تعد استطلاعات الرأى العام ضرورة حتمية فى مجتمع يحبو نحو الديمقراطية، إلا أنها تحتاج لمزيد من المهنية لضمان تنفيذها بالشكل العلمى المطلوب، وكذلك الارتقاء بأخلاقيات استخدامها لرصد اتجاهات الرأى العام نحو القضايا المختلفة ، وليس لتشكيل الرأى العام فى اتجاه محدد يخدم مصالح أشخاص أو قوى أو أحزاب سياسية أو مرشحين بعينهم ،حتى تصبح استطلاعات الرأى أداة مساندة لتحقيق الديمقراطية ، وليست أداة لتقويضها. وتستخدم استطلاعات الرأى العام بشكل مكثف قبل الانتخابات للتعرف على اتجاهات الناخبين واختياراتهم المفضلة، وقد تستخدم لتوجيه الرأى العام إلى اختيارات محددة تخدم مصالح مرشحين أو قوى سياسية معينة، ويزداد هذا الاستخدام سوءا حينما تقترب مواعيد الانتخابات وتعلن نتائج الاستطلاعات خلال فترة الصمت الانتخابي، بما يتضمنه ذلك من تجاوزات مهنية وأخلاقية وقانونية تستوجب المحاسبة. وينبغى الاستفادة من تجربة استطلاعات الرأى العام خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى شهدتها مصر فى العامين الماضيين، فلم تنجح مراكز الاستطلاعات فى الرصد الدقيق لاتجاهات الرأى العام المصرى واختياراته الانتخابية فى معظم الأحيان، وربما ارتبط ذلك بوجود أخطاء علمية فى إجراء بعض الاستطلاعات التى حظيت بالنشر الإعلامى ، وجاء فى مقدمتها ما يتصل بتطبيق الاستطلاع على عينات لا تمثل بشكل صادق المجتمع الانتخابى المصري، واستخدام الإنترنت فى بعض الأحيان أداة لجمع البيانات بما تحمله من تحيز واضح لفئة الشباب على حساب باقى فئات المجتمع. كما أن بعض جامعى البيانات الميدانية لم يحصلوا على تدريبات كافية للتعامل الأمثل مع الأفراد فى جمع البيانات.إضافة إلى تحيز استمارة الاستبيان باحتوائها على أسئلة إيحائية قد تقود الأفراد للإجابة فى اتجاه معين، وكذلك التحيز فى اختيار توقيت إجراء الاستطلاع. وأعقب الانتهاء من إجراء استطلاعات الرأى العام النشر الإعلامى المكثف لنتائجها، وتحولت أهداف نشر بعض الاستطلاعات من التعرف على اتجاهات الرأى العام واختياراته الانتخابية إلى الرغبة فى إعادة تشكيل الرأى العام لتحقيق أغراض خاصة لصالح أحد المرشحين لتوجيه الرأى العام لانتخابه، فبدلا من استخدام الاستطلاعات أداة لمعرفة اتجاهات الرأى العام الحقيقية ، يتم استخدامها كأداة غير موضوعية لتشكيل الرأى العام بما يخدم مصالح محددة. ولوحظ من خلال تحليل تجربة الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقتين وقوع بعض وسائل الإعلام فى أخطاء تتصل بنشر استطلاعات رأى عام مجهلة، حيث نشرت فى بعض الأحيان استطلاعات رأى عام غير معروف الجهة التى قامت بتنفيذها، ولا الجهة التى قامت بتمويلها ، ولا ملامح العينات التى طبقت عليها ، ولا التوقيتات التى أجريت فيها ، ولا الإجراءات العلمية التى تم الاستناد إليها فى اختيار أسلوب جمع البيانات، وتدريب الباحثين وتحليل البيانات الإحصائية. وينبغى التزام وسائل الإعلام بالاشتراطات القانونية الخاصة بالنشر الإعلامى لاستطلاعات الرأى العام ، وتتمثل فى نشر اسم الجهة التى أجرت الاستطلاع، والجهة الممولة، وعينة الاستطلاع، وأداة جمع البيانات، وتوقيت إجراء الاستطلاع، والنتائج العامة للاستطلاع دون التحيز فى عرض بعض النتائج وحجب البعض الآخر ، والالتزام الكامل بعدم النشر لنتائج أى استطلاع خلال فترة الصمت الانتخابي. كما يناط بوسائل الإعلام استضافة الخبراء للتعليق على نتائج استطلاعات الرأى العام، وتفسير النتائج فى ضوء عينة الاستطلاع، والتوقيت الذى أجريت فيه، ودلالات النتائج التى يقدمها. وتكشف كافة الملاحظات السابقة عن حاجتنا فى مصر إلى تأسيس إحدى الجهات المتخصصة لإعطاء رخصة لعمل مراكز استطلاعات الرأي، وكذلك منح شهادة بالاعتماد لها. أستاذ الإعلام والرأى العام بجامعة القاهرة لمزيد من مقالات د . عادل عبد الغفار