تصدرت زيارة المشير عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية نبيل فهمى قائمة أبرز الأحداث السياسية التى أثارت ردود فعل قوية فى الأيام الماضية، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، فقد جاءت الزيارة بعد سنوات طويلة من التباعد المصرى الروسى وفى المقابل التقارب المصرى الامريكى، كما ان توقيتها بعد ثورة 30 يونيو وحالة الجفاء والتربص من جانب الادارة الامريكية تجاه ما تقوم به الحكومة المصرية لاعادة الدولة لمسارها الصحيح وفقا لخارطة الطريق، جعل الآراء حولها تختلف على حسب موقع المحلل، فاذا كانت قد قوبلت بتجاهل متعمد من وسائل الإعلام الأمريكية وبعض الانتقادات أو التقليل من الاهمية على مستوى المسئولين، فانها على الجانب الآخر قوبلت بالمبالغة فى تقدير الانجازات والنتائج من قبل الإعلام المصرى بل وايضا الروسى ولعل فى التقريرين التاليين ما يكشف هذه الحقائق. الزيارة التى قام بها المشير عبدالفتاح السيسى على رأس وفد عسكرى سياسى كبير ضم وزير الخارجية نبيل فهمى أثارت وما زالت تثير الكثير من التعليقات فى الأوساط السياسية والإعلامية الروسية. هذه الزيارة غير المسبوقة لعقود طويلة تبدو مقدمة لعلاقات «جديدة» تستند فى معظم جوانبها إلى تاريخ «قديم» حرص الجانبان على استحضاره بتعبيرات «دبلوماسية» تؤكد أنها «لا تستهدف أطرافا ثالثة»، وأنها تقوم على أسس تتفق مع «معايير العصر». فماذا دار وراء كواليس هذه الزيارة، وما هى النتائج العملية التى أسفرت عنها بعيدا عن «مبالغات» الكثير من المحللين والخبراء العسكريين والسياسيين من سفراء وعسكريين، متقاعدين وحاليين . «التجاوزات»، و«التوقعات غير المبررة» حدثت من الجانبين الروسى والمصرى رغما عن الكم الهائل من التصريحات والبيانات الرسمية حول حقيقة ما جرى فى موسكو وضواحيها من لقاءات ومباحثات. حتى الإعلان الصحفى المشترك الصادر عن الزيارة لم يكن كافيا «للجم» شطحات الخبراء والمحللين من المتخصصين فى التعليق لبرامج «التوك شو» فى الفضائيات المصرية والروسية الذين تركزت تعليقاتهم حول «دلالات» ارتداء المشير «للبدلة المدنية»، أو أسرار «المعطف ذى النجمة الحمراء» الذى ظهر به المشير فى ختام لقائه مع الرئيس بوتين، أو عدد الدقائق التى استغرقها اللقاء الثنائى بين بوتين والمشير. وبعيدا عن كل هذه «التوابل» الإعلامية، غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، نقول إن ما جرى من لقاءات ومباحثات يسجل افضل مقدمات لاستئناف العلاقات الروسية المصرية على اسس سليمة تقوم على مبادئ المصلحة المشتركة والتكافؤ وبما يتفق مع المواثيق الدولية، بعيدا عن اخطاء الماضى التى لا احد يقول إنها كانت «احادية الجانب»، وان ظل قرار «طرد الخبراء السوفييت» من مصر فى يونيو عام 1972 يخيم بظلاله الكئيبة على بعض جوانب هذه العلاقات. المباحثات المصرية الروسية دارت فى اطار آلية «2+2» بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين فى القاهرة فى عام 2009 والتى تنص على لقاءات ثنائية ورباعية بين وزراء الدفاع والخارجية فى كل من البلدين وتنتهى عادة بلقاء موسع مع رئيس الدولة يعرضون عليه نتائج ما دار من مباحثات، وهذا ما حدث فى موسكو. ولعل ما صدر من بيانات وتصريحات رسمية يقول إن الجانبين خلصا الى اتفاقات وليس اتفاقيات او «صفقات». وفيما تلقف البعض فى موسكو تعليقات بعض المراقبين المصريين حول ان زيارة المشير تأتى ردا على قرار واشنطن تجميد ارسال المقاتلات الامريكية