من جديد، تصاعدت أزمة الأطباء، بسبب عدم قدرة مختلف الأطراف على التوصل لحلول مناسبة لها وبالرغم من أنه لا خلاف على ضرورة تحسين الأوضاع المالية والوظيفية والمعيشية للأطباء، وغيرهم من العاملين فى مجال المهن الطبية، ولا خلاف أيضاً على أهمية تحسين منظومة الخدمات الطبية المقدمة للمرضى بالمستشفيات الحكومية، والتى تعانى نقصاً حاداً فى العلاج والإمكانات، .. ولكن!! تأتى هذه المطالب فى وقت حرج يمر فيه الوطن بظروف صعبة، كأزمات فى التمويل، وعجز فى الموازنة، ونقص فى الموارد، لدرجة جعلت البعض يتساءل: ألم يكن من الممكن تأجيل هذه المطالب بعض الوقت، لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية للبلاد، خاصة أن الأطباء وغيرهم من العاملين فى المجال الطبى والصحى قد صبروا طويلاً على تلك الأوضاع المالية المتردية، ومن ثم كان يمكن تأجيلها لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية، ودوران عجلة الانتاج؟ فى خطوة تصعيدية، للتعبير عن مطالبهم، اتجه الأطباء، وزملاؤهم من العاملين فى المجال الطبى إلى الإضراب عن العمل، الذى بلغت نسبته نحو 80% فى مستشفيات وزارة الصحة - بحسب بيانات اللجنة العليا لإضراب الأطباء والمهن الطبية-، وإن كانت تقارير وزارة الصحة تؤكد أن نسبة الإضراب أقل من ذلك بكثير، فى حين أعلنت اللجنة العليا للإضراب ، استمرار الإضراب الجزئى المفتوح الذى حدده البروتوكول الموحد للإضراب، لحين تنفيذ المطالب، وتحسين الأوضاع للمنظومة الطبية والصحية بشكل عام. وبينما يستمرالإضراب، يؤكد الدكتور عادل العدوى، وزير الصحة والسكان – وفقا لما جاء فى بيان أصدرته الوزارة أخيرا- تفهمه لمطالب الأطباء التى وصفها بالمشروعة، مشيرا إلى أنه يعمل للتوصل إلى حلول مرضية لكل الأطراف ترضى طموحات الفريق الطبى، وتحقق أهداف الدولة فى تقديم خدمات علاجية متميزة، مؤكداً أن الوزارة أعدت خطة طوارئ، كما تم رفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات ومديريات الشئون الصحية إضافة إلى دعم المستشفيات بأطباء فرق الانتشار السريع المركزية ومن المحافظات، لاستيعاب المرضى خلال فترة الإضراب وتقديم الخدمة من خلالهم. الإضراب.. لماذا؟ يؤكد د. أحمد شوشة رئيس اللجنة العليا لإضراب المهن الطبية، عضو مجلس نقابة الأطباء أن مطالب الأطباء وغيرهم من العاملين فى المجال الطبى هى مطالب مشروعة، فنحن نطالب برفع موازنة الصحة بما يتوازى مع المعدلات العالمية والتى تصل فى العديد من الدول إلى نحو 15% من الناتج المحلي، بينما لا تتجاوز فى مصر 3% فقط، مما يجعل الخدمة الطبية شكلية ، وليست كما يجب أن تكون، ومن ثم فنحن نطالب بزيادة الاعتمادات المخصصة لقطاع الصحة، لضمان علاج مناسب وجيد للمرضى الذى يعانون فى مختلف المستشفيات. يضاف إلى ذلك المطلب ضرورة تحديث هيكل الأجور للأطباء، وتطبيق الكادر الخاص حتى يتسنى لهم إصلاح المنظومة الطبية، علاوة على ضرورة رفع بدل العدوى وبدل المهن الطبية وبدل المخاطر وبدل