الاعتداء علي خطوط السكك الحديدية فاق كل الحدود, وتجاوز كل الأوصاف, فالمسألة لم تعد مجرد انفلات أمني, أو بلطجة, أو حتي احتجاجات يمارسها البعض لمطالب شخصية, بل وأصبح ينذر بكارثة وضحايا بالمئات. وقد كان القدر رحيما بنا عندما لم تقع خسائر في الأرواح بعد أن قام مجموعة من الأشخاص بوضح جذع نخلة علي قضبان السكك الحديدية في أسيوط, وتسبب ذلك في خسائر جسيمة, وتأخرت تسعة قطارات, والحمد لله أن المسألة اقتصرت علي الخسائر المادية, لكن السؤال: ما هذا الذي يحدث؟ ولماذا يشارك بعض عمال ورش السكة الحديد في قطع خطوط السكك ويعطلون القطارات لمطالب فئوية؟ وهو الشيء نفسه الذي فعله أهالي قنا لرفضهم المحافظ, وأهل العياط ارتكبوا الحماقة نفسها لرفضهم برج تقوية إحدي شبكات المحمول, فلابد من وقفة حازمة, وعقاب رادع لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه البلطجة, وهذا ما يطالب به أيضا المهندس عاطف عبدالحميد وزير النقل, فخسائر السكة الحديد بالملايين في وقت نحن في حاجة لهذه الملايين لإعادة بناء الدولة, ولأن الأمر يجب أن يقتصر علي المطالبة بعدم تكرار مثل هذه الأحداث, لكن يجب توقيع الجزاء القانوني علي مرتكبيها فإننا نسأل: ما هي العقوبة المقررة في مثل هذه الجرائم؟ يقول اللواء سيد شفيق مساعد مدير الأمن العام: إن القانون يعاقب كل من يرتكب أي فعل من شأنه تعطيل المواصلات العامة وإتلافها وتخريبها, وقد يصل توصيف الجريمة إلي جناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة, ولو حدثت وفاة قد تصل العقوبة للإعدام. إن ما يحدث من جرائم تجاه خطوط السكك الحديدية هو انفلات سلوكي بدعوي الحرية, ولتحقيق مطالب شخصية أو فئوية, أخذ الحقوق بالذراع والبلطجة, وهذا في حد ذاته كلام غير مسئول وانفلات أخلاقي. والحل في تطبيق القانون بحزم وبمساندة الإعلام, لأن هذه الجرائم تعطل مصالح ملايين المواطنين, وعندما تتعامل معها الشرطة تستخدم كل الوسائل من النصيحة والضرب في الهواء قبل التعامل مع البلطجية الذين يتعدون علي الشرطة التي لابد أن تتعامل معهم أمنيا بحزم, وأن يتفهم الإعلام ذلك إذا وقع ضحايا, فالدعم المعنوي الإعلامي مطلوب لكي تستطيع الشرطة التصدي لهذه الممارسات الإجرامية التي ليست لها أي علاقة بالثورة والحرية, فالانفلات والبلطجة لا علاقة لهما بحرية المجتمع, ولابد من إظهار مدي بشاعة هذه الجرائم وعقوباتها لكي يرتدع كل من تسول له نفسه ارتكابها مستقبلا. جرائم محرمة شرعا وقانونا وعن التوصيف القانوني والديني لهذه الجرائم يقول الدكتور محمد الشحات أستاذ القانون بحقوق حلوان وأمين المجلس الأعلي للشئون الإسلامية: إن إتلاف الممتلكات العامة, سواء مرفق السكة الحديد أو غيره بسبب مطالب أيا كان نوعها هو جريمة, ومرتكبها يقع تحت طائلة القانون لأن الممتلكات العامة لها حرمة وقدسية كحق عام للمجتمع كله, وحق للدولة, وإتلافه يعني حرمان كل المواطنين من استخدامه, ومن الناحية الدينية فهذا السلوك محرم شرعا, وكل الأديان السماوية تحرمه, ومن يرتكب ذلك يخطئ في حق الله وليس البشر فقط, فالله يقول في كتابه وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد صدق الله العظيم, إذن هي جريمة في حق الله والمجتمع والأفراد, مما يعظم من عقوبتها, ويستحق من يرتكبها أقسي أنواع العقاب, ويقع تحت طائلة قانون العقوبات, ويجب أن يقابل بشدة. فليس من المعقول أن تفرض الدولة حراسة مشددة علي خطوط السكك الحديدية في كل المحافظات, وبالتالي فالرادع هنا هو سيادة القانون التي يجب تطبيقها بشكل حازم, وينبغي للقضاة ألا يتلمسوا الأعذار لهؤلاء المخربين, بل يجب تطبيق العقوبة في حدها الأقصي لأن الجرم تجاوز الحدود العادية وانتقل إلي الإضرار بأفراد المجتمع. وعن الخسائر المترتبة علي الاعتدءات علي السكة الحديد فهي كبيرة, فحادث تعطيل القطارات في قنا وحدها كلف الهيئة أكثر من مليون ونصف مليون جنيه, وحدد المهندس عاطف عبدالحميد وزير النقل خسائر السكة الحديد منذ الثورة وحتي منتصف مارس الماضي بسبب السرقات والتخريب بنحو37 مليون جنيه, وخسائر قطاع النقل كله066 مليون جنيه, وبالطبع زادت الخسائر بعد الحوادث الأخيرة التي ارتكبت بعدها. بالونات اختبار تقول الدكتورة هدي زكريا أستاذة الاجتماع السياسي بآداب الزقازيق: مسألة قطع الطريق علي القطارات وتخريبها تعد جريمة خيانة عظمي لا تقل عن الجاسوسية, فهي جريمة توصيفها القانوني شديد قتل مع سبق الإصرار والترصد عندما يضع بلطجية جذع نخلة علي شريط السكة الحديد, وفي ظني أن هذه الممارسات عبارة عن بالونات اختبار, ورسائل للجهاز الأمني تقوم بها عصابات لأسباب أمنية, وقد شجعهم علي ذلك رد فعل الحكومة الضعيف والرخو منذ حادث قنا, فالاستجابة للمطالب وعدم المساءلة شجعهم علي التمادي وتكرار مثل هذه التجاوزات والبلطجة, ولابد من عقوبة مضاعفة ومعلنة, وإظهار العين الحمراء من الجهاز الأمني وهو قادر, فهذه الممارسات ليست وقفة احتجاجية, ولا تعبيرا عن الرأي, وقطع الطريق في الدين الإسلامي يرد عليه بحد الحرابة, وهي جريمة ترويع الآمنين, وشلل للدولة, وتعطيل مصالح المواطنين, وتهديد أرواحهم, وكان يجب مواجهة ذلك من البداية بحزم, لكن سوء تقويم الموقف شجعهم علي التمادي. فالمواطن الآن غير آمن في سفره, سواء بالقطار أو غيره, وعدم الحزم الأمني يهدد كيان المجتمع كله, وهناك أصابع خفية تعبث ولابد من بترها, وما لم يواجه ذلك بحزم فسوف يكون القادم أسوأ. والحل المقترح استخدام طائرات الهليكوبتر في مراقبة السكة الحديد والإعلان عن ذلك حتي يتم رصد أي اعتداء, ولكي يشعر المجرم الذي يفعل ذلك بأنه مراقب ومرصود, وأكرر مضاعفة العقوبة وإعلانها لكي يكونوا عبرة, وسرعة معاقبة من تم القبض عليهم إذا ثبتت عليهم التهمة.