الى مصر، بالكثير من التعليقات التى تؤكد ان علاقات روسيا بمصر ليست موجهة الى اطراف ثالثة، انخرط خبراء عسكريون روس فى الترويج لان العلاقات فى الفترة المقبلة سوف تساعد على حصول روسيا على «قواعد عسكرية بحرية» على ضفاف البحر المتوسط تحسبا لاحتمالات ضياع «مرفأ طرطوس السوري»، كما جاء فى معرض برنامج «بانوراما» على قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية. مصادر دبلوماسية روسية ردت على تساؤلات «الأهرام» حول مدى حقيقة هذه الاخبار بقولها على الجميع تحرى الدقة ومراجعة ما صدر عن المباحثات من بيانات وتصريحات للقيادة الروسية ومنها ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين لدى استقباله للمشير عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية المصرية مع نظيريهما الروسيين سيرجى شويجو وسيرجى لافروف. فماذا قال بوتين فى هذا اللقاء الذى جرى فى مقر اقامته فى «نوفواوجاريوفو» بضواحى العاصمة الروسية ؟. هنا ننقل عن موقع الكرملين ما قاله الرئيس بوتين: «هناك الكثير من المشاريع الكبيرة الواعدة فى مجال الاقتصاد وأعرب عن املى فى انه وبعد الانتهاء من كل العمليات السياسية الداخلية، وتنتهى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع حلول صيف العام الجارى على حد علمى وتتشكل الحكومة، يمكن لنا اطلاق كل آليات التعاون. وذلك يعنى ان الجانبين لن ينتهيا من كل الشكليات الرسمية الا بعد الانتهاء من كل تبعات المرحلة الانتقالية اى بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة. وذلك يعنى ايضا ان المباحثات الروسية المصرية فى موسكو لم تشهد توقيع أى اتفاقيات ولا بروتوكولات نوايا، لا بالاحرف الاولى ولا بالاحرف الثانية، على حد قول المصادر الروسية تعليقا على ما نشرته صحيفة «فيدومستي». وكان سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى أكد كذلك ان الحديث حول جوانب التعاون والمباحثات حول الصادرات الروسية الى مصر سيتواصل الى حين اعداد القاعدة القانونية اللازمة. كما اننا ومن واقع متابعتنا على مقربة من المباحثات لم نشهد توقيع اية وثائق خلال زيارة الوفد المصرى لموسكو. على ان هناك فى مباحثات موسكو ما ظل بعيدا عن دائرة اهتمام «خبراء الفضائيات» من العارفين ببواطن الامور، وهو ما حرصنا على استيضاح حقيقته وابعاد النقاش الذى دار حوله وهو موضوع «سد النهضة». وردا على سؤال «الأهرام» حول مدى امكانية الاستفادة من آلية «2+2» فى تعميق العلاقات الثنائية ومعالجة القضايا الاقليمية فى القارة الافريقية وفى مقدمتها قضية المياه فى القارة الافريقية المرشحة للتصعيد فى الفترة المقبلة، قال الوزير نبيل فهمى ان المباحثات تطرقت الى قضية المياه وان الجانبين بحثا الحلول السياسية الرامية الى ايجاد الحلول المناسبة ولها «جوانب متعددة». وقال ان مصر تسعى الى حلول توافقية لانها ترتبط بالوجود فى القارة الافريقية وخاصة الدول التى ليس لها موارد مائية اخري، مؤكدا ان المناقشة كانت «ايجابية.. وايجابية للجميع». اما الوزير لافروف فقال «بضرورة اعتماد كل الحكومات والأطراف المعنية على ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية حول هذا الشأن، ومراعاة مصالح الشعوب واحتياجاتها وحقها فى الموارد المائية»، وهو ما حرص الجانبان على تأكيده، الى جانب تسجيل المواقف المتقاربة بل المتطابقة فى بعض جوانبها تجاه معظم القضايا الاقليمية والدولية، فى الاعلان الختامى الصادر فى ختام الزيارة.