التفرغ، إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن يتقاضى الطبيب 14 جنيهاً بدل عدوى، و29 جنيهاً بدل تفرغ، ومن ثم فإن هذه المبالغ الهزيلة لا تنشئ منظومة طبيبة سليمة على الإطلاق، فدخل الطبيب حالياً يعنى أنه يعمل بالأجر، شأنه فى ذلك شأن العمال. منظومة تعليمية وتدريبية ولا تقتصر مطالبنا على ذلك، فنحن – والكلام مازال لرئيس اللجنة العليا لإضراب المهن الطبية- نطالب الدولة بالاهتمام بالمنظومة التعليمية والتدريبية للأطباء، فليس من المعقول أن تستقدم الأندية الرياضية مدربين أجانب من الخارج لتدريب اللاعبين، وتتخلى الدولة عن تدريب الأطباء، على أحدث الوسائل العلاجية والجراحية ، والعلاجات الجديدة فى الخارج، فذلك يصب فى النهاية لصالح جودة الخدمة الطبية المقدمة للمرضى، إذ ليس من الطبيعى أن يتم عزل الأطباء عن التطور الذى يشهده العالم فى الطب والعلاج. تأمين المستشفيات أما القضية الأخرى التى يعانيها الأطباء – كما يقول د. أحمد شوشة - فهى تتعلق بالبلطجة، وتعرض الأطباء للاعتداء والضرب فى المستشفيات، من جانب أهالى المرضى والمتوفين، دون أدنى حماية، ناهيك عن المعاش الهزيل الذى يتقاضاه الطبيب والذى يقدر مابين 800 أو 900جنيه، فضلاً عن مكافأة نهاية الخدمة التى تبلغ 18 ألف جنيه، بينما تصل هذه المكافأة إلى 40 أو 50 ألف جنيه للعديد من العاملين بالجهاز الإدارى للدولة. باختصار.. مطالبنا ليست فئوية كما يدعى البعض، لكنها تتعلق بصحة الناس، وضروروة تحسين أوضاع الأطباء والعاملين فى المجال الصحى والطبى، حتى يستطيعوا القيام بواجبهم فى علاج المرضى على أكمل وجه ، مؤكداً أن المفاوضات تجرى حاليا بين لجنة الإضراب والوزارة الصحة، وقد طلبوا مهلة لعرض المطالب على وزارة المالية، ونحن فى الانتظار. مطالب عادلة.. ولكن! ويعيد د. عادل شوقى استشارى العيون بمستشفى الرمد ببنى سويف تأكيد أننا أمام مطالب مشروعة، لكن الوقت غير ملائم للإضراب، كما أن إقرار كادر الأطباء يمثل مطلباً عادلاً، لكن يجب تأجيله لصالح الوطنيه المصرية، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد حالياً، إذ كان يمكن الانتظار لحين تحسن الأوضاع، فقد تحمل الأطباء المعاناة لسنوات طويلة، و يمكن الانتظار لبعض الوقت، حتى تلتقط الدولة أنفاسها، وتدور عجلة الانتاج، وتتحسن الاوضاع الاقتصادية للدولة، بحيث تتمكن من تلبية هذه المطالب والاحتياجات. توقيت غير مناسب يتفق معه د. ربيع نوح مدير مستشفى إهناسيا المركزى ببنى سويف حيث يؤكد أيضاً عدالة المطالب ، لكنها جاءت فى توقيت غير مناسب، فالأطباء مظلومون، بالرغم من أنهم يتعرضون للمخاطر والعدوى والإصابة بالفيروسات خلال العمليات الجراحية ، فأنا – مثلا- أعمل منذ أكثر من 20 عاماً ، ومع ذلك لا يتجاوز مرتبى الأساسى 516 جنيها، والشامل لا يتجاوز الفى جنيه على الرغم من أننى أعمل مديرا للمستشفى. ويضيف: مستشفى إهناسيا المركزى يعمل بكامل طاقته الطبية والإدارية، بالرغم من اقتناع العاملين بها من -أطباء وإداريين وفنيين- بعدالة المطالب التى ترفعها