كأن المصريين لا تكفيهم ضربات الإرهاب الأسود، وجرائم الجماعة وأذرعتها الإرهابية فى سيناء، وفى عديد من المحافظات، وكأن على المصريين أن يعذبوا بإرهاب أسود آخر لا يقل خطورة وكارثية، هو إرهاب الفساد والمفسدين الذين لم يجدوا سنوات أكثر رواجا لفسادهم كما وجدوا فى أثناء سنوات الثورة والاضطرابات التى تصاحب ما بعد الثورات، تضاعفت وتوحشت جرائم النهب والتدمير لجميع مقومات الحياة فى مصر، وفى مقدمتها نهب الأراضي، والبناء فوق الأراضى الزراعية، وردم الترع وتحويلها إلى محال وجراجات، وتحولت جزر النيل إلى غابات من الأسمنت المسلح!! هل قامت العفاريت بإدارة المحليات، وألغى الجهاز الإداري، وأعطيت إجازات للمحافظين، وسحبت المسئولية من كل مسئول خلال سنوات الثورة؟ وهل أوقف تنفيذ ترسانة القوانين؟ ومن المسئول عن كل ما لم يطبق منها، وعن تحول أصحاب الحقوق إلى مطاردين مهددين بالقتل؟!! وماذا يفعل المواطن عندما يتدفق عليه من أجهزة الإعلام تسابق محموم ومرضى بين أجهزة مسئولة فى الدولة مهمتها الأولى حمايته من الفساد والمفسدين، ويجدهم يتبادلون الاتهامات بالتكسب والتربح على حساب شعب يواجه هو واقتصادياته تحديات بالغة الخطورة، وعلى رأس مخططات أعدائه ضرب كل ما يسترد عافيته من مصادر دخله؟ هل تختلف نتائج الإرهاب الأسود مع نتائج الفساد الأكثر سوادا؟! تقسيم مصر.. أليس فى مقدمة أهداف المخططات الأمريكية والصهيونية، وشاهدنا خرائط التقسيم، وقرأنا المخططات المجهزة لينفذها وكلاؤهم وجماعاتهم الذين يعملون على حرق وشل مصر، والإتجار بدماء أبنائها؟ ألا تتفق هذه الأهداف مع ما تحققه جرائم إبادة الزراعة فى مصر بالبناء فوق أراضيها؟!! وإن بدت المقدمات مختلفة وبعيدة تماما!! فى تصريح لوزير الزراعة أن حالات المخالفة والبناء فوق الأراضى الزراعية التى تم رصدها منذ ثورة 25 يناير، بلغت أكثر من مليون مخالفة، فضلا عن المخالفات غير المرصودة، وأضاف الوزير فى تصريحه المنشور أن إزالة المخالفات تحتاج جيشا من 5 ملايين جندي!! ماذا يتبقى من مصر بعد أن يتم التهام البقعة الباقية من أراضيها الزراعية؟ وهل وُجدت مصر وشيدت حضارتها إلا عندما استثمر المصريون القدماء النيل فى زراعة الأرض؟ ألم يحذرنا العالم الجليل د. جمال حمدان من أن تتحول مصر لا قدر الله إلى مبرة بحجم وطن إذا انكمشت أرضها بالتلوث، وبعوامل أخري، وتآكلت وقضى على الأرض الزراعية!! هل خطر بهذا الحجم.. خطر يتهدد وجود وطن.. يعامل بهذا القدر من اللامبالاة من مسئولين يبدو أنهم لا يدركون حجم ما يرتكبون بحق هذا الوطن، وأن يبدو الأمر كأن هناك محاولات لتبرير أو تهوين ما حدث، أو إعلان عجز أجهزة الدولة عن المواجهة. إن كان الهدم لم يعد ممكنا، والأراضى خربت ولن تسترد صلاحيتها للزراعة، فمن المؤكد أنه لن تستعصى القوانين الرادعة أن تحمى ما تبقي، وتفرض عقوبات مادية ضخمة تُحسب بقدر الأموال الطائلة التى يتطلبها استصلاح الأراضى البديلة فى الأجنحة الصحراوية لمحافظاتنا.. أيضا هناك