا للدكتور شوقى السيد - أن يدرك الجميع أن الحقوق ليست مطلقة، فإذا كان القانون قد سمح بحق التظاهر، والاضراب، و التعبير عن الرأي، إلا أنه اشترط أن يكون ذلك سلمياً، ومن خلال اتباع الآليات التى حددها القانون ، وبشرط عدم الإضرار بالغير، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وعدم المساس بأمن الدولة، أما إذا أدت التظاهرات والاضرابات إلى تعطيل عجلة الانتاج، وتعطيل مصالح الناس، وأضرت بالممتلكات العامة والخاصة، فهذه تمثل جرائم يعاقب عليها القانون حق التظاهر وإذا كان التظاهر هو أحد مظاهر حرية التعبير - بحسب الدكتور صلاح الدين فوزى أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة- ، فإن هذا الحق لابد أن يكون مرتبطاً بشروط وضوابط قانونية عديدة ، من بينها ضرورة أن يكون التظاهر سلمياً، وفى المقابل، تلتزم الجهة الإدارية المختصة بتحديد مكان للمتظاهرين لا يجوز لهم تجاوزه بأى حال من الأحوال ويمكن أن يتم تحديد ثلاث أماكن للمتظاهرين اختيار أحدهم، و يلزم ألا يؤدى التظاهر إلى تعطيل المرور، أو تعطيل المصالح العامة عن أداء مهامها، وأن تكون المظاهرات دوماً فى حراسة الشرطة، كما يلزم فض المظاهرة تلقائياً بعد انتهاء الزمن المحدد لها . وبالنسبة للإضراب، والذى نكتفى فى شأنه بالإشارة إلى ما قررته المادة الثامنة من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية المعتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة)) فى 16ديسمبر سنة 1966 ، والتى تنص على أن تتعهد الدول الأطراف فى هذا العهد بحماية حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعنى، على أن يمارس هذا الحق وفقاً للقوانين ولا يحول دون إخضاع القوات المسلحة والشرطة وموظفى الإدارات الحكومية لقيود على ممارستهم لهذا الحق .. صحيح، ان الإضراب تم تنظيمه تشريعيا بموجب المواد 192 , 193 , 194 , 195 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 لكنه لم يتم تنظيم الإضراب بالنسبة للعاملين المدنيين ولا للمعاملين بقوانين خاصة, وهذا يعد فراغا تشريعيا بالنسبة لهذا الأمر لكن نصوص قانون العمل وضعت جانبا من الضوابط لممارسة الإضراب ، ومن بينها ضرورة مشاركة النقابة المعنية، وإن يكون الإضراب دفاعا عن المصالح المهنية العمالية، وكذلك إخطار صاحب العمل بموعد الإضراب قبل عشرة أيام على الأقل من التاريخ المحدد له ويتولى الإخطار اللجنة النقابية ، ويحظر الإضراب فى المنشات الاستراتيجية التى يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى ، وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1185 لسنة 2003 محددا هذه المنشات وهى كالاتى : منشأت الأمن القومى والإنتاج الحربى ، والمنشأت والمراكز الطبية والصيدليات ، والمخابز ووسائل النقل الجماعى ،ووسائل نقل البضائع ، ومنشأت الدفاع المدنى ، ومنشأت مياه الشرب و الكهرباء والصرف الصحى ، ومنشأت الاتصالات ، والمواني، والمطارات ، والمنشأت التعليمية . وبالرغم من هذه المنظومة التشريعية الكبيرة – والكلام ما زال للدكتور صلاح الدين فوزي- إلا أن العديد من المظاهرات قد خرجت عن سلميتها فى الفترة الأخيرة، كما زادت الإضرابات والمطالب الفئوية ، ومازال الطريق مجنياً عليه.. اوضاع للعمال ويقول عبد الرحمن خير القيادى العمالى وعضو المجلس القومى للأجورسابقاً، إنه كما ذكرت مراراً وتكراراً، فإن الإضرابات، تعكس حالة من غياب السياسات الحكومية الصادقة لتحسين الأوضاع المالية والمعيشية للعمال، والذين أصبحوا يخافون على مستقبلهم أكثر من أى وقت مضى، مشيراً إلى أن هناك حالة من التوتر والقلق قد أصابت العاملين فى مواقع الانتاج المختلفة ، بسبب تدنى الدخل، والارتفاع الجنونى فى الأسعار ، مما يدفعهم للإضراب بين الحين والآخر ، مطالبين بتحسين أوضاعهم وظروفهم المالية والمعيشية. عجلة الانتاج ويحذر، الدكتور سمير رياض مكارى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، من أن ما تشهده مصر، بين لحظة وأخرى من مظاهرات وإضرابات، ومطالب فئوية، يشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد المصرى المنهك بعد ثورتين ،حيث تؤدى مثل هذه التصرفات إلى تعطيل حركة الانتاج، وإرباك الدولة، والنيل من استقرارها، والحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الوطنى ، كما أن المظاهرات والاضرابات الفئوية المطالبة بزيادة الأجور دون زيادة الإنتاج له آثاره السلبية، ومنها ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الأسعار، لاختلال العلاقة بين الأجور، ومعدلات الإنتاج. ويشير إلى أن البعض يريد الاستفادة من المناخ الثوري،- وقد تكون مطالبهم مشروعة- نتيجة لما عانوه من انخفاض فى الدخل خلال سنوات طويلة ، معتقدين أن ما يطالبون به لن يتحقق إلا بالإضرابات، فاتجهوا للمطالبة بزيادة دخولهم فى توقيت غير مناسب، يعانى فيه الاقتصاد المصرى من مشاكل كثيرة، تستوجب تكاتف الجميع لزيادة عجلة الإنتاج، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، و من الخطأ أن تستجيب الحكومة للمطالب الفئوية فى هذه الظروف، لان الاستجابة لفئة معينة، يشجع فئات أخرى للمطالبة بنفس الحقوق، الأمر الذى سيؤدى حتما للدخول فى دوامة تنفيذ المطالب الفئوية. ساحات التظاهر خاوية ومع أن قانون “تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية فى الأماكن العامة” – كما يقول الدكتور عادل عامر أستاذ القانون العام بحقوق طنطا - قد أقر فى “ المادة 17” نظاما جديدا يلزم المحافظين بتخصيص منطقة كافية داخل حدود المحافظات يسمح فيها بالاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية للتعبير السلمى فيها عن الرأى دون التقيد بالإخطار، على أن يتضمن قرار تحديد هذه المنطقة إشارة للحدود القصوى لأعداد المجتمعين فيها، مع استمرار حظر الاعتصام أو المبيت فيها أيضا. وبالفعل، شكل عدد من المحافظات لجانا لتحديد أماكن التظاهر المخصصة داخل كل محافظة، لضمان سلامة وأمن المتظاهرين ، ومع أن العديد من المحافظات قد خصصت بالفعل أماكن وساحات للتظاهر، إلا أن جماعة الإخوان لم تلتزم بتلك الساحات.