نقابة الأطباء والنقابات الأخرى المتصلة بالمهن الطبية، وذلك حرصاً منهم أيضاً على ضرورة اعلاء المصلحة الوطنية، ومراعاة للظروف الاقتصادية الى تمر بها البلاد حالياً. المفاوضات مستمرة أما إلى أين وصل الإضراب العام للأطباء، فحقيقة الأمر- والكلام للدكتور خيرى عبد الدايم نقيب الأطباء- أن هناك مفاوضات تجرى حالياً بين جهة الإدارة وهى وزارة الصحة وبين النقابة، بعد أن تردت الظروف المالية للأطباء، الذين كانوا يخضعون حتى وقت قريب للقانون رقم 47 الخاص بالعاملين بالدولة ، ثم انفصلوا فيما بعد بقانون آخر يتعلق بكادر المهن الطبية، وقد تم تقديم مشروع قانون إلى مجلس الشورى قبل ذلك ولم يتم إقراره، وإزاء هذا الوضع المالى المتردى للأطباء، لم نجد أمامنا من حلول سوى الإضراب، فليس من المعقول أن يكون المرتب الأساسى للطبيب 280 جنيها، ثم يزيد – بعد البدلات والحوافز إلى 1040 جنيها- وهو رقم زهيد جداً، هذا إن وجدت الحوافز، فهى مرتبطة بحسن الأداء، ومن ثم فإن أى عقوبة يتم توقيعها على الطبيب يتم حرمانه من الحوافز، كما أن نقص الاعتمادات قد يحول دون صرفها فى بعض الأحيان، وقد تتأخر هذه الحوافز لمدة شهرين أو ثلاثة، مما يجعل الأطباء غير قادرين على مواجهة أعباء المعيشة، وهو أمر يأسف له الجميع. ويضيف : كثير من الفئات حصلت على امتيازات مالية – بعد ثورتى يناير ويونيو وتم تحسين أوضاعهم ، بينما لا يزال الأطباء والمهن الطبية الأخرى يعانون ضيق العيش، فى ظل الارتفاع الجنونى فى الأسعار، ناهيك عن المخاطر التى يتعرضون لها بدءا من العدوى، ونقص الامكانات ، وغياب التأمين الجيد للمستشفيات، مما يجعله عرضة للتعدى من جانب أهالى المرضى، علاوة على عمليات البلطجة التى يشهدها بعض المستشفيات بين الحين والآخر، مما يهدد حياتهم ، وحياة الجهاز المعاون لهم. ولا شك – والكلام مازال لنقيب الأطباء الدكتور خيرى عبد الدايم- فإن الإحساس العام لدى الجميع، والمضربين من الأطباء وغيرهم، أن هذه المطالب مجرد تصحيح للأوضاع الحالية، فقد صبرنا طويلاً، والواقع الفعلى يؤكد أن الدولة تسرف كثيراً فى الإنفاق على مختلف المجالات، وتغدق على الكثير من الفئات دون حساب، فمن يتحدثون عن الوطن، وظروفه، ومن يطالبون بتأجيل مطالب الأطباء، لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية للبلاد، عليهم أن يضحوا هم أولا من أجل الوطن، لأن عشرات أو مئات الألوف منهم يتقاضون مبالغ مالية طائلة، بينما يطالبون غيرهم بالانتظار وتأجيل المطالب المالية للأطباء، ومن ثم فإن الحديث عن التضحية يجب أن يشمل الجميع، فليس من المعقول أن يتقاضوا هم هذه المبالغ ثم يطالبون غيرهم بالتروى والانتظار . ويشير إلى أن النقابات المطالبة بتحسين الأوضاع تشمل الأطباء، والصيادلة، وأطباء الأسنان، وإخصائيى العلاج الطبيعي، والتمريض، والفنيين الصحيين والعلميون، وهؤلاء يجب توحيدهم تحت مظلة قانون واحد يؤدى إلى تحسين أوضاعهم المالية بما يتناسب مع يتعرضون له من مخاطر وتحديات فى عملهم. [email protected]