كتاب جديد، صدر أخيرا، فى الاسواق يتناول حياة هيلارى كلينتون،السيدة الاولى لفترتى ولاية كلينتون ووزيرة خارجية امريكيا فى ادارة اوباما فى فترته الاولي، الكتاب لم يكشف ما هو غير معروف من جوانب شخصيتها بقدر ما قام بتسليط الأضواء على العديد من المواقف فى حياتها،وكيف تعاملت هذه المرأة القوية مع أهل واشنطن ومعاركهم السياسية وشراستهم وترددهم وشكوكهم وحساباتهم وأيضا "ألاعيبهم السياسية".والكتاب بعنوان "HRC" وهى الحروف الثلاثة الأولى من اسمها بالكامل هيلارى رودهام كلينتون. والكتاب من تأليف جوناتان آلين وآمى بارنز والاثنان من الصحفيين المرموقين المتابعين للمشهد السياسى فى عاصمة القرار الأمريكى واشنطن. وبما أن "الربيع العربي" وما شهدته مصر والدول العربية من ثورات أطاحت بالرؤساء، كان فى زمن توليها قيادة الدبلوماسية الأمريكية، فان هيلارى عاصرت التغييرات المتلاحقة ومن ثم صناعة القرار الأمريكى كرد فعل. فى حالة مصر، فإن هيلارى كما هو معروف وكما تم التأكيد عليه أيضا فى هذا الكتاب كانت مترددة ومتحفظة فى الاطاحة بالرئيس حسنى مبارك فى فبراير 2011. وكانت ترى بأنه لا داعى للاندفاع من جانب الرئيس أوباما، استجابة لنصيحة فريق العمل معه من الشباب نسبيا. وكانت هيلارى فى المعسكر المضاد ومعها نائب الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع روبرت جيتس. والكتاب الجديد يصف أجواء تلك اللحظات الحاسمة فى الأيام العشرة الأخيرة من حكم مبارك فى فبراير 2011."الذهاب الى ما بعد مبارك كان يعنى الدخول فى المجهول. كل الناس يعرفون مبارك.ولا أحد يعرف ما قد يأتى بعد مبارك. وعندما لا تعرف، ماذا سيأتى فيما بعد. فمن الصعب أن تطالب أى شخص بأن يذهب" قالها أحد مساعدى أوباما كان متواجدا فى حجرة صناعة القرار. وذكر أيضا "أما وجهة نظر الرئيس كانت، اذا لم نطلب منه أن يذهب، هل سيكون فى امكانه البقاء فى السلطة.. على أساس "انه كان قد فقد سيطرته على البلد. وأن ما يحاول أن يفعله لكى يبقى فى السلطة لن يجدى وبالتالى نحن فى حاجة الى أن نصل الى ذاك الواقع بسرعة". ويذكر الكتاب أن هيلارى فى هذا الموقف كانت تعكس حذرها وأيضا ادراكها لخصوصية كل حالة وأن التحمس أو التهليل بالديمقراطية فقط لا يكفي. والأمر الأهم حسب ما يشير اليه الكتاب أن هيلارى كانت تعرف مبارك جيدا وكانت تعرف بعض الشخصيات المعارضة وتعرف قيادات فى الجيش وكانت قلقة تجاه ما قد تصل اليه الأمور. وكان يقلقها "تبديل ديكتاتور معتدل برئيس اخوانى منتخب ديمقراطيا ولم يتم اختباره". وكان يوجد عامل شخصى أيضا فى حذرها وتحفظها وهو أن ثنائى كلينتون(بيل الرئيس السابق وزوجته هيلاري) كانت لهما علاقة مع ثنائى مبارك (الرئيس حسنى وزوجته سوزان) ترجع الى أبريل 1993.عندما استقبل بيل الرئيس المصرى فى البيت الأبيض. وحسب الكتاب فإن هيلارى قد قالت فى مارس 2009 " أنا بالفعل أعتبر الرئيس وزوجته صديقين لعائلتي". واذا كان الكتاب قد أسهب فى ذكر تفاصيل مواقف هيلارى وقلقها وتحفظها فى الأيام العشرة الأخيرة من رئاسة مبارك فانه لا يتطرق الى مرحلة مصر ما بعد مبارك وقدوم الاخوان المسلمين وسيطرتهم على الحياة السياسية فى مصر.