أقدر كثيرا الدور الذي قام ويقوم به الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء منذ توليه المسئولية خاصة في ملفي الامن والاقتصاد الشغل الشاغل لعموم المصريين. وأقدر أيضا صراحته وتصميمه علي المضي قدما في تنفيذ ما يراه صوابا من أجل الوطن. ولكنه, وفي سياق صراحته اعترف اعترافا أراه خطيرا ويعني أنه غير راغب حتي الان في استخدام الصلاحيات التي حصل عليها من المجلس الاعلي للقوات المسلحة. فقد عبر الدكتور كمال الجنزوري عن انزعاجه الشديد من عمليات قطع الطرق وخطوط السكك الحديدية التي يقوم بها البعض احتجاجا علي قرارات لم ترق لهم في مؤسساتهم أو احتجاجا علي نتائج الانتخابات, بل وصل الامر أن قطع البعض خط سكة حديد لإيقاف القطار حتي يستقلوه, واكد رئيس الوزراء أن تلك الافعال لا تقع فقط تحت طائلة قانون الطوارئ, بل إنها مجرمة بحكم قانون الجنايات الذي ينص علي تجريم تعطيل اي وسيلة نقل, وأن العقاب يكون بالسجن المشدد. وهنا كان من المتوقع والمنطقي من رئيس الوزراء بعد تعبيره عن انزعاجه ذلك ان يشدد علي ضرورة تطبيق القانون حماية لحق المواطنين الذي أقسم علي حماية حقوقهم, ولكن المفاجأة أن الدكتور الجنزوري قال طبقا لما نقل عنه خلال مؤتمره الصحفي يوم الخميس الماضي موجها كلامه بشكل مباشر للصحفيين وبشكل غير مباشر للمواطنين'' إيه رأيكم, نطبق القانون ونحل المشكلة دي''. والسؤال بهذه الطريقة يعني أيضا أن رئيس الوزراء يتبني مقايضة مع الخارجين عن القانون فحواها أن عودتهم عما يفعلون كفيلة بجعله يستمر في عدم تنفيذ القانون. وتعني ثالثا وذلك هو الأهم أن رئيس الوزراء غير راغب في تطبيق القانون في الظروف الحالية علي الأرجح لأسباب سياسية ولتبريد الجو العام. وفي الواقع فإن وجهة النظر التي تقول بضرورة تعطيل تنفيذ بعض القوانين في بعض الظروف الاستثنائية التي يري صانع القرار ان تكلفة تطبيق تلك القوانين في هذه الظروف ربما تكون اكبر من تكلفة عدم تطبيقها هي وجهة نظر لا يمكن التقليل من شأنها, إلا أنه لابد من الأخذ في الاعتبار أن الأمر يتوقف علي نوع القوانين التي يتم تعطيلها. فلو أن الأمر يتعلق بقوانين تتصل بحياة غالبية المواطنين ولا تؤدي لتعطيل العمل بها للإضرار بمصالح مواطنين آخرين, فلا بأس من ذلك, ولكن ذلك يختلف تماما عما يحدث في مصر حاليا. فالذي يحدث حاليا هو تعطيل تنفيذ القانون إزاء قلة من المواطنين يرون أن لهم حقوقا لابد من الحصول عليها بأي طريقة, حتي لو كانت تلك الطريقة تعني التأثير علي حياة كثير من المواطنين. ولعلي لا أبالغ حينما أقول إن تلك القلة تتصرف مع بقية المواطنين باعتبارهم'' رهائن'', علي الحكومة أو المسئولين أن ينقذوهم بالاستجابة لمطالب تلك الأقلية, التي ربما تكون في حالات كثيرة مطالب مشروعة. فمشروعية المطالب لا تبرر استخدام أية وسيلة للضغط علي الدولة من أجل الاستجابة لتلك المطالب. وحين يسأل رئيس الوزراء تلك الأقلية عن رأيها فيما إذا كان ينفذ القانون أم لا؟ يعني موافقته علي اضطهاد الأكثرية من قبل الأقلية, ويحمل في مضمونه دعوة للتعامل الشعبي معه. وهنا مكمن الخطر, إذ قد تتحول عمليات قطع الطرق والسكك الحديدية إلي صدامات بين المواطنين, فطالما أن الدولة لا تتحرك وبيدها القانون والسلطة فقد يقنع البعض بقية المواطنين بضرورة التحرك للدفاع عن حقوقهم. وهنا يتأكد غياب الدولة تماما وينهار ما تبقي أو ما يسعي الجنزوري نفسه لاستعادته من هيبة الدولة. وإذا كان الدكتور الجنزوري قد قال نصا'' إن المسئول الذي يصدر قرارا بعد لي ذراعه'' ميبقاش مسئول'', فبماذا نسمي التقاعس عن تطبيق القانون تحت ضغط أقلية تسعي لتحقيق مصالحها علي حساب الجميع; دولة ومواطنين؟. وأخيرا, ما رأي القراء الأعزاء, هل نطبق القانون فقط بصرف النظر عما إذا كان ذلك سيحل المشكلة؟ أم نطبق القانون ونحل المشكلة, أم نحل المشكلة بعيدا عن القانون؟!. [email protected]