ربت المعزون على كتفه وهو يحمل نعش أبيه. شد حيلك يابنى الى خلف مامتش البركة فيك. امك واخواتك البنات أمانه فى رقبتك . بينما انحشرت الكلمات فى حلقه وكست الدموع وجه البرئ حتى وصل إلى المقبرة وبيديه وارى جثة أبيه خلف الثرى وراح يبحلق فى أرجاء المقبرة وكأنه كان يبحث عن المكان الذى سيرقد فيه وفتحت المقبرة فمها على هذا الشاب الواعد وأقسمت ان تلتهمه فهو الفتى البرئ الجميل الذى يسد جوعها وضياؤه يزيل عتمتها وماهى إلا أيام حتى مات الصبى وسكنت الحسرة العائلة وترحل الفرحة إلا مالا نهاية تبدل حال الأسرة الصغيرة السعيدة بين عشية وضحاها وسكن القهر أرجاء المكان وتعتمت جنباته وفاحت رائحة الحزن . الأستاذ محروس الموظف الصغير بإحدى المدارس الابتدائية بمنطقة المقطم تزوج من زميلته فى العمل عاشا الحياة بحلوها ومرها رزقتهما الأقدار بقرة العين محمد وسارة وسهيلة وشكراً لله على تلك النعمة الغالية وعاركا الحياة والأزمات والفقر لتوفير لقمة العيش والحياة المتواضعة لأبنائهما وإلتحق فلذة الكبد بالسنة الأولى فى كلية التجارة وكاد الأبوان يطيران من الفرحة فما هى إلا سنوات لم تتعد على أصابع اليد الواحدة ويتخرج محمد ويشتغل ويتزوج ونرى أبناءه تركب فوق أكتافنا... ياه متى يأتى ذلك اليوم صحيح أعز من الولد ولد الولد ورسم الأبوان الآمال المتعلقة بقرة العين ولم يدر بخلدهما أن الأقدار تخبئ لهما مالاتقوى على حمله الجبال الراسيات وتوجه الأب لعمله كعادته بينما الأم حصلت على إجازة فالامتحانات على الأبواب وسهيلة فى الشهادة الإعدادية وتحتاج إلى متابعة حتى عاد رب العائلة من عمله وتناول طعامه وسط عائلته الصغيرة وكالعادة حكى كل واحد منهم لأبيه الأحداث التى تعرض لها خلال اليوم والأب ينصح ويداعب ويلاعب وتعالت الضحكات على مائدة الطعام وبعدها اوى الأب إلى فراشة وانشغل الأبناء بالمذاكرة ومرت الساعات تلو الأخرى وتأخر الأب فى نومه فهو لم يصل المغرب وحان وقت أذان العشاء وهرولت الزوجة لإيقاظه ونادت عليه ولم يرد وجلست جواره ولم يتلفت وتساءلت فى دهشة هل تعبان لتلك الدرجة ليستغرق فى النوم العميق هلم بسرعة لتصلى العشاء فى المسجد سكن الخوف جسدها وقلبته على ظهره وعلى جانبه الأيمن ثم الأيسر وهو كعود أخضر فى يدها وصرخت هاتوا دكتور لأبوكم بسرعة أبوكم مابيردش . اتصلى بعمك ياسارة وجاء الطبيب وأمال العائلة الصغيرة تتعلق بكلمة صغيرة منه وبعد توقيع الكشف كادت جبهته تلمس الأرض وبصوت خافت " البقاء لله " شدوا حيلكم توفى بالسكتة القلبية صراخ هنا وعويل هناك من الأهل والجيران وفى صباح اليوم التالى وضعوا الأستاذ داخل النعش وذهبوا به إلى مثواه الأخير وتغلغل الحزن فى قلب الصبى فهو ابن أبيه وكان صديقه وحبيبه وكل شئ فى الدنيا لكن ماباليد حيلة صحيح الى خلف مامتش وقال الصبى لنفسه انا صورة بالكربون من أبى كما تقول جدتى حتى فى طباعه ولابد ان أسير على نفس دربه ومرت أيام العزاء الثلاثه والصبى يتلفع بشيم الرجال نهاراً مساء بغلق غرفته على نفسه ويبقى كطفل تركته أمه فقد رحل عنه السند والحماية والأمان والمثل العلى ولم يتبق سوى الحسرة والألم وفى اليوم الخامس للوفاة خرج صباحاً للحصول على 3 شهاات وفاة لأبيه لتقديمها إلى عمله لصرف مستحقاته وبينما كان يسير فى الشارع دهسته سيارة طائشة يقودها شاب أرعن وأطاحت به حتى تناثرت أجزاء جسده فى الشارع وفر الجانى هارباً وتمكن أهل الخير من حمل جثته ووضعها على الرصيف وتغطيتها بأوراق الصحف ومن بطاقته أستدلوا على عنوانه وفتحت الأم الثكلى الباب فأذا بيد ترتعد وتسلمها بطاقة محمد وتليفونه المحمول وحافظة نقوده وخلال أسبوع استعمت للمرة الثانية عبارة " البقاء لله " شدى حيلك وتساءلت هيسترياً أشد حيلى على مين وفين حيلى الى حايتشد بعد محمد حيكون فيه حيل يتشد هرولت وخلفها بناتها الى حيث يرقد الحبيب الغالى وأخذته بينا أحضانها ودماؤه الطاهرة تكسو وجهها وصرخاتها وبناتها فتكت بقلوب المارة وبيديها زفته الى مثواه الأخير وكادت تفقد عقلها وتوسلت إلى أقاربها أن ترقد حية بجوار فلذة كبدها فى قبرة لعل ملك الموت يرق قلبه لحالها ويزهق روحها الموت أهون مليون مرة بدون محمد وراحت المكلومة فى غيبوبة وتوارى الفتى خلف الثرى وأمر أمير الهامى نوار رئيس نيابة الخليفة بسرعة القبض على الجانى.