جاءت أنباء عن اغتيال علماء إيرانيين في الطبيعة النووية لتضيف مزيدا من القلق وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وسط مناخ سياسي متوتر ناتج من ثورات عربية تسعي إلي تحقيق أحلام شعبية عن الحرية والرخاء والأمن . وتتطلع إلي إدارة مستقبلها في إطار ديمقراطي ورغبة في العيش المشترك في مجال أوسع لا يشعرون فيه بالعوز أو الخوف أو التورط في حروب ليس لها معني ولا يستفيد منها إلا الأغبياء أو الباحثين عن السيطرة لدواعي أيديولوجية أو سياسية وأمامهم أمثلة ناجحة خاضت مرحلة التحول وصارت عضوا في تيار العولمة العالمي. في إيران, الدولة المهمة والمؤثرة في منطقتنا بكل تاريخها الطويل, توالت أنباء اغتيال علماء ربما كنا في حاجة إليهم لخدمة الإقليم الذي نعيش فيه والعالم في المستقبل. وفي نفس التوقيت تقريبا حدث في مصر هجوم علي محطة الضبعة النووية لأسباب فئوية أنانية وهو المكان الذي كان معدا لمشروع نووي سلمي بعد أن أنفق عليه كثير من المال والفكر والآن نجده في مهب الريح والخسارة في الحالتين الإيرانية والمصرية تعتبر خسارة للمنطقة العربية والشرق الأوسط فالطاقة والفكر عابرين للحدود وأساس لبناء الحضارة في أي مكان. وإسرائيل المتهمة باغتيال العلماء الإيرانيين مازالت تسير في الاتجاه المعاكس, وتنكر علي الفلسطينيين حقهم في دولة يعيشون عليها, وتريد أن تأخذ الإقليم كله إلي الوراء في منطقة تثور عبر الحدود من أجل تغيير شامل إلي الأمام. لا يوجد دليل جازم علي أن إسرائيل هي التي اقترفت جريمة اغتيال علماء الذرة الإيرانيين لكن الاتهام اتجه من الوهلة الأولي صوب دوائر المخابرات الإسرائيلية باعتبارها المتهم الأول في اقتراف هذه الجريمة, ولعل ردود فعل إسرائيل كانت تكشف عن سعادتها وأنها ليست مستعدة لأن تذرف دمعة واحدة علي مقتل العالم الإيراني كما عبر أحد المسئولين الإسرائيليين الكبار. ولو عدنا إلي تاريخ3 مارس2004 لوجدنا مقالة لموسي ملمان في صحيفة هاآرتز الإسرائيلية بعنوان القتل الموجه يشرح فيه أسلوب أجهزة الأمن الإسرائيلية في التخلص من الأفراد الذين يرون لأسباب معينة التخلص منهم, ويتم ذلك من خلال أسلوب معين ينتهي باتخاذ قرار للتخلص من الهدف الذي استقر قرارهم علي اغتياله, لكنهم يعلمون جيدا وعن يقين أن ما يفعلونه قابل للرد عليه بأسلوب مماثل. ولقد استخدمت إسرائيل خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي أسلوب إرسال كتب مفخخة لعدد من المصريين العاملين في المجال المخابراتي وخاصة في غزة, ثم استعملته بعد ذلك في الستينات ضد علماء وخبراء ألمان عملوا لفترة في تطوير بعض الأسلحة ومنها الصواريخ في مصر. ومع مرور الوقت, وفي السنوات الأخيرة, وفيما يتصل بالنشاط النووي, تغير الأسلوب الإسرائيلي بإرسال تحذيرات أولا إلي العلماء العاملين في هذا المجال قبل اتخاذ قرار اغتيالهم وهو أسلوب استخدمته حتي الآن مع العلماء العراقيين والإيرانيين. الآن تكرر أسلوب اغتيال العلماء العاملين في المجال النووي وآخرهم مصطفي أحمدي روشان أحد علماء الذرة في إيران وهو الاغتيال الرابع في السنتين الأخيرتين لعلماء في الفيزياء النووية من إيران, ويبدو أنها المحاولة الثانية لاغتيال هذا العالم فقد سبقها مقتل شاب بنفس الاسم تقريبا قتل في يوليو.2011 وقد ذكر في الصحف أن قنبلة ممغنطة لصقت علي سيارة العالم النووي الإيراني والتي انفجرت بعد ذلك وأدت إلي قتله وقتل سائقه. وطبقا للمعلومات المنشورة, كان روشان يعمل في وحدة تخصيب اليورانيوم في نتنز بالقرب من أصفهان. ولم تكن هذه المحاولة الأولي لاغتيال علماء إيرانيين, فقد اغتيل في نوفمبر2010 عالم آخر من علماء الذرة, وجرح آخر- فيريدون عباسي- وعين بعد ذلك كرئيس لمنظمة الطاقة الإيرانية. وفي الحدث الأخير لم يتجه اتهام مقتل العالم الإيراني فقط إلي إسرائيل, ولكن الشكوك ذهبت أيضا إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية برغم أنها نفت بسرعة أي دور لها في هذه الجريمة تخطيطا أو تنفيذا. تلفزيون الدولة في إيران أشار إلي وجود دلائل واضحة أن المخابرات الأمريكية كانت وراء اغتيال العالم الإيراني, لكن الحكومة الأمريكية أنكرت تورطها في هذا الشأن, كما أنكر أيضا شيمون بريز رئيس إسرائيل تورط إسرائيل في هذه الجريمة. ونعود إلي إيران حيث تمثل منشأة نتنز أهمية خاصة في المشروع النووي الإيراني, فبجانب أنها في الأساس سوف تمد المفاعل النووي الجديد بأعمدة الوقود المخصبة بدرجة منخفضة, إلا أنها قادرة أيضا في المستقبل علي تخصيب اليورانيوم إلي درجات أعلي يمكن استخدامها في تطبيقات أخري متنوعة طبية علي سبيل المثال إلي أن تصل إلي مستويات أعلي لليورانيوم المخصب تصلح لتطوير قنبلة نووية, وهي النتيجة المقلقة لإسرائيل والدول الغربية وباقي دول الإقليم وخاصة دول الخليج. وقد أعلنت إيران مؤخرا أنها نجحت في تخصيب اليورانيوم إلي مستوي20% وهو مستوي بعيد عن90% الذي من خلاله يمكن تطوير قنبلة نووية لكن طهران تكرر دائما أن برنامجها النووي موجه فقط للتطبيقات غير العسكرية وللأغراض السلمية فقط. قبل اندلاع الثورات العربية ظهرت موجة من الاهتمام بالطاقة النووية في كثير من الدول العربية مثل المغرب والجزائر والأردن واليمن والإمارات وكذلك في تركيا. الإمارات حققت إنجازا ملموسا في هذا الاتجاه بالتعاون مع كوريا الجنوبية وبتشجيع من الولاياتالمتحدة ولن ينتهي هذا العقد قبل أن يكون علي أرض الإمارات مفاعل نووي مولد للطاقة. نفس الاهتمام بدا في الأردن وفي المغرب وفي الجزائر ولم يترجم بعد إلي مشاريع بعيدة المدي وبعضهم تردد بعض الشيء بعد أحداث المفاعل النووي في اليابان. لكن من المؤكد أن الشرق الأوسط ليس في حاجة فقط إلي مفاعلات نووية فحسب ولكن يحتاج إلي مناخ إنساني مختلف تحل من خلاله مشكلة فلسطين وإسرائيل, وتتحول إيران إلي فاعل صريح واضح صديق لدول الخليج وباقي الدول العربية. وألا تتحول إسرائيل إلي مصدر لاغتيال العلماء في حين أنها قادرة علي استخدام العلم والتكنولوجيا في مشاريع أخري ومبادرات تعضد بها علاقات السلام والعدل في المنطقة. فهذه الأجواء المفعمة بالشكوك وانعدام الثقة, تؤثر بشكل كبير علي حالة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط, وتؤدي في النهاية إلي تدهور في الاقتصاد, وانحسار في التجارة البينية, وصعوبة في العمل المشترك. ولحسن الحظ, وللمرة الثانية خلال أسبوع واحد, وبرغم هذه الأجواء السلبية, تنقذ قطعة بحرية أمريكية سفينة إيرانية من هجوم تعرضت له بواسطة القراصنة. فقد نجحت مجموعة عمل أمريكية من مدمرة حاملة لصواريخ موجهة في إنقاذ13 بحارا إيرانيا من براثن15 من القراصنة هاجموا السفينة الإيرانية, وقد عبر الأمريكيون عن سعادتهم لقيامهم بذلك, واعتبروا أن من واجبهم التدخل من أجل إنقاذ البحارة الإيرانيين من براثن القراصنة وما يمكن أن يتعرضوا له من مخاطر. إن انتشار القرصنة في المسارات البحرية سوف يؤثر في زمن العولمة علي كثير من الأنشطة المتصلة بالتجارة والسياحة ولن يمر وقت قصير حتي تشعر شعوب المنطقة العربية والشرق الأوسط بضرورة التغيير في رؤيتهم للمنطقة وضرورة مراجعتهم لحلول فعالة تكون لصالح الجميع واستعدادهم لتبادل تنازلات من كل طرف, إلي أن نصل إلي نتيجة إقليمية رائعة علي النمط الأوروبي, حيث لا تعرف من أي محطة توليد كهرباء تقليدية أو نووية يأتيك منها الكهرباء ومن أي قطر أو بلد لإضاءة مصباح في غرفتك.