عشوائيات العمران مرض سرطانى تفشى بوحشية فى غفلة من الجميع، بسبب غياب العدالة فى توزيع استحقاقات التنمية بشمولها الغالبية العظمى من سكان البلاد على مدى الزمن، مما أدى الى تدفق سيول الهجرة الجماعية العشوائية للجماهير الغفيرة من مواطن الحياة الذليلة والإهمال إلى حيث ربما تتوافر فرص أفضل للحياة فى أحواز الحضر وعلى رأسها قاهرة المعز وإسكندرية المقدوني.. واحتلت هذه الجماهير مواقع كثيفة فى جميع الأنحاء احتوت ملايين البشر مما أدى فى النهاية الى حدوث خلل هائل فى التوازن البيئى والاجتماعى والثقافى للمجتمع بأسره. لقد تفاقم الأمر فى الحقبة الأخيرة بدرجة تفوق أولى الأمر لافتقارهم إلى رؤية سليمة بعيدة المدى تعالج القضية فى عمقها، عوضا عن اللجوء الى المسكنات المؤقتة لبعض مظاهر العرض هنا أو هناك تتناول الشكل دون المضمون، وهو أمر يؤدى إلى تجذر المرض، وهذه المسكنات لاتخرج عن كونها كالحرث فى المياه لاتجدى ولا تنفع. إن استمرار التناول الرسمى للقضية على نفس النهج تحت شعار التطوير، لن نجنى منه سوى مزيد من العشوائية وتدهور مستوى الحياة للجميع، وإذا لم نتطرق إلى مسببات المرض لمعالجته فى العمق، فإنه لا أمل فى أن نضمن للمجتمع المصرى استقرارا مزدهرا وحياة آمنة. إن الخطيئة الكبرى هنا هى فى إهدار الجهد والمال دون طائل ملموس أو جدوى حقيقية إلى جانب العبث بأحلام البسطاء . وحتى تتحول الخطيئة إلى فضيلة فإنه لامفر من العمل على التوجيه التدريجى للطاقة البشرية الهائلة من سكان العشوائيات الى مستقرات جديدة فى الفضاء المصرى الفسيح خارج الوادى والدلتا، وذلك بالتفريغ الطوعى للعشوائيات من بواطنها الشابة عن طريق سياسات ومخططات تنموية أفقية تعمل على أساس ابتكار محفزات هجرة عكسية جاذبة لهذه الثروة البشرية، التى تطمح إلى تحسين مستوى حياتها فى اتجاه أودية عمرانية إنتاجية تقام وتنمو عنقوديا بمرور الزمن من خلال منظومة متوازنة للحياة.. وبقدر ما سنبذله فى هذا الشأن من فكر وجهد، بقدر ماسيتحقق حلم اختفاء العشوائيات التدريجى من حياتنا على مدى زمنى ليس ببعيد.. انه أمر ليس مستحيلا بإذن الله. د. سامح العلايلى