تعد استطلاعات الرأي العام أحد العناصر الأساسية لتحقيق الديمقراطية, نظرا لدورها البارز في التعرف علي اتجاهات الرأي العام في مختلف القضايا, وتعريف النخبة السياسية وصانعي القرار بالمزاج العام الذي يحكم اتجاهات الرأي العام لمراعاة ذلك في القرارات التي ينبغي أخذها للتعامل مع معطيات الحياة بجوانبها المختلفة. ويلاحظ من تجربة مصر في استخدام استطلاعات الرأي العام خلال فترة الانتخابات البرلمانية وجود اخطاء علمية في اجراء بعض الاستطلاعات, ويأتي في مقدمة هذه الاخطاء ما يتصل بتطبيق الاستطلاع علي عينات لا تمثل بشكل صادق فئات وطبقات المجتمع المصري المختلفة المعنية بالقضية المثارة في أوساط الرأي العام, فلا تراعي خصائص النوع والسن والمستوي التعليمي والمستوي الاقتصادي الاجتماعي, إضافة إلي التوزيع الجغرافي للسكان بما ينطوي عليه ذلك من اختلافات ثقافية وفكرية تؤثر بشكل مباشر علي القرارات الانتخابية للمواطنين. يتصل أيضا بالاخطاء العلمية في إجراء استطلاعات الرأي العام الخاصة بالانتخابات, استخدام الإنترنت اداة لجمع البيانات بما تحمله من تحيز واضح لفئة الشباب علي حساب باقي فئات المجتمع المصري. وتلجأ بعض الجهات التي تجري استطلاعات الرأي العام إلي استخدام التليفون اداة لجمع البيانات من المواطنين, وهي وسيلة محاطة بكثير من التحفظات في ظل أنماط ثقافية تقليدية لم تتعود علي إجراء استطلاعات الرأي التليفونية, إضافة إلي صعوبة الحصول علي عينة ممثلة للمجتمع عن طريق التليفون, وكذلك تخوف بعض الأفراد من اعطاء إجابات صريحة في بعض الموضوعات ذات الحساسية عبر التليفون. كما أن جامعي البيانات الميدانية من الأفراد لم يحصلوا علي تدريبات كافية للتعامل الأمثل مع الأفراد في جمع البيانات, أو الاستسهال في اختيار عينات متاحة من المواطنين بديلا عن عينات ممثلة للمجتمع الأصلي. يضاف للاخطاء السابقة, تحيز اداة جمع البيانات نفسها والمتمثلة في استمارة الاستبيان التي تحوي الأسئلة التي يجيب عنها الأفراد, فالأسئلة في بعض الأحيان تكون ايحائية وتقود الأفراد للإجابة في اتجاه معين ترغبه الجهة المستفيدة من اجراء الاستطلاع. وتقوم بعض الجهات عقب الانتهاء من استطلاع الرأي العام بعمل المؤتمرات الصحفية لإعلان النتائج لتبدأ مرحلة أخري أكثر خطورة, حيث تتبدل أهداف الاستطلاع من التعرف علي اتجاهات الرأي العام إلي الرغبة في تشكيل الرأي العام. يحدث ذلك دون أن يعرف المجتمع ما إذا كان هذا الاستطلاع قد تم بإجراءات علمية من عدمه, وتبدأ عملية تشكيل الرأي العام لتحقيق أغراض خاصة لمصلحة بعض الجهات أو الأحزاب والقوي السياسية المختلفة, كما تتحول استطلاعات الرأي العام إلي لعبة غير شريفة بين الأحزاب والقوي السياسية في المجتمع المصري, ومع تنامي دور استطلاعات الرأي العام في المرحلة المقبلة مع التحول الديمقراطي الذي تشهده مصر حاليا, تبدو أهمية النظر بعين الاعتبار مستقبلا إلي ضرورة وجود جهة مستقلة في مصر يكون اختصاصها الرئيسي التأكد من دقة الإجراءات العلمية في استطلاعات الرأي العام قبل إجرائها ميدانيا, وكذلك قبل نشرها في وسائل الإعلام, إضافة إلي قيامها بمنح شهادة معتمدة للجهات والشركات المتخصصة في قياسات الرأي العام والتي تثبت قدرتها علي تنفيذ إجراءات الاستطلاعات بشكل أمين, ولا يجوز لها الترخيص بالعمل في مجال استطلاعات الرأي العام إلا بعد مراجعة شاملة للخبراء والإمكانات الفنية والمادية التي تمكنها من اداء عملها علي الوجه الأكمل, ولا يهدف هذا الإجراء إلي إعاقة تنفيذ استطلاعات الرأي العام بقدر ما يهدف إلي حماية تأثر اتجاهات المواطنين سلبيا بسبب نشر نتائج استطلاعات لم تتحر الدقة والموضوعية في إجرائها. ويتوقف نجاح تنفيذ هذا المقترح علي ضمانات الاستقلال لعمل هذه اللجنة, وهيكلها الإداري الذي يكفل السرعة المطلوبة التي تتطلبها استطلاعات الرأي العام. المزيد من مقالات د . عادل عبد الغفار