باعتبار أن هذا أمرى محرم . وتحريم الاعتداء عليها واعتباره من قبيل الإفساد في الأرض لكونه يؤدي الي تعطيل مصالح الناس التي حث الإسلام بشريعته علي عدم الاعتداء عليها حتي في حالات الحرب. ووصية أبي بكر رضي الله تعالي عنه واضحة في هذا الأمر. في النهي عن تخريب العمران وإتلاف المؤسسات التي لا غني عنها لحياة الناس فقد قال رضي الله تعالي عنه: "ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاةً ولا بعيراً. إلا لمأكلة. ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه". علماء الدين اعتبروا أن من يمارسون الاعتداء علي الممتلكات العامة ويسعون إلي سفك دماء موظفين عموميين داخلون ضمن دائرة المحاربين لله ورسوله ويجب أن تطبق عليهم قواعد حد الحرابة بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . وإذا لم تكن الحدود مطبقة فهناك من التعزيرات القانونية ما يمكن أن يحل بديلا عن ذلك فالفقهاء قرروا أن التعزير يمكن أن يتفوق علي الحد في العقوبة وفق ما يراه الحاكم. المفكر الإسلامي د. صفوت حجازي قال : تدمير الممتلكات العامة وتخريبها حرام شرعا . والقيام به غير جائز شرعا تحت أي مسوغ من حقوق مهضومة أم نتيجة لأوهام فكرية تساندها عصبية طائفية » وعلة تحريم الاعتداء علي الملكيات العامة باعتبارها أموالاً لأناس معصومين بحكم المواطنة لا يجوز الاعتداء عليها ومن أتلف شيئا منها فهو ضامن له. فالتجمهر بطريقة فوضوية للحصول علي حقوق قد تكون حاصلة أو مزعومة أمر حادث لم يكن معروفاً في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. نظرا لما يؤدي إليه من الفوضي والشغب بما يجعله أمرا ممنوعا . فالإسلام لا يعرف الفوضي وإنما يقر الانضباط والهدوء والسكينة في الوصول إلي الحقوق. ويحق لولي الأمر مقاومة الفوضي بكافة الطرق التي تمنع اختلال الأمن وإتلاف الأنفس والأموال وتحارب الاستخفاف بالولاية الإسلامية . فالدين الإسلامي يعترف بالنظام والانضباط ودرء المفاسد. أضاف : أن التشريع الإسلامي أقر لولي الأمر الحق في معاقبة الخارجين علي القانون الذي تقره الدولة بأن يطبق عليهم حد الحرابة الذي ورد النص عليه في قوله تعالي : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم والتاريخ الأسمي يشهد مناهضة السلف لمسلك العنف الذي ترجمه دعوة الخوارج الذين أقروا ضمن مبادئ جماعتهم إنكار المنكر بالسلاح.وما يخالف معتقداتهم يرفضونه بالقتال وبسفك الدماء وبتكفير الناس وغير ذلك من الأمور . ويصف القانونيون من يمارس تلك الوسائل غير القانونية للضغط علي الحكومة أو علي الأفراد للحصول علي ما يدعيه من حق بأنه إرهابي. أوضح د. حجازي أن الإسلام اقر جريمة أخري اسمها البغي وهي جريمة سياسية عرفها الفقهاء بأنها تقترف ضد السلطة بناء علي التأويل السائغ وهو ما يعبر عنه القانونيون بالباعث السياسي . وهذا التأويل قد يكون سائغاً وقد يكون فاسدا . وقد فرق الفقهاء بين البغي بحق والبغي بغير حق والذي وصفوه بالجريمة وأوجبوا حرب البغاة إذا اجتمعوا في مكان معين دون نظر إلي جرم فعلهم ولكن لردهم إلي رشدهم . ويجب قتالهم إذا بدئوا القتال. انطلاقا من كون الفوضي سبباً أساسياً في القضاء علي انتظام سير المجتمع وفقدان النظام الحاكم سيطرته علي المصالح العامة والرسول صلي الله عليه وسلم يوجهنا إلي منطق السمع والطاعة بقوله: اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم حبشي كأن رأسه زبيية ويقول المولي سبحانه لعباده : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وشرع الإسلام في الوقت ذاته وسائل وقنوات مشروعة للوصول إلي الحق طالما أن الدولة تنطبق عليه صفة المؤسسية . فالفوضي أيا كان مجالها في العملية التعليمية أو الجماهيرية أو أي مجال من المجالات حاربها الإسلام وناهضها لما تسفر عنه من فقدان للضبط العام الذي يحفظ للدولة شرعيتها وللأفراد أمنهم وسلامتهم د: محمد فؤاد شاكر المفكر الإسلامي الكبير قال : النظام السياسي في الإسلام من المبادئ التي قامت عليها الدولة الإسلامية منذ نشأتها بالمعني القانوني للدولة من شعب وأرض ونظام قانوني . وكان احترام القواعد القانونية العامة أصلاً من الأصول الثابتة التي لا يمكن للأفراد تجاوزها مهما كانت الدوافع باعتبار أن ذلك يحفظ النظام والاستقرار وتمثل الالتزام بذلك واضحا في قول الرسول صلي الله عليه لأسامة بن زيد عندما أراد أن يشفع في حد من حدود الله بقطع يد السارق والسارقة فقال له الرسول بما يدعم القاعدة القانونية في مواجهة التعديات الفردية : أتشفع في حد من حدود الله . إنما أهلك من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها وبذلك أدرك الجميع مدي مؤسسية الدولة وشرعيتها في مكافحة الخروج علي القواعد القانونية الراسخة مما أسهم في سير الحركة التوسعية بانتظام تجلت واضحة في إبرام رسول الله صلي اله عليه وسلم صلح الحديبية رغم الاعتراض الذي لم يرق إلي المناقشة وإنما وقف عند مرحلة الاستفسار. ومحاربة أبو بكر الصديق للمانعين للزكاة والمرتدين عن الإسلام باعتبار أن هذا يمثل انتقاصاً للقواعد القانونية الدولية التي تقوم عليها الدولة ويثير الفوضي . وبالتالي يجب علي المسئولين تسيير حركة القوانين في اتجاه انسيابي لا يقبل الالتفات حتي يرسخ في ذهن العامة أن من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها اضاف : مناهضة الاسلام للفوضي يأتي من منطق كونها سبيلا لإنهيار الدولة وسقوط نظامها في أعين الأفراد ومقدمة لتجرؤهم علي إختراق مبادئها مستقبلا . وبالتالي يجب علي المسئولين إعادة ضبط المسائل تجاه مثيري الفوضي بتطبيق القواعد التي تردعهم قبل أن يتسع الخرق علي الراقع فقد شهدت الدول التي سقط سلطانها محاولات فوضي أنذرت بعدها بكوارث . لهذا قرر الاسلام منطق الطاعة والسمع للأمير حتي ولو كان جائرا وعدم الخروج علي أوامره ومناقشته في جوره بالطرق السلمية . وقاس الفقهاء علي هذا المبدأ جواز الصلاة خلف البار والفاجر.