لم يعد مقبولا فى ظل ما يطمح إليه المصريون من نهضة شاملة أن نعجز عن حلول واقعية للأزمات الاجتماعية، وخصوصا الحق فى المسكن، وما يتبع ذلك من خدمات. وإذا ما أضفنا التصرف غير الرشيد فى الإمكانيات المحدودة المتاحة، والذى يمتد من إنشاء محطات معالجة الصرف بشكل يفوق الطلب فى بعض الأماكن وغيابه بأماكن أخري، إلى شق طرق بعيدة فى أماكن غير مأهولة لا تقع على خريطة الأولويات، فمن الطبيعى أن تصم شكاوى المواطنين الآذان. إذن نحتاج إلى مراجعة بناء استراتيجياتنا الاقتصادية وفق الاحتياجات الوطنية، والبداية من إستراتيجية التنمية، والخطة الاقتصادية، وفى ظل الواقع الحالى من الملائم التعامل مع خطط خمسية للتنمية تقوم على استراتيجيات تأخذ بالاعتبار العملية الإنتاجية، ولن يتحقق ذلك من دون سد الاحتياجات الأساسية للمواطن، وتحقيق ذلك عبر أسلوب أمثل لإدارة المشروعات. وقبل الخوض فى التفاصيل من الملائم أن نتعرض إلى نبذة عن تطور النشاط العقارى فى العالم وفى مصر، فقد بدأت رحلة تطور الحضارات ونشأة المدن وتقدمها مع خلق الإنسان، وبداية رحلته على كوكب الأرض، ولم تستقر تجمعات البشر إلا بعد نشأة المدن فى فترة حديثة نسبيا بين أعوام10000 و 7000 قبل الميلاد. ولقد تعرض عديد من أبحاث الانثربولوجى لمواقع عدة فى العالم نشأت فيها التجمعات، أو ما يطلق عليها “المدن”، ونشأ الاسم ليعبر عن سكان المدن فى العصر الإغريقى القديم حيث كان استبعاد احد سكان “المدينة” مستخدما كأشد أنواع العقاب لمن يقترف إثما فى ذلك الوقت. وكان من أكثر الحديث عن المدن قصة النبى يوسف عليه السلام، وانتقاله إلى المدينة التى استخدمت لتوزيع الحبوب والمنتجات الزراعية حول نهر النيل إلى المناطق الاستهلاكية الأبعد، كما تواترت العديد من الأخبار عن نشأة نفس الفكرة فى مناطق مماثلة، منها بابل والصين وأمريكا الجنوبية. ومر بعد ذلك التاريخ اليونانيون الذين خزنوا المحاصيل، واتجهوا لتسويقها فى حوض البحر المتوسط لوعورة مسالك أوروبا آنذاك وسهولة النقل البحرى آنذاك نسبيا، فانتقلت فكرة نشأة المدن إلى بلدان شمال أفريقيا وأشهرها الإسكندرية. واستمرت موجات تطور المدن من الحضارة الرومانية والفارسية والإسلامية، فوصلت إلى روعة الجمال المعماري، كما انتشرت غربا وشمالا فى أوروبا ثم عبرت الأطلنطى لتنشأ نيويورك وبعض مدن الساحل الشرقى الأمريكى إلى جانب مدن الساحل الغربى فى كاليفورنيا. واخترع الإنسان المصعد والسيارة، والتليفون مع العام 1890 فكانت النقلة الكبرى، حيث نشأت المدن فى صحراء أمريكا، وارتفع الإنسان بالمبانى رأسيا على غير المعتاد، وبدأت ثورة البناء الكبرى تزامنا مع ثورة الاتصالات وتطور أنظمة التبريد والتدفئة، والتى سمحت بتغيير الأجواء التى يعيش فيها الإنسان. ومع هذا التطور كان لابد لعلوم ونظريات اقتصاديات البناء وإدارة المشروعات أن تتطور هى الأخرى لتساير التطور العملاق، ونشأ الاحتياج لأنظمة أحدث للإدارة التى تقوم على ترشيد الإنفاق، وتقديم “حلول ذكية”، و”أنظمة لدعم القرار”، خاصة فى مرحلة تشغيل تلك المشروعات، والحفاظ على مستوى الخدمة طوال فترة حياة المشروعات العقارية، وكذلك الحفاظ على مستوى الخدمة لمشروعات البنية التحتية بأقل التكاليف. وفى مصر بدأت منذ عقود قليلة حركة المدن الجديدة لحل المشكلات المزمنة، وكان من نتاجها العديد من المدن الجديدة الجاذبة للأجيال الشابة، إلى جانب العديد من سكان الأقاليم، وتركز جهد الباحثين فى مجال التوسع والاستثمار العقاري، وما يتبعه من خدمات، ونتج عنه العديد من النماذج الذكية فى المجال العقارى لتعظيم الاستفادة من الإمكانات المتاحة، والمواءمة بين الاستثمار، وضمان الحفاظ على حد أدنى من مستوى الخدمات. ومثلما يحدث فى البلاد المتقدمة، حيث تتركز جهودها على منح الفرصة للقطاع الخاص لخوض الاستثمارات العقارية، والخدمية لسد العجز فى التمويل، فإن من أفضل السبل التى يمكن بها ضمان زيادة حجم الاستثمارات ونجاحها الاعتماد على ثلاثة أمور: أولها: التركيز على الإدارة المالية والهندسية للمشروعات الكبرى عبر تعظيم الاستفادة المالية على مدى عمر المشروع بالكامل، مع التنفيذ على مراحل متتابعة. ثانيها: إدارة التدفقات النقدية للمشروعات، خاصة فى المشروعات الكبرى مثل مشروع محور قناة السويس لمواجهة التحديات والمخاطر غير المتوقعة. واخيرا: يجب تدخل الدولة فى إطار خطط مرحلية، خمسية أو عشرية لتحقيق استراتيجية التنمية التى يمكن استهدافها ومتابعة تنفيذها. لمزيد من مقالات م. أحمد فياض