هل نعيش حقا عصر الشعوب ؟ ..هل تملك ثورات الربيع العربى صيغة جديدة مختلفة عن الثورات السابقة ؟ حول هذه القضايا ناقشنا الدكتور شريف يونس أستاذ التاريخ بجامعة حلوان وعضو لجنة توثيق ثورة 25 يناير والدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة . بدأنا بسؤال د.يونس: هل نحن حقا نعيش ما سماه البعض «عصر الثورات الجديدة» أو «عصر الشعوب» ؟. عصر الشعوب ممتد بدءا من الثورة الفرنسية،فمنذ ذلك التاريخ أصبح هناك جيش شعبى مجند،ودولة تنسب إلى الشعب وليس إلى ملك أو حاكم،وحتى الديكتاتوريات التى ظهرت بعد ذلك فى المنطقة العربية وأمريكا اللاتينية كانت تدعى أنها تتحدث باسم الشعب،وإذا كان عصر الشعوب قد بدأ فى فرنسا مع الثورة الفرنسية فقد بدأ فى مصر مع ثورة 1919 عندما قام الشعب بثورته مطالبا بالاستقلال مرورا بثورة 1952، وما تشهده مصر حاليا هو جزء من تاريخ عصر الشعوب . ولماذا برأيك انتكست ثورة يوليو 1952 رغم أنها كانت تمثل موجة من موجات تحرر الشعوب ؟. حركة الضباط الأحرار نشأت على فكرة أن الشعب عاجز عن الحصول على حقوقه ، وأن الفساد انتشر فى نظام الحكم ، والحياة الحزبية غير معبرة عن الشعب ، وتحركوا لإعادة الحياة الديمقراطية السليمة، وإجراء إصلاحات الهدف منها القضاء على الفساد فقط ، وحدث تحول فى مسار الثورة وحكموا الشعب بانابة ، ولم يتحقق الهدف من الثورة، والمتمثل فى إقامة حياة نيابية وبرلمانية ودستورية سليمة ، وأول دستور صدر بعد الثورة كان عام 1956 بعد أن سيطروا على مفاصل الدولة وتحكموا فيها،وبدأ انهيار نظام الحكم عام 1967 بالهزيمة المعروفة باسم هزيمة يونيو،بعد ذلك دخل على نظام يوليو مكون الانفتاح والسلام ، ومن ثم الصدام مع الحركة الإسلامية المسلحة ، وفى أواخر عهد الرئيس مبارك حدث صعود اضطرارى لمجموعة جديدة من رجال أعمال ، قادت النظام المتعثر بهدف تحسين الوضع الذى شهد تحسنا إلى حد ما على حساب موارد الدولة ودون أن يشعر المواطن بنتيجة هذا التحسن . إذن أنت ترى فى ثورة 25 يناير ثورة على نظام يوليو ؟ بالفعل الثورة كانت على حصيلة ستة عقود منذ أن قامت ثورة يوليو وأصبح المواطن بلا قيمة ولا كرامة، وتحولت مصر إلى دولة بوليسية تعتمد على الأسلوب الأمنى فى حل مشاكلها على الرغم من عدم عداء ثورة يناير للرئيس عبد الناصر وما علاقة ما حدث فى مصر مع ما شهدته دول المنطقة العربية من ثورات ؟ الثورات قامت ضد نظام إقليمى أثبت فشله فى تنفيذ تعهداته ، ومبنى على قهر الشعوب.