إن قضية العدالة الاجتماعية يجب أن تأتى على رأس أولويات الحكومة ، وقد حان الوقت لتحقيق مطالب جموع الشعب والبدء فى ترجمة شعارات الجماهير التى رفعتها خلال ثورتى 25يناير و30 يونيو عن طريق إجراءات من شأنها رفع مستوى معيشتهم ، وليس عن طريق القروض والإعانات الخارجية، لأن عدم تحقيق العدالة الاجتماعية سوف يكون له عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع وهو ما يوضحه المتخصصون من خلال هذا التحقيق . وفى البداية يقول الخبير الاقتصادى أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام إن العدالة الاجتماعية تتحقق بخلق فرص العمل، وتمكين الشباب من كسب عيشهم بكرامة، بدلا عن ذل البطالة، كما تتحقق بنظام عادل للأجور، به حد أدنى يكفى لحياة كريمة، ويتغير سنويا بنفس نسبة التضخم، وحد أقصى يتراوح بين 15 وعشرين مثل الحد الأدني، وتوصيف وظيفى ومهنى تحدد الأجور على أساسه لكل العاملين لدى الدولة أيا كان موقعهم، أو كانت الوزارة التى يعملون بها . ويتابع النجار حديثه عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: وتتحقق العدالة بنظام عادل للضرائب يعفى الفقراء من دفعها، ويضع نظاما للضريبة على الدخل وعلى أرباح الشركات، يتسم بتعدد الشرائح وتصاعد معدل الضريبة تبعا لقدرات الممولين، ويفرض ضرائب على الثروات الناضبة، وعلى المكاسب الرأسمالية، وتتحقق أيضا بنظام متكامل لدعم الخدمات الصحية والتعليمية، وإتاحتها بشكل مجانى لمن يحتاجها. وأضاف: كما تتحقق بنظام عادل للدعم والتحويلات، بحيث يتم توجيهها للفقراء ومحدودى الدخل، وليس للأثرياء وكبار الرأسماليين والأجانب كما هو حادث حاليا. القضاء على الفساد والسوق السوداء هذا ما أكده الدكتور حمدى عبد العظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات ورئيس الأكاديمية الأسبق موضحا أن العدالة الاجتماعية تشتمل على محاور متعددة :منها تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور وأن يطبق على الجميع دون استثناء سواء كان قطاعا حكوميا أو قطاعا خاصا، كذلك توصيل الدعم لمستحقيه، ويجب أن تحدد شرائح للمستويات الأساسية للأسرة المصرية ،إلى جانب الحد الأدنى للمعاشات الذى دار حوله كثير من المناقشات ولم يصلوا حتى الآن إلى حل ، لابد أن يكون هناك حد أدنى للمعاشات كى تتناسب مع الحد الأدنى للأجور، والعدالة الضريبية هى جزء من العدالة الاجتماعية ويجب أن تكون الضرائب تصاعدية للمشروعات والأفراد وان تكون متدرجة من 10- 20 -30- وهكذا حتى 40%. ولا ننسى معاشات التضامن الاجتماعى التى تمت زيادتها 50% ولابد أن يكون هناك مبدأ لزيادتها حسب نسبة التضخم،و القضاء على الفساد والسوق السوداء خاصة بالنسبة للمخابز ، وفرض رقابة صارمة لضمان وصول الدعم لمستحقيه ، أما بالنسبة للبطالة فمن المفترض أن تكون هناك إعانة بطالة ولكن المناخ الاقتصادى لا يسمح بذلك الآن لأن الدولة لديها عجز 240 مليار جنيه بالإضافة إلى الديون الخارجية وأعباء الدولة . تكافؤ الفرص أما الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية فيرى أن مفهوم العدالة الاجتماعية يختلف من دولة لأخرى حسب ظروفها ، ورغم انه كان احد المطالب الأساسية للثورة إلا أنه لم يتحقق منه شيئا حتى الآن، وكان البعض يعتقد أن إصدار قانون الأجور لتحديد الحد الأدنى قد يكون كافيا فى الوقت الحالى لتحقيق العدالة الاجتماعية ، ولكن القضية لا تتعلق فقط بالحد الأدنى للأجور خاصة وأن هذا القانون لم يطبق على قطاعات واسعةمن العمال الذين يعملون فى القطاع الخاص . ولم تتمكن أى حكومة حتى هذه اللحظة من تطبيق الحد الأقصى للأجور ،رغم أن هناك علاقة ارتباطية. بين الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور ، ومن الضرورى تطبيق الحد الأقصى للأجور لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن هناك مصالح خاصة كبيرة فى المجتمع المصرى تحول دون تطبيقه فى بعض الوظائف وقطاعات بعينها ، ومادام الفارق الكبير فى سياسة الأجور فى الدولة مستمرا فسيظل الإحساس بالظلم الاجتماعى قائما. ويستطرد الدكتور نافعة قائلا : رغم ذلك يشكل الحد الأدنى والأقصى للأجور جزءا يسيرا جدا من قضية العدالة الاجتماعية وفحواها تكافؤ الفرص، من