أشتاق لسماع صرخات طفلتى الرضيعة والتى كانت تتعالى بأركان منزلى البسيط معلنة عن حاجتها لحضن أمها الدفئ لتتناول نصيبها مما أفاض به الله على والدتها. وأين أنامل شقيقتها عامين لتلامس وجهى وتصحبها بقبلة رقيقة تهون بها على شقاء يوم عمل طويل لا ينتهى ولا تتخلله أى راحة ... ولازلت أرى مصطفى وهو يهرول خلف كورته البلاستيكية ليركلها بقدمه الضعيفة ويصيح عاليا جوووووووون فأنهض لاحتضنته وأطبع قبلة على جبينه ... بل أين زوجتى وشريكة كفاحى والتى كانت تهون على مرارة الأيام عندما تشتد الظروف ويطيق الحال ولا أجد ملاذ ألا أحضانها لأرتمى فيه لتربت على كتفى قائلة خليها على الله يا أبو أحمد فكم أتخيل اننى بين أحطانها فأمد يدى لأتحسسها فلا أجد بين أحطانى ألا الهواء ...فقد ذهب الجميع وأكلتهم النيران جميعا أمام عينى ولم استطع أنقاذهم أو أيجيب صغارى وهم يصرخون من شدة لهيب النيران يا بابا ألحقنا وكلما حاولت أطفاء النيران التى أمسكت فى اجسامهم النحيلة أزداد لهيب النيران و كأنها تزداد أشتعالا لتتحدانى فى فلذات أكبادى ..ويا ليتها أشتعلت فى مرات و مرات ولا تلمس طرف أى منهم .. فلم اتخيل للحظه ان افقد زوجتى واولادى الثلاثة واقف عاجزا عن نجدتهم والسبب غدر الأصدقاء . ووسط حطام منزله الذى أتت النيران على كل محتوياته والتى يظهر من حطامها انها كانت أبسط ما يكون ولا تتعدى بعض الأسرة وثلاجة وتليفزيون عتيقين وقف طارق مهنى قهوجى وتظهر على جميع أنحاء جسدة آثار الحروق ليروى لنا تفاصيل مأساته والتى فقد خلالها زوجته و3 من أبنائه بينما نجى الرابع من موت محقق لولا لطف الله ليكون سندا له من حطام تلك الدنيا بعدم بعدما قام باضرام النيران فى منزله الصغير المكون من غرفه وصاله بالمعصره بسبب خلافات بينهم لاذنب لفلذات أكباده فيها سوى أنهم أبنائه . وبصوت خافت مختنق وعينان مغرورقتان بالدموع تحدث الأب المكلوم لنا قائلا كانت عقارب الساعه تشير إلى الثانيه من مساء يوم الحادث عندما أيقظتنى زوجتى ليلى لتبلغنى أن نجلى الاصغر يحتاج لدواء الحساسيه فقفزت من فوق سريرى وهرولت إلى الصيدلية لاحضاره الدواء لصغيرى ليهدأ سعاله والحمد لله اخذ طفلى الرضيع جرعة الدواء لتكون أخر ما يدخل جوفه الصغير لأخلد عقب ذلك فى نوم عميق ، وبعد حوالى نصف ساعه تسللت الى أنفى رائحة دخان فظننت اننى من شدة أرهاق العمل أتخيل أنى لازلت بالقهوة بجذبت الغطاء فوق رأسى ألا ان الرائحة بدأت فى الأزدياد ويصاحبها صرخات متلاحقة من أطفالى وما هى ألا لحظة وأطلقت زوجتى صرخة شقت الظلام الذى يحيط غرفتى لافتح عينى على وهج أضواء شديدة فأذا به حريق بمنزلى ففتحت باب غرفه النوم لارى السنه اللهب تحرق كل شئ فى منزلى بما فيهم زوجتى واطفالى الاربعه فهرولت لأحضر جراكن مياه واحاول اخماد النيران التى التهمت كل شئ فاذا بالنيران تمتد الى ملابسى وكلما ألقيت الماء على ألسنة النيران أزداد أشتعالها وكأنها تتحدانى ، وعندما حاولت واسرتى الفرار من الموت انفجرت التليفزيون فى وجهى لاسقط مغشى على ولم أدرى بأى شئ ألا وأنا ملقى بالمستشفى وحولى عدد من أخوتى و أبناء منطقتى فصرخت فيهم أين زوجتى و ابنائى أخبرنى شقيقى بوفاتهم جميعا متفحمين فيما عدا نجلى أحمد 6 سنوات ولم أعرف سبب هذا الحريق ألا أنه قدر الله . وقمنا بابلاغ المقدم وائل غانم رئيس مباحث قسم شرطة حلوان الذى حضر على الفور والقوة المرافقة بقيادة العقيد أحمد عبد العزيز مفتش المباحث وقاموا بإجراء معاينة لمكان الحادث وسؤال شهود العيان على الواقعة وكذا اخذ اقوال الاب الناجى من الموت ، وتبين من التحريات التى أمر بها اللواء محمد قاسم مدير مباحث العاصمه أن عمرو فهيم 38 سنة سائق ومقيم بالمعصره و عمرو سليمان 37 سنة عاطل وراء الحادث تم ضبطهما من خلال أحد الاكمنة التى أشرف عليها اللواء عصام سعد نائب مدير مباحث القاهرة ، وبعرضهما على النيابة العامة قررت حبسهما 4 ايام على ذمه التحقيق.