مظالم عديدة تراكمت عبر العقود الماضية نتيجة عدم العدالة في توزيع ثمار التنمية ما بين الوجهين البحري والقبلي, وما بين العاصمة من جهة والوجهين البحري والقبلي معا من جهة اخري. ونتيجة التفاوت الشديد بين الأجور, وبسبب وجود أجور غاية في التدني للعمالة المؤقتة لا تتناسب حتي مع معدلات التضخم, وغير ذلك من مظاهر التفاوت الاجتماعي. ونتيجة انسداد قنوات التعبير الرسمية أو بطء استجابتها لتعديل مظاهر الحرمان, كان الفوران المتمثل في الاحتجاجات الفئوية التي انعكست آثارها السلبية علي ميادين العمل والإنتاج, وفي ظل ضعف اللامركزية فإن عدم الاستجابة لشكوي فلاحين في أحد المراكز من قبل مدير الزراعة, قد أدت لتكرر نفس الشكوي لمحافظ الإقليم. وعندما عجز المحافظ عن الحل فقد اتجه هؤلاء بمطالبهم واحتجاجهم الي وزير الزراعة, وعندما تأخر الوزير في الحل اتجه هؤلاء الي مقر رئيس الوزراء للشكوي, وعندما تأخرت الاستجابة كان الاعتصام. وهكذا تكررت الاحتجاجات والتي كان من الممكن تقليل عددها ومدتها في حالة الاستجابة لمطالبها علي المستوي الجغرافي الذي شهد مولدها, أو تحديد أماكن معينة لها مع وجود مندوبين للحكومة للحوار مع أصحاب الحاجات والرد عليهم بتوقيتات محددة للاستجابة لمطالبهم المشروعة. وعندما فشل عرض المطالب في وسائل الإعلام في حل كثير من المطالب, بينما نجحت الاحتجاجات في استجابة جهات حكومية لمطالب أخري, فقد وجد الكثيرون أن الاعتصامات هي الحل, ومن هنا زاد عددها وتنوعت جهاتها وأشكالها, وبعد أن كان بعضها يكتفي بالوقوف أمام مباني الجهات الحكومية المختصة, لجأ بعضها الي قطع الطرق وسيلة للضغط لضمان سرعة الاستجابة, مستفيدة من الأداء الأمني الرخو, وكان تكرار قطع السكك الحديدية أحد المظاهر التي تكررت كثيرا خلال الشهور الأخيرة. ولأن النقل هو شريان الحياة الرئيسي لحياة الناس, فإن إيقاف السكك الحديدية يشكل مضار متعددة الأوجه, فالأمر ليس مقصورا علي تعطيل حركة الركاب في ظل وسيلة نقل هي الأرخص سعرا والأكثر أمانا بالنسبة للمصريين, والتي تعد وسيلة الربط الرئيسية للوجه القبلي بباقي البلاد. بل إن الأمر يمتد الي الإضرار بالتجارة سواء للسلع اليومية من الخضر والفاكهة وأصناف الطعام الي تجارة السلع الرئيسية والوقود, وبالتالي التأثير علي كمية عرضها بالسوق مما يدفع أسعارها للارتفاع نتيجة نقص العرض, وعلي الجانب الآخر التأثير علي أرزاق المنتجين لصعوبة تصريف منتجاتهم. ومع تكرار حوادث تعطيل القطارات فإن السياحة التي تستخدم القطارات ستنقل صورة سلبية عنا, في وقت نحتاج فيه الي تدليل تلك الأعداد القليلة التي أخذت مخاطرة القدوم إلينا في تلك الظروف, ورغم ما يتم ترويجه من تشكيك حول مستوي الأمان للسياح عندنا, استغلالا لحالات نادرة للخطف, ولأن الرحلات عادة ما تكون مرتبطة بتوقيتات محددة فإن طول فترة تعطل الطرق البرية والحديدية تدعو البعض من هؤلاء الي الاتصال بسفارات بلادهم لطلب سرعة إعادتهم الي بلادهم. وعندما يشاهد المستثمرون تكرار حوادث قطع السكك الحديدية التي تنقل العمال والمواد الخام فإن التفكير في الاستثمار بالصعيد سيكون أمرا مؤجلا, بما يعنيه ذلك من أثر سلبي علي البطالة, كذلك لا تستطيع المصانع القليلة الموجودة بالصعيد الوفاء بتعاقداتها التصديرية في مواعيدها المحددة, وذلك في وقت انخفض فيه التصنيف الائتماني لمصر أكثر من مرة دوليا. وتعطيل القطارات يزيد من خسائر هيئة السكك الحديدية المصابة أصلا بالعجز المالي, مما يزيد من الأعباء علي الموازنة الحكومية المصابة بالعجز المزمن هي الأخري. فإذا كانت السكك الحديدية تتحدث عن خسائر مباشرة لها تقدر بنحو مائة مليون جنيه, فإنه لا توجد جهة متخصصة قد حسبت خسارة المجتمع من ذلك التوقف علي الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, والانعكاسات السلبية علي الصورة الذهنية لمصر بالخارج. كما يؤثر تعطيل السكك الحديدية علي العلاقات الاجتماعية سواء خلال قضاء البعض إجازاتهم الدورية مع أسرهم أو للمجاملات في حالات العزاء والزواج أو المرض. ومن هنا فإن الحل يتطلب السير علي محاور عدة منها المسار الديني وتبيان ارتكاب من قطع الطريق كبيرة من كبائر الذنوب, تضر بالجيران والأهل, ومنها المسار الإعلامي بعرض معاناة المرضي والعمالة المؤقتة والمجندين وغيرها خلال فترات التعطل, والمسار القانوني بتجريم هذا السلوك واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعه لإضراره بالمجتمع. والمسار الاقتصادي بعلاج عجز الموازنة لزيادة نصيب المحافظات من الاستثمار في المرافق, وعلاج العجز بميزان المدفوعات لإمكان تدبير نفقات استيراد البوتوجاز والسولار. والمسار السياسي من خلال أداء الأحزاب وأعضاء البرلمان دورهم في تلبية المطالب الجماهيرية بسرعة, وتدعيم اللامركزية وإعطاء صلاحيات للمحافظين للتدخل الحاسم للتصدي للمشاكل المحلية, ووضع خريطة موقوتة للاستجابة للمطالب الفئوية العادلة المؤجلة منذ سنوات عديدة. [email protected] المزيد من مقالات ممدوح الولى