عقوبات لا تقل أهمية، يجب أن توقع على كل مسئول شريك ومتواطئ فى جريمة إبادة وطن، وتهديد وجوده عندما لم يمارس مسئوليات الحماية التى يتقاضى عنها دخلا من وطن مثقل بالجراح والتحديات!! أليس فى مقدمة مبادئ دستور 2014 ارتباط المسئولية بالمحاسبة؟! إلى متى تظل المسئولية سلطة بلا مراجعات ولا محاسبات مهما يرتكب المسئول من أخطاء وخطايا؟! لفتنى فيما فجره تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ما أدلى به حول المستشارين وشبهة مجاملات فى التعاقد مع خبراء برئاسة الجمهورية، وتقاضى المستشارين راتبهم من جهة عملهم والرئاسة فى آن واحد بالمخالفة للقانون! ومن المؤكد أن ما جاء بالتقرير سيكون محل فحص وتحقيقات صارمة، فليس معقولا بعد ثورة دفع المصريون الدم والحياة ثمنا لها، إغماض العين عن مزيد من الفساد والإفساد، وإن كان السؤال أو سؤال من عشرات الأسئلة وعلامات الاستفهام التى تفرضها اللحظة المأزومة: كيف يستحل مصرى يدرك الأوضاع الاقتصادية لبلاده والأزمات التى تمر بها، ومصادر التمويل التى تضطر للاعتماد عليها، وهل يحدث حقيقة أن يجمع بين راتبه من جهة عمله ونسبة قد تتجاوز 60% من الراتب فى بعض المؤسسات، يتقاضاها من الجهة المنتدب إليها كمكافأة، وإذا كان يقال إن نصف المستشارين بالقطاع الحكومى يعملون كمستشارين قانونيين معارين إلى المؤسسات الحكومية لإبداء الرأى القانوني، ويجمعون فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها بلادهم، بين الراتب والمكافأة، وألا تفرض فروض المشهد الوطنى الاكتفاء بمصدر واحد للدخل، أيهما الأفضل لصاحبه، مشاركة فى تخفيف أزمة وطن، ولا أقصد قطاعا واحدا بعينه، هى فريضة واجبة على جميع الأمناء على هذا الوطن، ثم ألا تستطيع إدارات الفتوى والتشريع بما تمتلئ به من خبرات وخبراء قانون أن تقدم جميع الخدمات القانونية المطلوبة غير المأجورة، وتخفف جانبا من الأعباء الاقتصادية التى تتحملها موازنة مجهدة؟! إنه نموذج واحد فقط من مئات النماذج لسد أبواب الفساد والإفساد. وعودة إلى جرائم البناء فوق الأراضى الزراعية، التى يريد أن يحميها البعض بعدم وجود جيش من 50 ألف جندى لإزالتها، فإذا كنا لا نستطيع استعادة الأراضى الخصبة التى دمرت بالتجريف، فمن ارتكبوا جرائم التدمير يجب أن يفرض عليهم القانون عقوبة مستحدثة تلزم بدفع نفقات كل ما كان شريكا فى إفساده وتدميره، وهى هنا التكاليف الضخمة المطلوبة لاستصلاح وزراعة الأجنحة الصحراوية، والمساحات البديلة التى تعوض المصريين عما سرق ونهب من أراضيهم الزراعية، وأن توضع نهاية لتحصين السلطة والمناصب ضد المحاسبة. آن الأوان أن تتطهر وتستقوى مصر، خاصة فى إدارة المحليات، بعناصر وقيادات ودماء جديدة أول مواصفاتها قدرة وشجاعة اتخاذ القرار، وإنهاء شبكات وتحالفات الفساد والإفساد، وأثق أنه فى القلب من هذه القيادات الجديدة ستكون مهارات وكوادر نسائية وشبابية تمتلئ بهم المحافظات. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد