حث الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية، المجتمع المصري على الترابط والتآخي كما كان من قبل، داعيا إلى عودة المشاريع المشتركة بين المسلمين والمسيحيين كما كان يحدث في الماضي، حيث كان يرى دائما لافتة "حسن ومرقص". وطالب المؤسسات المانحة للقروض أن تخصص جزءا منها للمشروعات المشتركة بين المسلمين والأقباط، لكنه قال إنه يرفض أن يتم منح هذا القرض لمسلم ومسيحية أو مسلمة ومسيحي حتى يتزوجا و"تبقى مصيبة"، مؤكدا أنه في هذه الحالة ستتصاعد حدة الاحتقان الموجود وتفشل محاولات التهدئة وتكون فتنة. وشدد خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الثلاثاء بدار الإفتاء على التكامل والتنسيق بين مختلف المبادرات الداخلية فى مصر من أجل إشاعة روح التسامح وتأكيد مفاهيم المواطنة، نافيا أية علاقة تضاد بين تلك المبادرات واعتبر أنها تتميز بالتنوع والتكامل وتتفق وطبيعة الواقع المتغير. وقال إن هذه المبادرة تضع أرضية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين ليكونوا أخوة متحابين سواء على الصعيد الدولي أو المحلي، واصفا ما يحدث حاليا بأنها "هجمة إرهابية قذرة ينبغي التصدي لها بقوة وصبر حتى نتعافي من أثارها". وطالب جمعة بالتركيز على مبادرة "كلمة سواء" التي أطلقها منذ ثلاث سنوات بحضور أكثر من 132 عالما من مختلف أنحاء العالم وتدعو إلى حب الله، والجار، والبحث عن المشترك من واقع القرآن والكتاب المقدس، وتساهم فى حل أية مشاكل للاحتقان الطائفي وتدعو إلى قيام مشروعات مشتركة بين المسلمين والأقباط. وأوضح أن التركيز على تلك المبادرة الآن يساهم فى مواجهة أي أعمال إرهابية، ودعا إلى تنظيم برامج تليفزيونية للشباب من الجانبين المسلم والمسيحي ترسخ مفاهيم التسامح والوحدة، وتعمق روح التعاون والتعايش بين أبناء مصر مسلمين ومسيحيين، والتصدي لمحاولات إشاعة الفتنة الطائفية مع مراعاة ثقافة المجتمع وهويته وطبيعته. في سياق متصل، أكدت دار الإفتاء المصرية عدم مشروعية الاعتداء على دور العبادة، مشددة على أن الإسلام حرم الاعتداء على الأبرياء بصورة قاطعة بغض النظر عن دياناتهم وأعراقهم وجنسياتهم داخل وخارج دور العبادة. وقالت في دراسة شرعية، إن الناظر في شريعة الإسلام يجد تحريم الإسلام القاطع للاعتداء على الحيوان الأعجم، فما بالنا بالإنسان المكرم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول -كما في الصحيحين- "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". وذكرت أن الإسلام حرّم الاعتداء على معصومي الدماء من الآدميين ممن ليسوا في حرب مع المسلمين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم "من أمن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة"، وقوله "من قتل معاهَدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". ودللت أيضا بنصوص من القرآن تحرم قتل النفس التي حرمها الله، ومنها قوله تعالي "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، كما أمر القرآن بإظهار المودة والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين" (الممتحنة 8). وأضافت "وعليه فكل الأعمال التخريبية التي يتم فيها الاعتداء على الآمنين داخل الكنائس وغيرها من دور العبادة الخاصة بغير المسلمين داخل البلاد الإسلامية وخارجها مخالفة لما أمر الشرع به على سبيل الوجوب من المحافظة على المقاصد العليا التي أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وتسمى بالكليات الشرعية الخمس." واستنكرت الدراسة التفجير الذي استهدف أخيرا كنيسة القديسين بالإسكندرية، باعتباره يتعارض مع ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأقباط مصر خاصة، فقد روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال: "الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله مصر". وذكّرت بعهد عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين إلى أهل إيلياء (القدس) الذي نص على حُريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم، وحذرت من خطورة التمادي في الأعمال الإرهابية التي تؤدي لتآكل النسيج الوطني الواحد ولا يخفى ضرر هذا الأمر على المسلمين وغير المسلمين. وقال إنه "لا يخفى أن مثل هذه الأفعال بجانب ما فيها من الإضرار بالصورة الذهنية الصحيحة للإسلام والمسلمين في الشرق والغرب فإنها تدعم الصورة الباطلة التي يحاول أعداء الإسلام أن يثبتوها في نفوس العالم من أن الإسلام دين متعطش للدماء، ولا يخفى أن هذه دعوى عارية من الصواب ولا سند لها من شريعة الإسلام السمحاء التي تدعو للحوار مع الآخر بالحسنى والتي هي أحسن". وطالبت من يقدمون على مثل هذه الأفعال "الإجرامية" الإقلاع عنها لما تنطوي عليه من آثام عظيمة وكبائر الإثم المستحق لأقسى العقوبات القرآنية التي صرح القرآن بذكرها، ودعت المسلمين وغيرهم في دول العالم إلى التعامل مع بعضهم البعض على أساس من الاحترام المتبادل، والشراكة البناءة والأخوة الإنسانية فهذه كلها وسائل تحمل الخير لأبناء قريتنا الصغيرة وعالمنا الواحد.