(4) طبقة البرجوازية الصغيرة حتى لا نتوه القينا الضوء سابقاً على الطبقة العاملة، وطبقة الفلاحين، والحرفيين والفئات المهمشة والفقيرة، في ثلاثة مقالات منفصلة، على نفس الصفحة، ومقالي هذا لإلقاء الضوء على طبقة البرجوازية الصغيرة . البرجوازية الصغيرة هي احدى الطبقات الاجتماعية البسيطة، المرتبطة بعملية الانتاج السلعي، بجميع انواعه، وتضم كل من يمتلك ادوات الانتاج البسيطة التي يعيش منها، ويعملون بها بأنفسهم، وقد يستعينوا بعامل مساعد او اكثر، مثل اصحاب الورش الصغيرة بجيع انواعها، كورش الحدادة والنجارة واللحام والاخشاب وغيره، واصحاب المصانع الصغيرة بجميع انواعها ( تكون عادة شقة او محل)، كمصانع الملابس الجاهزة والأحذية والأغذية المنزلية والحلي التقليدية والتذكارات واالادوات المنزلية بجميع انواعها والمطابع الصغيرة، وتشمل ايضاً أصحاب الملكيات الزراعية الصغيرة، والذين تتراوح جيازاتهم الزراعية ما بين ثلاثة وخمسة أفدنة، ويعملون بها بأنفسهم، وقد يستعينوا بعامل زراعي أو أكثر للعمل معهم في بعض الفترات، وأصحاب المطاعم الصغيرة، وأصحاب صالونات الحلاقة والتجميل، وأصحاب السيارات الأجرة والنقل ويقوموا بانفسهم بقيادة سياراتهم، وأصحاب المحلات الصغيرة ( البقالات ، والمكتبات الدراسية، ومحلات المستلزمات المنزلية، ومحلات الاحذية، ومحلات الملابس الصغيرة) وجميع اصحاب محلات المواد الاستهلاكية الصغيرة، والسماسرة الصغار، ومقاولي عمال المياومة، ومندوبي التوزيع لمنتجات الشركات، وغيرهم . كانت البرجوازية الصغيرة النواة الاولي للنظام الراسمالي في الغرب، وارتبط تكوينها بنشأة المدن وتطورها، وصعدت اجزاء منها، بالاضافة الى الطبقة الوسطى التجارية، لتكوين ما سمي بالطبقة الوسطى، ثم تطور جزء من الطبقة الوسطى بعد ذلك الي طبقة البرجوازية الكبيرة في اغلب دول الغرب، سواء عن طريق صعود البعض منهم، أو لدخول بعض شرائح الطبقة الارستقراطية لمجال التصنيع، بسبب جازبيتة في فترات كثيرة، وكان الاتجاه العام للبرجوازية الصغيرة هو النقصان باستمرار، بسبب سياسات السوق المفتوح وعدم قدرتها على الصمود أمام المصانع والشركات والمتاجر الكبرى، وتحول جزء منهم إلي عمال وإكتسبوا صفة البروليتاريا، وصعد جزء آخر للطبقات الأعلى كالطبقة الوسطى، ولم يتبقى من البرجوازية الصغيرة في الغرب إلا القليل النادر، حتى انها اقتصرت على محلات الاجانب لتقديم بعض السلع لزويهم من الاجانب، وهذا ما دعا أغلب مفكري علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة الى اعتبارها طبقة إنتقالية، وحدث ذلك عبر نضالات كثيرة وثورات كبيرة، ولقرون من الزمن، لتتمكن الطبقة البرجوازية الكبيرة الصاعدة من ترسيخ النظام الراسمالي، على انقاص النظام الاقطاعي، مثل الثورات البريطانية الفرنسية الامركية والالمانية، وغيرهم . ولكن الوضع في مصر يختلف كثيرا، بسبب ظروف تطور المجتمع المصري، فقد ظل المجتمع المصري منذ ايام الفراعنه، ومرورا بكل الغزاة والمحتلين، مجتمعاً زراعياً، وعمل اغلب السكان كعمال زراعيين، واستمر هذا الوضع ايضاً طوال حكم الاسرة العلوية، بسبب امتلاك محمد على لجميع الاراضي في مصر، وصدور قانون الاحتكار عام 1942م، وفي عهد الخديوي سعيد، وصدور ما سمي بالائحة السعيدية، والتي تم بموجبها التصرف في بعض الاراضي بالبيع او الرهن، والتي كانت البداية لتكوين الاقطاع في مصر، حيث تركزت ملكية الاراضي الزراعية في يد 2.740 اسرة، مع استمرار نفس علاقات الانتاج، المتملثة في نظام السخرة، وظل هذا الانقسام الطبقي الحاد لقروناً من الزمن، ولم تنشأ طبقة البرجوازية الصغيرة، سوي في المدن الكبرى فقط، ولم تكن ذو تأثير يذكر . ولم تظهر طبقة البرجوازية الصغيرة في مصر كقوة مؤثرة سوى مع ثورة يوليو1952م، حيث اهتمت الدولة بدعم ومساندت المشروعات الصغيرة، وادت حركة التأميمات الكبري في بداية الستينات الي ان تتنفس تلك المشاريع الصغيرة الصعداء، وايضاً ادت سياسات الاصلاح الزراعي إلى خلق طبقة برجوازية صغيرة زراعية في الريف لأول مرة في مصر، حيث تبين الإحصائيات الرسمية بأنه حتى سنة 1969 م، تم توزيع 989,184 ألف فدان على الفلاحين مابين فدانين الى 5 أفدنة للاسرة . وادت سياسات النظام الناصري الى احداث حركة نهضة واسعه، في التعليم والصحة والخدمات بجميع انواعها، وتطورت بذلك جميع المدن في مصر، واصبح بامكان ابناء طبقة البرجوازية الصغيرة، الحصول على مكتسبات اجتماعية وسياسية واسعة، وكانوا اكثر الداعمين لنظام جمال عبدالناصر . ومع بداية عصر السادات ، وانقلابه على سياسات سلفه عبد الناصر، كانت البرجوازية الصغيرة في البداية اقل تضررا من غيرها، لقدرتها على تحريك قيمة منتجاتها أو خدماتها، وكانت تسمى ب (الكسيبة)، ولكنها ما لبثت ان اصبحت اكبر المتضررين، بعد فتح الاسواق امام الاسواق الخارجية، والمنافسة غير المتكافئة على الاطلاق مع تلك الاسواق، وتدني جميع الخدمات، مما ضاعف التزاماتهم، ولم تعد طبقة ميسورة الحال كما كانت، ومع نظام خلفه مبارك، وبسبب اتباعة نفس السياسات، زادت معاناة هذه الطبقة، لاستحكام نظام الاحتكار في جميع الانشطة الاقتصادية، وما ادى اليه من تضاعف اسعار المواد الخام والمواد الاولية اللازمة لعملية التصنيع، وتمكن المحتكرين من الاستحواز عى الاسواق، وزادت هذه المخاطر بعد اتفاقيات الجات، وغيره من مظاهر العولمة الجديدة، التي حلت محل الاستعمار التقليدي القديم، لدرجة ان قلاع صناعية عريقة بدأت في الانهيار مثل مصانع وورش النسيج والمنسوجات في المحلة الكبري، وكثيرا من الصناعات التقليدية، ولم تترك سياسة السوق المفتوح مجالا إلا واجهزت عليه، ولم تترك لنا حتى فوانيس رمضان . وبحكم طبيعة هذه الطبقة فانها انبهرت بعد ثورة 25 يناير 2011م، بقوة وتنظيم التيار الاسلام السياسي، وخاصة تنظيم الاخوان المسلمين، وكانت القوة الاساسية الداعمة والمؤيدة له، ولكنها مالبثت ان انقلبت عليه تماماً بعد فشل تجربة حكم الاخوان وانكشاف اكاذيبه، وبسبب الوعي السياسي والعام الذي احدثته الثورة المصرية، وانكشاف طبيعته كتيار يميني راديكالي ( اي اقصى اليمين) وانتمائه بالكامل لسياسة السوق الحر والنظام الراسمالي، وانه لا يختلف في جوهو سياساته عن النظام السابق، واتباع نفس السياسات، وخدمه نفس الطبقات، وكانت طبقة البرجوازية الصغيرة ، بحكم حيوية نشاطها الثوري، كطبقة ثورية بطبيعتها، مكوناً اساسياً من مكونات الثورة المصرية في موجاتها الكبرى في 25يناير 2011م، و30يونيو2013م . ولا يختلف وضع للبرجوازية الصغيرة كثيرا عن الطبقة العاملة، سوى انها تمتلك وسائل انتاجها البسيطة، وهي اكثر عرضة للأزمات، ويهبط الكثير منهم الى طبقة العمال، واحياناً الى فئة المعدمين، وكانت اكثر الطبقات تضررا من انتشار الفساد، لانها لا تعرف العمل الجماعي للدفاع عن حقوقها، وبحكم اضطرارها للتعامل مع جهات حكومية كثيرة، باعتبارها جهة منتجة تخضع لأغلب القوانين التي يخضع لها الراسماليين الكبار، مما يعرضها لإبتزاز الموظفين الفاسدين، وهم كثر، وايضاً لقبول افراد البرجوازية الصغيرة التعامل مع هذه الامراض الاجتماعية، وهم يمارسون العمل السياسي والعمل العام كافراد دائماً، ويميلون إلى التطرف في الأفكار سواء يميناً او يساراً، ويمكن لنفس الشخص ان ينتقل من اقصى اليسار الى اقصي اليمين، او العكس، وتنزع طبقة البرجوازية الصغيرة للإنشقاق في العمل السياسي، وتتذبذب بشده بين التفاؤل المفرط والياس الكامل، وذلك بحكم تركيبها الاقتصادي والاجتماعي المتذبذب والغير مستقر، ودائما في فترات خمول الصراع الطبقي، وضعف الحراك السياسي، يكونوا اكثر