يخلط بعض الناس بين مصطلح البغى ،ومصطلح الإفساد فى الأرض،ولذا يختلفون حول إلحاق الإرهابيين بأى من الفريقين،حيث يطلق عليهم البعض بأنهم بغاة، بينما يرى البعض الآخر أنهم من المفسدين فى الأرض،وعلى كل فكلاهما شر،فيكون بين العدول من العلماء من أبناء الأزهر محل اتفاق،وهو أن هؤلاء الإرهابيين ابتعدوا عن طريق شرع الله كثيرا،ولكن هل هم من البغاة أو المفسدين؟خلاف بينهم،وهذه الخلافية يمكن حلها بالتعريف بكل من البغاة والمفسدين: أولا :البغاة. البغى فى اللغة التعدى والفساد والظلم،وفى الشرع:الخروج عن إمام الحق بغير حق. ويقسم فقهاء الحنفية البغاة إلى أربعة أقسام: 1- القسم الأول:الخارجون على الإمام بلا تأويل، يأخذون أموال الناس، ويقتلونهم، ويخيفونهم فى الطرقات، وهؤلاء قطاع طرق، وليسوا بغاة. 2- الثاني: الخارجون بتأويل، ولامنعة لهم، وهؤلاء قطاع طرق أيضا. 3- الثالث:الخارجون بتأويل، ولهم منعة، وبتأويلهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم،وهؤلاء خوارج حكمهم حكم البغاة. 4- الرابع:قوم من المسلمين خرجوا على إمام العدل،ولم يستبيحوا دماء المسلمين ولا أموالهم،وهؤلاء هم البغاة. ويلاحظ من خلال العرض السابق أن البغى يشترط لثبوته: التأويل ومعناه: أن يكون للخارجين على الحكم شبهة يستندون إليها فى خروجهم، وهذه تتحقق فى بعض المهددين لأمن الناس والمعتدين على رجال الشرطة والجيش وغيرهم، حيث يرون أنهم انقلبوا على حاكم شرعي، واغتصبوا منه السلطة. والأمر الثاني:القوة والمنعة وهى تعني: أن يحصن هؤلاء فى مكان يخضع لسيطرتهم،ولا قدرة لقوات الجيش أو الشرطة عليه، كأن يسيطروا لا قدر الله على محافظة من المحافظات ويعلنون أنها غير تابعة لسلطان الحكومة القائمة، وهذه مفقودة فى حق الإرهابيين فى بلدنا، ولذا فإنهم مع استحلالهم للدماء والأموال لا يدخلون فى مسمى البغاة،كما لا ينطبق عليهم وصف الخوارج، لأنهم لامنعة لهم،فيد الجيش والشرطة غالبة عليهم. أما الإفساد فى الأرض، أو قطع الطرق،أو الحرابة لله ولرسوله: فنوع من الجرائم العظمى،الأصل فيها :اعتراض طرق الناس لأخذ أموالهم، باستخدام القوة، وهذه الجريمة تعظم إذا كانت خارج العمران،لأن السائر فى طريقه يعتمد فقط على تأمين الله له، وحفظه، حيث لا وجود للناس فى الصحراء التى تشقها الطرقات، ولذا كان المعتدى معتديا على الله ورسوله، فسميت هذه الجريمة بالحرابة لذلك، فهى حرب على الله ورسوله، ولذا تغلظت عقوباتها،لشدة قبحها،ومع أن هذه الجريمة الأصل فيها أنها تكون خارج المدن والعمران، حتى إن بعض العلماء قصرها على هذا الوصف،إلا أنها تكون داخل المدن والعمران أيضا،فالمعتدى على الناس داخل العمران مع وجود الغوث من الناس أشد إجراما ممن انفرد بشخص أو بعض أشخاص يسيرون فى طريق بعيد عن الناس،ولذا لم يشترط أكثر الفقهاء حصولها خارج العمران. ولأن الحرابة أو الإفساد فى الأرض لا يشترط لحصولها تأويل ولا منعة،كان إلحاق الإرهابيين بها أقرب من إلحاقهم بالبغى أو الخروج على نظام الحكم،ولأن إلحاقهم بالخوارج أو البغاة يمنع يد الجيش والشرطة عنهم،لأن البغاة لا يتعرض لهم إلا إذا بدأونا باستخدام القوة بالفعل،أما الإفساد فى الأرض فلقوات الشرطة والجيش تتبع القائمين عليه لإجهاض مخططاتهم قبل تنفيذها أو إحكام تدبيرها،وهذا أنفع لضبط الأمن،ومنع وقوع الكوارث الإرهابية،لاسيما بعد أن جنح هؤلاء لاستخدام التفجيرات التى تستهدف الآمنين من المارة فى الشوارع، والساهرين على حراسة الناس، والنائمين فى بيوتهم. وإذا خلصنا إلى أن الإرهابيين من المفسدين فى الأرض أو المحاربين،فعقابهم إن قدر عليهم وهم على إجرامهم نص عليه كتاب ربنا: «إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» فقد ورد فى عقابهم أربع عقوبات هي: القتل، أو الصلب،أو قطع اليد والرجل معا،أو النفى من الأرض،وللفقهاء تفصيل فى كيفية تطبيق هذه العقوبات،فبعضهم يرى القاضى مخيرا فى معاقبتهم بأى عقوبة من العقوبات المذكورة من غير نظر إلى نوع الاعتداء الحاصل من المفسد،وعلى ذلك فيمكن أن يصلب لمجرد ثبوت استعداده للاعتداء على الآمنين ولو لم ينفذ جريمته، ومنهم من خير القاضى بشرط ألا يختار عقوبة يترتب عليها أن يكون عقاب المفسد أخف ممن ارتكب نفس الاعتداء فى الجرائم العاديّة، فإذا قتل فالخيار بين القتل أو الصلب فقط،ولا يجوز أن يعاقب بالقطع أو النفي،ومنهم من رتب بين العقوبات ونوع الاعتداء:فالنفى لمن أخاف فقط، والقطع لمن أخذ المال فقط، والقتل لمن قتل، والصلب لمن أخذ المال وقتل المعتدى عليه، وفى نظرى أنه لا يوجد إفساد أكبر من هذه العمليات الإجرامية التى تستهدف الآمنين من الناس، ولا يوجد عقوبة فى شرعنا أشد من الصلب حتى إنها لم ترد فى شرعنا إلا فى هذه الجريمة فقط،ولذا فإن العقوبة الرادعة التى يجب أن يعاقب بها هؤلاء هى الصلب،وفى كيفيته خلاف بين الفقهاء، فبعضهم يرى أنه يقتل أولا ثم يصلب للتشهير به وردع غيره،ومنهم من يرى أنه يصلب حيا ثم يترك حتى يموت جوعا وعطشا،ومنهم من يرى أنه:يصلب حيّا ثم يرمى بالرماح(أو الرصاص) حتى يموت، ولعل هؤلاء يدركون كيف ذهبوا بأنفسهم وأتباعهم بعيدا،وليعلموا أن الفرصة لم تفت مع كل ذلك لأن الآية الثانية تفتح لهم باب الخلاص ما لم يكونوا قد تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فهل يغتنموها ليسود الأمن، ويرتفع عنهم وصف الإرهاب؟. لمزيد من مقالات د. عباس شومان