هذا النظام قام فى الأساس على مسألة مواجهة إسرائيل ، منذ إنشاء جامعة الدول العربية فى عهد مصطفى النحاس،وهناك عامل آخر مهم هو أن هذه الأنظمة شاخت وعاجزة عن الاستمرار ، وتحولها إلى كيانات بوليسية تجهض الحراك الاجتماعى ، ومع ظهور قوة شعبية جديدة لا تستطيع التأقلم مع الواقع المتدهور سواء فى مصر أو ليبيا أو تونس أو سوريا،وساعد هذه الشعوب التفاعل العالمى من خلال الإنترنت والميديا والفضائيات مما ساعد على استعادة دور الطبقة الوسطى ، والقطاعات المتعلمة, ليس فى منطقنا فقط ، بل فى الدول الديمقراطية عندما ظهرت فى أمريكا جماعة «احتلوا وول ستريت» التى تأثرت بالثورة المصرية وايضا فى إسرائيل تكونت مجموعات ثورية من نوع جديد احتجاجا على سياسات حكومتها . وهل الثورات المعاصرة تختص بسمات تميزها عن الثورة الفرنسية والبلشفية ؟ ذهبت بعض الآراء إلى أن الثورة الفرنسية قامت بها الطبقة البرجوازية ، وأن الثورة البلشفية قادها العمال،وأنا أرى أن هذا القول يعد تبسيطا أيديولوجيا أكثر منه حقيقة،فالثورة الروسية قامت بها طبقة المتعلمين الذين يمثلون فصيلا فى الحزب الشيوعى ، والقول بأن الثورة الفرنسية قامت بها الطبقة البرجوازية ليس حقيقيا،ولكن نستطيع القول إن مسار الثورة كان فى اتجاه مصلحة مجموعة ما . الثورات عموما سواء الفرنسية أو الروسية أو الصينية ، كانت تقودها تيارات ذات ايديولوجيا وتشكلت مجموعات فكرتها الأساسية التنوير والحرية والمواطنة والمساواة وفصل الدين عن الدولة .وكانت هذه الإيديولوجية وراء قيام الثورة الأمريكية على إنجلترا . الفكرة الإيديولوجية كانت تهدف إلى إقامة مجتمع جديد ، لهذا حققت هذه الثورات أهدافها خلال فترة قصيرة من خلال الإطار الحاكم الذى قامت من أجله الثورة،أما الانتفاضات أو الثورات الحديثة فهى عبارة عن تحركات اجتماعية ترفع مطالب التحرر دون أن يكون لديها نموذج بديل يمكن تطبيقه وإقامة الدولة الديمقراطية . الثورات فى المنطقة العربية تتهددها الأخطار ..لماذا ؟. بداية دعنى أؤكد أن الثورة تستمد قوتها من انهيار النظم القديمة ، وفى مصر وعقب ثورة 30 يونيو تفاءلت كثيرا عندما قام الفريق السيسى بإجراء إصلاحات داخل الجيش ، والاهتمام بتوطيد علاقات جديدة مع جهاز الشرطة، فضلا عن اتجاه وزارة الداخلية إلى الالتزام بالقانون وحرية التعبير ، فكان من المتوقع إن تنتقل هذه الإصلاحات إلى الوزارات المدنية ومنها إلى أجهزة الحكم الأخرى . ولكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد . وهذا يؤكد أن الثورة فى مأزق لعدم وجود بديل ثورى يمتلك قوة وآليات تمكنه من الإصلاحات التى خرجت من أجلها جموع الشعب المصرى . وهل تلعب الثورات المضادة دورا فى ذلك ؟. تنظيم الإخوان يعد السبب الرئيسى فى ما يسمى بظاهرة الثورة المضادة، فبعد فشلهم فى إدارة شئون البلاد، وخروج الشعب فى 30 يونيو لإعلان رفضه حكم الإخوان، لجأوا إلى إرهاب الشعب ونشر الفوضى ومحاولة تعطيل خارطة المستقبل ، فصار من المعتاد أن كل من يتظاهر أو يعترض على سياسات الحكومة يتهم بأنه من الإخوان ، والقنوات الفضائية المملوكة لمن يمثلون فلول النظام الأسبق تقود هذه الحملة أملا فى استعادة نظام مبارك الذى انهار ولن يعود مرة أخرى.