ولا لكيفية تعاملها وتعامل الادارة الأمريكية مع كل ما حدث فى مصر. الرئيس المعزول محمد مرسى لا يأتى ذكره الا فى اطار ما حدث من أزمة غزة واحتمال حدوث مواجهة بين حماس واسرائيل فى خريف 2012. ومن ثم كانت زيارة هيلارى الشهيرة لمصر ولقائها مع مرسى والاعلان عن اتفاق لوقف اطلاق النار من القاهرة. والكتاب يسرد ما حدث فى بداية الأزمة وكيف أن فى تلك الليلة انسحب أوباما من حفل عشاء كان يحضره فى بنوم بن عاصمة كمبوديا ليتصل بالرئيس محمد مرسى مطالبا منه التدخل لدى قيادات حماس وانه قال له "يمكن أن تتصل بى مهما كان متأخرا اذا أعتقدت بأن لديك معلومات تريد أن تبلغها لي". وحسب الكتاب فان مرسى اتصل بأوباما فى الساعة الواحدة فجرا فأيقظ أحد مساعديه بن رودس الرئيس الأمريكى ليتحدث مع مرسي. وتكررت الاتصالات ومعها أبلغ أوباما مرسى بأنه ينوى ارسال هيلارى الى الشرق الأوسط لأنه يعتقد أن هيلارى تستطيع أن تساعد فى التوصل مع اسرائيل الى وقف لاطلاق النار. لكنه قال أيضا بأنه ينوى فعل ذلك فقط اذا تعهد مرسى بمقابلة هيلارى شخصيا.وانه لا يستطيع أن يقوم بارسال هيلارى وأن يتم التعامل معها بعدم الاهتمام. وهيلارى كانت معها بنود اتفاق وكانت تتحدث مع نتنياهو من جانب وتطلب من مرسى ومعه مستشاره عصام الحداد ووزير الخارجية محمد كامل عمرو التفاوض مع قيادات حماس لأن الوليات المتحدة لم تكن تتفاوض بشكل مباشر مع حماس باعتبارها منظمة ارهابية. والكتاب يذكر تطور الأحداث ويتفادى الحديث عن تفاصيل الصفقة وما تم من خلالها من تقارب بين مرسى من جهة وأوباما وهيلارى من جهة أخري. وطالما نذكر أزمة غزة يجب الاشارة بأن خلال الأزمة قالت هيلارى لأعضاء فريقها "علينا أن نقوم بدعم اسرائيل مئة وعشرة فى المئة".والكتاب يشير الى أن هيلارى لها علاقة طيبة مع الاسرائيليين " و"بالتأكيد أفضل مما لدى أوباما". وتناول الكتاب أيضا من ضمن ما تناوله وفى فصلين ما وصف بأنه "حرب هيلاري". والمقصود به التدخل الأمريكى فى ليبيا فلا شك أن هيلارى كانت أكثر المسئولين الأمريكيين تحمسا وحثا ودفعا للوقوف بجانب المعارضين لحكم القذافى وتحريك حلف الناتو وحلفاء أمريكا فى الخليج. والكتاب يتحدث عن هيلارى وسعيها الحثيث وربما اندفاعها ومن ثم اصرارها على ارسال سفير أمريكى الى ليبيا حتى يبدو أن ليبيا بدأت تعود الى حالتها الطبيعية. ثم حدث ما حدث فى بنغازى وقتل السفير ومعه آخرون. وقد رفضت هيلارى طلب البيت الأبيض فى الظهور أمام شاشات التليفزيون يوم الأحد التالى عن ما حدث ومن ثم جاء ظهور سوزان رايس مندوبة أمريكا لدى الأممالمتحدة لتقول ما تقول عن مرتكبى الحادث وتثير أزمة سياسية لاحقت ادارة أوباما لفترة طويلة. الكتاب قد اكتفى بالقول "ان حكاية ليبيا مستمرة ولم تنته بعد". أهمية هذا الكتاب بصفحاته ال 448 لا تكمن فى معرفة أكثر لما فعلته ورأته وقالته هيلارى كوزيرة للخارجية بقدر ما هو محاولة لفهم رؤيتها للأشياء ولتطورات الأحداث وأيضا التعرف على أسلوب هيلارى فى التعامل مع الأفراد والتصدى للمشكلات والسعى لايجاد الحلول. اذ يذكر الكتاب مثلا أن هيلارى وهى تسعى لفهم أفضل لملفات الشرق الأوسط لجأت لكبار العقول فى المؤسسة العسكرية الأمريكية ومن أبرزهم الجنرال ديفيد باتريوس الذى كان حينئذ كبير القادة فى أفغانستان ومديرا لوكالة المخابرات المركزية "سى اى ايه". وأن الجنرال يرى أن "هيلارى يمكن أن تصبح رئيسة رائعة". وبالتأكيد لا يريد الكتاب تقديم كشف حساب لسياسات تبنتها ونفذتها وزيرة خارجية سابقة بقدر ما يسعى للحصول على ملامح رسم مخ ورسم قلب و"صناعة القرار" لدى رئيسة محتملة للولايات المتحدة فى عام 2016 اسمها هيلارى كلينتون!!