التكافؤ بين الرجل والمرأة وعدم التفاوت فى الدخول ، وبالتالى لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إجراء واحد وإنما يتعين اتخاذ إجراءات كثيرة جدا وليست فى المجال الاقتصادى فقط ، ولكن أيضا فى مجالات التعليم والصحة ومجالات أخرى عديدة. الاحتقان بين المواطن والحكومة وتعرض وجهة النظر الاجتماعية الدكتورة سالى مهدى مدرس علم الاجتماع بالجامعة البريطانية موضحة أن العدالة هى المدخل لاستقرار الدول، وان بدونها سيكون هناك فئة من المجتمع تشعر بأنها لم تحصل على حقها، وليست قادرة على الاستمتاع بالموارد المختلفة التى يستمتع بها فئات أخرى من المجتمع ، وبالتالى لا يمكن أن يكون هناك مجتمع مستقر، والمجتمع المستقر هو الذى يحدث فيه تطور ورقى ويتمتع بالديمقراطية، والعدالة الاجتماعية هى أساس لأى نظام وحكم رشيد فى أى دولة. وللعدالة الاجتماعية مفاهيم متعددة ، وليس معناها أن يقع كل العبء على الحكومات ، ولكن للفرد أيضا دور يجب أن يشارك به ، والإشكالية فى مصر أكبر من ذلك بكثير, فإذا ما قارنا بين الوقت الحالى والحقبة الناصرية فسنجد أنها حققت العدالة الاجتماعية بالمفهوم الأكاديمى، بمعنى أن موارد الدولة كانت كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية بالنسبة لعدد السكان، وبالنسبة للتعليم كان من أفضل النظم التعليمية وخرج عظماء، وكذلك على مستوى الصحة كان الناس سواسية، وكانت هناك أيضا فرص للعمل فى مجال التخصص بعد التخرج مع حصوله على مرتب يكفى احتياجاته ، وكان هم المواطن فى تلك الفترة زيادة الإنتاج لأنه كلما زاد إنتاجه زاد حافزه وتحسن دخله، وبالتالى زيادة الخدمات التى تؤسس وتؤصل له منهج العدالة الاجتماعية. والمشكلة فى مصر فى الوقت الحالى أنها مرت بتغيرات سياسية واقتصادية كثيرة جدا ما بعد الحقبة الناصرية حتى الآن مع الزيادة السكانية الهائلة ، و تغير الهرم الاجتماعى ، واجتماع هذه العناصر لم يجعل الدولة قادرة على تمثيل قيم العدالة الاجتماعية بالصورة المقبولة، فنجد التعليم المجانى موجودا ولكن لا توجد نوعية للتعليم ، كذلك وجود التأمين الصحى ولكن المواطن غير القادر لا يحصل على العلاج بدون عناء, وأصبحت الدولة غير قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية لحفاظ المواطن المصرى على كرامته ، وتوصيل الخدمة الجيدة له نتيجة للتضخم السكانى فى مقابل قلة الموارد. وللأسف الشديد فبرغم الكيان الكبير للدولة المصرية والحراك الاجتماعى، وقيام المصريين بثورتين فى أقل من ثلاث سنوات، فإن الحكومات التى توالت فى تلك الفترة وتأثيرها الضعيف زاد من حدة الاحتقان بين المواطن والحكومة، لأنه يرى أنها لا تلبى احتياجاته فيصبح لديه رد فعل طبيعى بعدم الإنتاج لإحساسه بعدم وجود خدمات. ومنظومة الحكم الآن فى مصر على صعيد الدولة وعلى صعيد المواطن الفرد أصبحت معقدة بشكل كبير، وجزء من هذا التعقيد يقع على عاتق المواطن، ويظل الجزء الأكبر على عاتق الحكومات الخاطئة للمراحل المتعاقبة التى مرت بها مصر، وكان يجب أن تكون حكوماتها فى تلك الفترة أفضل مما هى عليه. الدستور والعدالة الإجتماعية وكان من الطبيعى أن نعرض فى نهاية التحقيق لرأى القانون إذ أشار الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، إلى أن الدستور المصرى تضمن العديد من النصوص التى تحقق العدالة الاجتماعية منها : النصوص الخاصة بفئات بعينها مثل المعاقين والفلاحين والصيادين ، وكذلك النصوص الخاصة العامة بالمساواة بين المواطنين وجميعها تحقق العدالة الاجتماعية, إلا أن دكتور كبيش يرى أن هذا لا يكفى ولابد من إصدار قوانين لوضع حد ادنى وأقصى للأجور، وكذلك وضع قانون عادل للضرائب ، وقوانين خاصة بالصحة تضمن علاج غير القادرين، ونصوص أخرى لتوفير إعاشة للعاطلين وغير القادرين على العمل. ويضيف كبيش: نحن نحتاج أيضا للعديد من التشريعات التى تنص على وضع النصوص الدستورية العامة وإذا كان هناك قانون لا يحقق العدالة الاجتماعية التى ينص عليها الدستور يجوز فى هذه الحالة اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا والطعن عليه بعدم دستوريته، أما إذا لم يصدر قانون فمن الممكن أيضا اللجوء إلى المحكمة الدستورية كى تطالب المشرع بوضع هذا القانون .