فى مصر موضوعات كثيرة تحتاج الى نقاش سريع وعاقل، ومنها ماهو وراء التظاهرات فى الشارع، ومن تلك الموضوعات، محاكمة المدنيين الذين يعتدون على المنشآت العسكرية أمام القضاء العسكرى، ومنها قانون التظاهر الجديد، والمحاكمات والأحكام الصادرة فى حق متظاهرات الأسكندرية ومنهم القصَّر. وهذه لها أوقاتها والحديث عنها، ومنها ما شجع على التظاهر. ومنها فى ظنى ما يحتاج الى مراجعة سريعة، ومنها ما يسئ الى الحكومة القائمة إساءة بالغة. وقفت أمام نص قرار رئيس الجمهورية، بالقانون رقم 107 لسنة 2013، بشأن تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 47 «مكرر» الصادر فى 24 نوفمبر لسنة 2013 بعد تعديله وتطويره، وأخذ رأى بعض الجهات والهيئات فيه، مثل المجلس القومى لحقوق الانسان. الفصل الاول الذى يتناول أحكام عامة وتعريفات تقول مادته الأولى «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات السلمية، والانضمام إليها، وذلك وفقا للاحكام والضوابط المنصوص عليها فى هذا القانون»، أما المادة الثانية فتعَّرف الاجتماع العام، والمادة الثالثة تعرف المواكب، والمادة الرابعة تعرف التظاهرة، وهى تعريفات جيدة ولا غبار عليها، وهناك تعريفات مختلفة فى دساتير ووثائق أخرى لمن يريد المقارنة. أما المادة الخامسة، فتحظر الاجتماع العام لأغراض سياسية فى أماكن العبادة أو فى ساحاتها أو فى ملحقاتها، كما تحظر تسيير المواكب منها أو إليها أو التظاهر فيها. ويبدو أن هذا النص فى المادة الخامسة جاء بعد المآسى التى شاهدناها جميعا فى اعتصام رابعة والنهضة، وغيرهما من الاعتصامات القريبة منه أو داخلها أو حولها. أما المادة السادسة، فإنها تحظر على المشاركين فى الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات حمل أية أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو غير ذلك من الأدوات أو المواد التى تعرض الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات للضرر أو الخطر. كما يحظر عليهم ارتداء الأقنعة أو الاغطية لإخفاء ملامح الوجه بقصد ارتكاب أى من تلك الأفعال. هذه المادة مادة مقبولة فى نصها ومعناها، وخصوصا حظر ارتداء الأقنعة أو الأغطية لاخفاء ملامح الوجه. ولكن الاضافة التى تقول «بقصد ارتكاب أى من تلك الافعال»، فإنها غريبة، لأن النية محلها القلب ولا يطلع عليها إنسان على الاطلاق. نعم إن ارتكاب أى من تلك الأفعال جريمة، وفق مايحدده القانون، ولكن هناك من يرتدى القناع لإخفاء وجهه خوفا أو عبثا، دون أن يكون قصده ارتكاب أى من تلك الأفعال الإجرامية. فمن الذى يحدد النية ؟. أما المادة السابعة من هذا القانون، فتنص فى جوهرها على حظر الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الانتاج، وتعطيل مصالح المواطنين، والتأثير على سير العدالة، وقطع الطرق أو المواصلات بكل أنواعها، أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات عامة أو خاصة». ولا أظن أن هناك من يود أو أن ينوى أن يفعل شيئا من ذلك إن كان عاقلا أو كان ممن يحبون وطنهم أو ممن يخاف على النظام العام فى الوطن أو يخاف على الاستقرار. ينتهى هنا الفصل الاول ويأتى الفصل الثانى، الذى يتناول الاجراءات والضوابط التنظيمية للاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات، ويشمل المواد من المادة الثامنة حتى المادة الخامسة عشرة. المادة الثامنة من هذا القانون، هى بشأن الأخطار الكتابى الذى يجب أن يقدم عن تنظيم الاجتماع العام أو تسيير موكب أو تظاهرة، الى قسم أو مركز الشرطة الذى يقع بدائرته المكان المطلوب إقامه المظاهرة فيه أو الاجتماع العام، والشروط الواردة عن الإبلاغ. البيانات المطلوبة فى ظنى مقبولة ومعقولة ومعظمها كانت تطلب فى بريطانيا عند طلب ترخيص أو تصريح للتظاهر وليس للاجتماع العام أو المخيمات على سبيل المثال لا الحصر. كان النص قبل التعديل الأخير، أن يكون الإبلاغ قبل سبعة أيام من المناسبة المطلوبة، وقد وجد هذا النص معارضة قوية وخصوصا من المجلس القومى لحقوق الانسان وبعض الجهات الأخرى، وتم تقليص المدة الى ثلاثة أيام عمل على الأقل، وأن يتم تسليم الاخطار باليد الى الجهة المختصة، أو بموجب إنذار على يد محضر. وهنا تعقيد وتضييق، كان ينبغى أن يزول عند التعديل. كنت أتمنى ولا أزال أن يكون الابلاغ بالهاتف، وأن يختار من هم أهل خبرة وكفاءة وسماحة ودقة لتلقى المكالمات والابلاغات، وأن يعتبر ذلك كافيا لإقامة المناسبة إلا إذا كان هناك مانع واضح وقانونى. وهذا سيساعد على بناء الثقة بين الشعب والشرطة فى المستقبل. المادة العاشرة تنص على أنه يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن وقبل الميعاد المحدد لبدء الأجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة على معلومات جدية أو دلائل عن وجود مايهدد الأمن والسلم، أن يصدر قرار مسبباً بمنع الإجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها الى مكان آخر أو تغيير مسارها، على أن يبلغ مقدمى الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربعة وعشرين ساعة على الأقل. طبعا هذه المادة سينظر المجتمع إليها نظرة شك وخاصة فى ضوء ما كان يحدث أيام الرئيس المتنحى، وكم حدث من فوضى بل وتعقب المتظاهرين دون وجه حق. وأرى أن ذلك لا ينبغى أن يلغى الاجتماع بل تتخذ الاحتياطات الكاملة لاحباط مايمكن أن يهدد الأمن والسلم بكل الطرق والوسائل، دون توقيف المناسبة أو إلغائها. وتستمر المادة فتقول «ومع عدم الاخلال باختصاص محكمة القضاء الإدارى، يجوز لمقدمى الإخطار التظلم من قرار المنع أو الإرجاع الى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الإبتدائية المختصة على أن يصدر قراره على وجه السرعة» وهذا طبعا عبء كبير على منظمى المظاهرات وعلى المحكمة وعلى القضاة، وهم مثقلون أصلا بما لديهم من قضايا أهم. أما المادة الثانية عشرة فتنص على أن «تلتزم قوات الأمن فى الحالات التى يجيز فيها القانون فض أو تفريق الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بأن يقوم بذلك وفقا للوسائل والمراحل المتدرجة بدءاً من مطالبة المشاركين فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بالانصراف الطوعى بتوجيه إنذارات شفهية متكررة وبصوت مسموع، أن يقوموا بفض الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة على أن تتضمن تلك الانذارات تحديد وتأمين الطرق التى يسلكها المشاركون لدى انصرافهم». ثم تقول المادة «فى حالة عدم استجابة المشاركين فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة للإنذارات بالإنصراف، تقوم قوات الأمن بتفريقهم وفقا للتدرج المعروف، باستخدام خراطيم المياه أو استخدام الغازات المسيلة للدموع أو استخدام الهراوات». وفى ظنى أن إصرار المتظاهرين على الاستمرار فى التظاهرة مع تجاهل الموقف والخطورة المتوقعة وخاصة فى وقت الحرب ضد الارهاب، يضع المتظاهرين كشركاء فى العنف الذى ينتج عن هذا الموقف. أما المادة الخامسة عشرة فتنص على أن «يصدر المحافظ المختص قرارا بتحديد منطقة كافية داخل المحافظة تباح فيها الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات السلمية للتعبير السلمى فيها عن الرأى دون التقيد بالاخطار». هذه مساعدة جيدة لتوفير مكان للتظاهر وتحت حماية الشرطة، وإن كان المتظاهرون سيخشون من التجمع داخل المحافظة لفقدان الثقة بين المتظاهرين والشرطة، خشية أن تحيطهم الشرطة فى داخل المحافظة وتنقلهم فى السيارات سيئة السمعة والمنظر. وفى القانون يتناول الفصل الثالث «العقوبات»، وبعضها عقوبات رادعة جدا، حيث يصل الى سبع سنين سجناً على الأقل وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو إحدى العقوبتين لكل من حاز أو أحرز سلاحا أو مفرقعات أو ذخائر أو مواد حارقة أو مواد نارية أثناء مشاركته فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة. أما المادة العشرون من باب العقوبات فتنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنة والغرامة التى لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتدى أقنعة أو أغطية لاخفاء ملامح الوجة بقصد ارتكاب جريمة أثناء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو كل من خالف الحظر المنصوص عليه فى المادتين الخامسة، والرابعة عشرة من هذا القانون». والفصل الرابع يتناول الاجراءات. تمنيت أن تأخذ الحكومة بمقترحات المجلس القومى لحقوق الانسان وغيره من الأجهزة المعنية فلربما كان القانون مقبولا، وليس من الحكمة فى شئ أن يعلن مجلس الوزراء أنه لن يتراجع عن هذا القانون، والحكمة تقول أن الرجوع الى الحق فضيلة. ويجب قبول النقد والنصيحة مهما كان مصدرها كما يجب تصحيح الأخطاء. والله الموفق نشر بالعدد 677 بتاريخ 2/12/2013