الداعمين للافكار الفاشية، سواء كانت دينية او عسكرية، وتنساق دائما ناحية الطبقات المنتصرة او القوية، او القادرة على حسم الامور، وتنبهر بالقوة، وتتحرك دائماً كملحقة لطبقة او طبقات اجتماعية اخرى، كطبقة العمال والفلاحين عندما يكونوا منتصرين، او منظمين وبالقوة الازمة لادارة الصراع الطبقي، او حسمة، فغالباً في هذه الحالات تكون البرجوازية الصغيرة في اول الصفوف، ويكون دورها رائع ومبدع، كما حدث في انتفاضة عمال المحلة عام 2006م، وتعتبر هذه من الامكانات الكامنه غير المباشرة لطبقة العمال والفلاحين، لانها تضاف الى قوتهم في لحظة معينه ولكنها اكيدة، ويمكن ان تنحاز البرجوازية الصغيرة لطبقة البرجوازية الكبيرة عندما تكون فتية وقادرة على تقديم بعض التنازلات لها، وهذه حالات نادرة جداً في مصر بسبب عجز البرجوازية الكبيرة المصرية لاسباب كثيرة عن تقديم تلك التنازلات، ومن هنا كانت البرجوازية الصغيرة طبقة اساسية في تحالف العمال، والفلاحين، الحرفيين والمهمشين والفقراء، بشرط ان تكون القيادة لطبقة العمال (بجميع شرائحها) وطبقة الفلاحين (واقصد هنا صغار المزارعين)، باعتبارها طبقات اكثر ثورية بحكم تركيبها، وايضاً لبعدها عن اوهام البرجوازية الصغيرة لكونها لا تحمل مشروعا تطويريا ولا تمثل نظاما إنتاجيا معيناً، وباعتبار العمال والفلاحين (صغار المزارعين) اصحاب مصلحة دائمة في التغيير الثوري في المجتمع، ويستطيعوا ان يكونوا قلب ونواة تحالف اجتماعي سياسي بديل للنظام القائم، لتحقيق اهداف الثورة المصرية، وهي العدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال الوطني . واود ان اذكر ان هناك تباين كبير بين المهتمين بهذا الشأن، في تعريف وتوصيف هذه الطبقة، فنجد من يتمادى في تعريفها لدرجة ان يضم لها بعض الشرائح المهمة من الطبقة العاملة، كالعمال الصناعيين في المصانع الحديثة، الحاصلين علي شهادات دراسية، وايضا جميع الفلاحين بما فيهم صغار المزارعين، والشرائح الدنيا والوسطى من الطبقة الوسطى، والتي تختلف في تكوينها عن طبقة البرجوازية الصغيرة، لدرجة انك تشعر بأن الكون كله برجوازية صغيرة، وايضا هناك من يتمادى في انكار وجودها اصلا، بان يقسم المجتمع كله الى طبقة البروليتاريا(الطبقات الكادحة)، والطبقة الوسطى، والطبقة البرجوازية .. ولكنهم فقط يشتركون في عدم وجود معيار محدد للتعريف او التوصيف، مما يجعل منطقهم غير مستقيم، واجتهاداتهم غير مثمرة، رغم مجهوداتهم الرائعة، ورغم اهمية وقيمة ما يكتبون . وقد حاولت بقدر الامكان الالتزام بنفس المعيار التي استخدمته في تعريف وتوصيف طبقة العمال، وطبقة الفلاحين، والحرفيين والفئات المهمة والفقيرة، في مقالاتي السابقة على نفس الصفحة، وهو معيار يستند الى وضع كل طبقة من عملية الانتاج السلعي، وما يترتب عليه من تحديد مركزها الاجتماعي في بنية المجتمع المصري، بصرف النظر عن تقارب او تباعد بعض سماتها مع غيرها من الطبقات والفئات الاخرى، وقد حاولت ايضاً الا اغوض في تلك الاختلافات اكثر من ذلك، حتى لا نتوه عن موضوعنا، واعتقد ان الاتكال على النصوص التاريخية والتي يرجع بعضها لاكثر من 100 عام، دون مراجعة مستمرة ونقدية، تعتبر السبب الرئيسي لذلك التباين الكبير، ولاسباب موضوعية اخرى كثيرة، منها التشوه الطبقي الموجود في مجتمعات دول العالم الثالث ونحن بالطبع منها، والتبعية القديمة والحديثة للراسمالية الغربية، وعدم انجاز مشروع التنوير المطروح منذ مئات السنين‘ مما يؤدي الى تعقيد تلك الامور وخلق التباين الشديد في الاجتهادات المتعلقة بالمسائل الاجتماعية ... وفي كل الاحوال وبصرف النظر عن المسميات والتوصيف والتكوين والسمات، فتلك هي الطبقة التي قصدتها كحليف أساسي للطبقة العاملة، وطبقة الفلاحين، والحرفيين والفئات المهمشة والفقيرة .