فى محاولة أمريكية دقيقة لرصد حقيقة الوضع فى مصر ، نشرت صحيفة «واشنطن إجزامينر» الأمريكية مقالا تحت عنوان «لا يجب تجاهل إرادة الشعب المصري» يرد فيه الكاتب بول فاليلى الميجور جنرال متقاعد فى الجيش الأمريكى على خطاب أرسله كل من روبرت كيجان من معهد بروكينجز وميشيل دن من مركز كارنيجى للسلام رئيسا مجموعة العمل الأمريكية حول مصر التابعة لكارنيجى للرئيس الأمريكى باراك أوباما أعربا فيه عن قلقهما البالغ إزاء الوضع فى مصر. وأشار فاليلى فى مقاله إلى أن كيجان ودون كانا قد حذرا فى خطابهما من أن انتهاج سياسات خاطئة تجاه القاهرة من شأنه تعزيز حالة عدم الاستقرار فى مصر ، زاعمين أن المحاولة الفاشلة فى الانتقال إلى الديمقراطية أوجد حالة من الاستقطاب والقمع المخيف ، بل وأسهم فى التصاعد المطرد فى أعمال العنف. ولكن فاليلى أكد ساخرا أنه فى الوقت الذى تتهم فيه مجموعة العمل الأمريكية الحكومة المصرية بالعنف والقمع متعللة فى هذا الصدد ب «قانون التظاهر» ، فإن المجموعة تجاهلت أن المصريين أنفسهم طالما انتقدوا الأيدى المرتعشة وعدم حسم حكومتهم الحالية وأسلافها منذ اندلاع ثورة يناير 2011 فى التعامل مع كل من يسعى لإسقاط البلاد فى هوة الفوضي. وكان الخطاب قد اتهم مصر أيضا بإطلاق حملة واسعة النطاق من القمع والعنف ضد أعضاء ومؤيدى جماعة الإخوان ومن وصفتهم ب»المنتقدين السلميين للانقلاب» ، زاعما أن هناكا انتهاكا صارخا للحقوق والحريات خلال الاستفتاء الأخير على الدستور.كما ادعى كاتبا الخطاب أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسى للرئاسة هو إنهاء للمنافسة السياسية الحقيقية، مستبعدين سرعة إصلاح الأوضاع فى مصر فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة. كما انتقد الخطاب سلبية السياسات الأمريكية فى مواجهة ما وصفه بالانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان والديمقراطية منذ عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وطالب الخطاب الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيرى بمواصلة تعليق معظم أو كل المساعدات لمصر فى حالة عدم اتخاذ الحكومة خطوات لدعم التحول الديمقراطي. وهو ما تضمن من وجهة نظر المجموعة انهاء الحملة الأمنية والإعلامية ضد المعارضين السلميين والإفراج عن آلاف المعتقلين والسماح للمواطنين غير المتورطين فى أعمال عنف بالمشاركة فى الحياة السياسية ، إلى جانب وضع حد لاستخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين. ومنع الحملات الإعلامية ضد الولاياتالمتحدة والمنظمات الأمريكية فى مصر و فى دول الجوار. كما أوصى الخطاب الحكومة الأمريكية بإعادة النظر فى سياساتها تجاه مصر واستخدام الدبلوماسية والمساعدات فى توصيل الرسائل واضحة حول المستقبل الذى تريده واشنطن للقاهرة. وطالبها بالتركيز على المصالح الأمريكية لمواصلة التعاون مع مصر سواء على الصعيد المخابراتى أو فى مكافحة الإرهاب، والتركيز أيضا على التهديدات الواقعية للمصالح الأمريكية. وشدد على أن واشنطن لا يجب أن تستمر فى دعم الحرب الكاملة على المعارضين السياسيين للنظام. وسعى الخطاب إلى تصعيد الضغوط على الإدارة الأمريكية لمنعها من الإقرار بتحقيق مصر شروط استئناف المساعدات المجمدة وخاصة فيما يتعلق بتنفيذخريطة المستقبل. وبصفة عامة لم يشمل الخطاب أى إشارة أو ملمح إيجابى بشأن الوضع فى مصر وصور الحكومة على أنها «شديدة الديكتاتورية» فى مواجهة ما اعتبره «معارضة سلمية» كما قدم رؤية سلبية تماما حول مستقبل الأوضاع فى مصر. وتكمن أهمية هذا الخطاب فى أن الموقعين عليه ينتمون إلى عدد من أهم المنظمات الحقوقية ومراكز البحث الأمريكية مثل «بروكينجز»، ومجلس العلاقات الخارجية، ومبادرة السياسة الخارجية والمجلس الأطلنطى وفريدوم هاوس ومعهد «كارنيجي». وردا على ذلك كله ، وفى لهجة متهكمة ، أكد فاليلى فى مقاله أن المجموعة الأمريكية تهدد بقطع المساعدات العسكرية عن مصر ، والتى لا تتجاوز قيمتها 0،5% من إجمالى الناتج القومى المصرى والمجمدة فعليا ، ما لم تقدم القاهرة قائمة مفصلة بالخطوات التى تتخذها نحو إرساء الديمقراطية فى البلاد ، وهو ما دفع مصر ببساطة إلى الاتجاه لروسيا لملء الفراغ الذى خلفته أمريكا فى المنطقة. وانتقد فاليلى فى رده على مجموعة العمل الأمريكية ما وصفه بفشل واشنطن حتى الآن فى رؤية مد الفاشية الإسلامية الذى يجتاح الشرق الأوسط والدور المصرى المحورى فى التصدى له ، مشيرا إلى أن واشنطن تتوهم أنها من خلال إجبار مصر على اللعب بقواعدها فإن جميع الأطراف الأخرى بمن فيهم الإخوان ستلتزم بذلك. وأكد فاليلى أنه على النقيض من ادعاءات مجموعة العمل الأمريكية فإن إسرائيل تعتبر الحكومة المصرية الحالية شريكا أمنيا يعتمد عليه ، وذلك فى الوقت الذى حولت فيه الميليشيا المتطرفة المسلحة ليبيا إلى دولة شبيهة بأفغانستان ، حيث تسعى الميليشيات إلى تهريب السلاح شرقا لدعم زملائهم فى مصر ، بينما يسعى الإخوان إلى تقسيم البلاد على غرار الوضع فى بيروت إبان الحرب الأهلية. وحذر فى هذا الإطار من أن الإخوان بدأوا فعليا فى تدمير البلاد لدى تواجدهم فى السلطة ، حيث حولوا سيناء إلى ملاذ آمن للإرهابيين. وأشار إلى أن حركة حماس الموالية للإخوان شقت أكثر من 1200 نفق تحت الحدود المصرية - الفلسطينية تستخدم فى تهريب السلاح والبضائع والوقود ، وهناك أيضا سوريا والعراق ، حيث يعانيان من جماعات مثل «داعش» والقاعدة وغيرهما من الجماعات الإرهابية التى تسعى لإقامة إمارات إسلامية على غرار أفغانستان. واختتم فاليلى مقاله بتساؤل بدهشة : «هل كل ما يقلقنا بعد كل ذلك هو السيطرة على المظاهرات فى مصر»؟