رحابة النيل وصدقه وهدوئه وعذوبته وأصالته وكبرياؤه.. كانت متجسدة فى شخصية الروائى بهاء طاهر طوال الحوار.. بمنتهى الثقة أكد أن تقسيم مصر غير وارد وأن معركتنا فى الداخل. ومصر دائما محروسة بحكم التاريخ والجغرافيا. ووصف شباب الثورة بأنه شباب ثورى ونقى ولكنهم أخطأوا فى صراعهم مع الدولة, وأن مطالب الثورة وهي: عيش، حرية، عدالة اجتماعية مطالب لم تتحقق بعد.. وأن الإخوان حاولوا كسر الوحدة الوطنية لتسهيل استيلائهم على السلطة ولكنهم فشلوا. ويرى بهاء طاهر أنه لا مجال للتوافق مع الجماعات الإرهابية على الإطلاق، وأننا نسير رغم كل شيء فى سكة السلامة وهى التوافق حول شخصية معينة لتولى الرئاسة والحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة، هذا بعض مما تضمنه حوار الأهرام مع الروائى بهاء طاهر الذى امتد على مدى ساعتين. كيف ترى المشهد بعد اقرار الدستور والتحرك قدما فى خريطة الطريق؟ أرى انه مشهد مليئا بالاحتمالات والتوقعات، ولأنى متفائل فجميع توقعاتى لا تذهب بعيدا، وتتلخص هذه الاحتمالات فى عدة نقاط أهمها أن يستمر الموقف متجمدا كما هو عليه، عنف وارهاب من الجماعات الارهابية وفى المقابل مقاومة من الشعب والدولة، وهذا الطريق الملىء بالاعمال الارهابية والاغتيالات أطلق عليه «سكة الندامة»، أما سكة السلامة فهى ان يحدث نوع من التوافق الوطنى حول شخصية معينة لتولى الرئاسة، بالطبع فى اطار انتخابات حرة ونزيهة وأن تتفق عليه جميع الحركات الوطنية، وإذا حدث ذلك وجاء رئيس جديد بهذه المواصفات فسيفقد الإخوان آخر ورقة يلعبون بها فى الشارع السياسى باسم الشرعية وستكون الشرعية هى شرعية الرئيس الجديد المنتخب. هل يمكن العمل على التوافق مع هذه الجماعات الإرهابية مع كل هذه العمليات الارهابية والاغتيالات لضباط الشرطة؟ لا مجال للتوافق مع الجماعات الارهابية على الاطلاق، لأن التوافق طريق ذو اتجاهين وليس اتجاها واحدا، فلابد ان يكون الطرفان متفقين، وحتى هذه اللحظة هذه الجماعة رافضة أى مبادرة صلح . هل فى رأيك ستستمر موجة الإرهاب والاغتيالات التى تستهدف ضباط الشرطة والجيش فترة طويلة وما تعليقك على هذه الأعمال؟ نحن بالفعل فى قلب هذه الموجة وآخرها كان استشهاد اللواء محمد سعيد مساعد وزير الداخلية أمام منزله بالهرم. هذا المشهد ذكرنى بأول اغتيال لهذه الجماعة الارهابية وكان للقاضى أحمد بك الخازندار، الذى كان ينظر فى قضية أدين فيها أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين عام 1948 انتظروه ايضا أسفل منزله واغتالوه. ما تعليقك على ترشح المشير السيسى للانتخابات الرئاسية ؟ اتمنى ان يترشح المشير السيسى للانتخابات الرئاسية، وان تتم عملية الانتخابات بشفافية ونزاهة، ليعرف الجميع ان هذا الرجل جاء نتيجة اجماع وتوافق ورغبة شعبية ويتم ذلك تحت أعين وبصر العالم كله وبإشراف من المنظمات العالمية. كيف تعلق على الرأى الذى يقول إن السيسى وهو فى وضعه الحالى داخل الجيش زعيم و«حكم» والشعب كله يلجأ اليه بصفته الرجل القوي، ولكن اذا اصبح هو الرئيس فسيدفعه ذلك الى ان يصبح مسئولا عن حل الازمات والحاجات اليومية المعقدة جدا فى هذه الفترة فيقلل ذلك من رصيد شعبيته؟ هذا الرجل كان مسئولا عن جهاز يبحث كل التوقعات وهو «المخابرات الحربية» ورأيى فى هذه النقطة أن يترك للرجل الاختيار لأنه الاعلم منا جميعا . هل ترى ان المترصدين بالخارج للمشير السيسى من الممكن ان يثيروا أزمة بعد ترشحه ويبدأوا مرة اخرى فى ترويج مصطلح «انقلاب»؟ رأيى أننا يجب ألا نبالى على الاطلاق بالخارج ولا ننظر لهم ولا يهمنا رايهم على الاطلاق، ومعركتنا الان فى الداخل، اما الخارج فهو منحاز للطرف الاخر وهو الاخوان المسلمون لذا لن نستطيع ارضاء الخارج، فالاخوان تنظيم دولي، وكثير من الدول كان يحقق معهم مصالح فى السيطرة على المنطقة، ولذلك فالإخوان والدول الخارجية لن يكفوا عن دعم بعضهم البعض، ولهذا فيجب ألا تتعطل مسيرتنا لمجرد الاهتمام برأى الخارج. كيف كنت ترى مخطط تقسيم مصر «سيناء وقناة السويس وحلايب» الذى حطمته ثورة 30 يونيو ؟ فى رأيى هذا لا يمكن حدوثه.. تقسيم مصر غير وارد، فمصر قبل التاريخ وهى كتلة واحدة مساحتها مليون كيلو متر مربع، فلا يجوز أن يحلم أحد بتقسيم مصر، ومصر دائما محروسة بحكم التاريخ والجغرافيا، وكل العوامل الاخرى التى تحفظ لهذا البلد صلابته وتماسكه . غالبية شباب الثورة فى صراع داخلى مع الدولة ما تقييمك لادائهم خلال السنوات الثلاث الماضية؟ أنا أشفق على هؤلاء الشباب لأنهم شباب نقي، وأنا ضد كل المحاولات لتشويه سمعتهم وتلويثهم، هؤلاء شباب ثورى ولكنهم أخطئوا، و لست معهم فيما يفعلونه الان فى صراعهم الحالى مع الدولة،لأنهم بذلك يلعبون لعبة الاخوان المسلمين دون قصد وهى شق الصف، وقناة مثل الجزيرة تستغل هذه الصراعات لتتاجر بها ,مؤكدة ان المعركة ليست مع الاخوان بل مع شباب الثورة ايضا، وللاسف معظم هؤلاء الشباب عندهم نوع من الطفولة الثورية، ولا ألتمس العذر فى الحقيقة لهذه الجماعات الثورية وبسبب انغلاقها على نفسها تركت الملعب السياسى للفلول والاخوان ليفرضوا نفسهم على الساحة، لذا يجب على هؤلاء الشباب أن يأتلفوا ويكون هناك وحدة واحدة بدلا من عشرات الائتلافات التى ساعدت فى تقسيمهم وهذا الانقسام الذى حدث لشباب الثورة جاء من التآمر عليهم من العديد من الاطراف وابرزهم الإخوان المسلمون. كيف ترى الاتهامات القانونية الموجهة لبعض شباب الثورة من تمويل وتسجيلات تدينهم؟ أنا أرفض هذا الأسلوب وأرى ان هذا الوضع يهدف فى النهاية الى تلويث ثورة 25 يناير وهذا التلويث ارفضه تماما، لاننى أعرف أن من قام بثورة يناير شباب ثورى بريء ونقي، واذا اندس وسط هؤلاء الشباب أشخاص غير انقياء، فهذا لايشينهم على الاطلاق،ولو ان التفاعل الطبيعى تطور مع الوقت كان اتخذ مجراه واستطاع الثوار الحفاظ على الصف الوطنى والخلاص من الذين قفزوا على الثورة ليفسدوها. هناك تيار من المصريين يشعر بسخط شديد تجاه الثورة لأنه يرى انها أربكت حياتهم ولم يعد هناك أمن وأمان واستقرار، فماذا تقول لهم ؟ أقول لهم كم من الوقت اخذت الثورة الفرنسية حتى تصبح نظاما؟، نحن الان مازلنا فى حالة الثورة ولم ننته منها بعد، وأى ثورة فى العالم تحتاج لسنين كثيرة حتى يحدث استقرار، فالثورة الفرنسية استغرقت ثلاثين عاما. وللأسف حتى الان لم تتحقق مطالب الثورة بعد.. فالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية مازالت مطلوبة حتى الآن. كيف ترى محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي؟ مرسى وكل اتباعه لديهم حالة ر فض وانفصام عن الواقع، الصدمة بالنسبة لهم كبيرة جدا، قد سمعت توصيفا ساخرا لهذا المشهد يشبه مرسى وجماعته بشخص طيلة عمره يحلم بأن يأكل «كباب».. وعندما جاءوه بالكباب اخيراً..واستنشق رائحته رفع الكباب من أمامه.. ومن هنا حدثت الصدمة، فأكثر من ثمانين عاما يحلمون بهذا المنصب وبمجرد الوصول له انقلب هذا الحلم الى كابوس مرعب لهم . هل السيناريو الجزائرى او السورى من الوارد ان يحدث فى مصر؟ بالنسبة للسيناريو الجزائرى فكما أكدت أن مصر محروسة ولن تصل الى هذه المرحلة، أما السيناريو السورى فدائما ما أؤكد ان الجيش المصرى جيش وطنى طيلة عمره، فهو ليس جيشا أيدولوجيا أو طائفيا أو تابعا لحزب معين، على عكس الجيش فى الشام او العراق هو جيش تابع لحزب البعث ومازالت هذه المصائب موجودة فى البلدين.. بسبب التكوين الطائفى للجيش، لذا فنحن بعيدون عن هذا السيناريو، ونفس الشيء فى الجزائر فنحن ليس لدينا عدة لغات مثلهم فهم لديهم بجانب العربية اللغة الامازيغية والفرانكفونية، وبالنسبة للأديان فنحن لدينا الإسلام والمسيحية فقط والاثنان متسامحان جدا ونسيج قوي، لم تنجح الفتن التى افتعلها الإخوان لتعكير صفو العلاقة والمواطنة، وأتذكر هنا مفارقة وهى ان الوحيد الذى سار فى جنازة حسن البنا من رجال السياسة هو القبطى مكرم عبيد باشا، ونحن للأسف لا نجيد استخدام عناصر قوتنا، فنحن عندما نتكلم عن وحدة المسلمين والمسيحيين نأتى بشيخ يقبل «قسيس» وهذا الشكل التقليدى لا يرقى للضحك على طفل صغير!!، إنما الوحدة يجب ان تكون اكثر تجذرا، والأمثلة التاريخية كثيرة جدا.. ففى اوائل ثورة 1919 ارادوا ان يقتلوا رئيس الوزراء القبطى يوسف باشا وهبة ,حينذاك فتطوع احد من الخلية المسيحية لهذه المهمة حتى لايقتله مسلم وتصبح فتنة (هذه هى روح المصريين الحقيقية)، ومرورا بثورة يناير قد راينا الاقباط يحمون المسلمين وهم يصلون، وفيما بعد ,هذه الروح لم تعجب الاخوان ولم تكن على هواهم ورأوا انها ستكون عائقا فى طريق استيلائهم على السلطة فحاولوا ان يكسروها. ما توقعاتك للانتخابات البرلمانية المقبلة ؟ ستكون صعبة جدا، لأن معيار الحق فيها سيكون ضعيفا جدا ومعيار القوة (المال والعصبيات) هو الذى سيلعب كل الادوار، وهنا اتذكر الانتخابات البرلمانية قبل ثورة 1952 عام 1950 اتذكر أن كل القوى كانت متكتلة لإسقاط الوفد لأنه كان حينها حزب الشعب والقوى الاخرى كانت تابعة للملك فاروق والسرايا وكل المؤسسات المؤيدة للنظام ورغم ذلك فاز الوفد بصوت المواطن البسيط بنسبة تتعدى 70%. ما أكثر ما خسرته مصر بعد الثورتين؟ دماء الشهداء بالطبع هى أكثر ما خسرناه، بالإضافة إلى الانقسام الذى يحدث الان فقد مررنا بالاحتلال الانجليزى ومكافحة اسرائيل وحتى ايام 25 يناير فى التحرير كنا نتحرك ككتلة واحدة، ولأول مرة يحدث هذا الانقسام والأسباب ايدولوجية بحتة للأسف، حيث ان الإخوان يعتبرون انفسهم سدنة الدين وحدهم وباقى المصريين كفرة. هل المصريون فى حاجة دائما الى زعيم ؟ طبعا، لأنه منذ عهد مينا موحد القطرين.. والزعيم هو الذى يوزع ماء النيل على الناس بالعدل وعندما نقرأ مواصفات الحاكم العادل عند قدماء المصريين سنجد انهم فى غاية الذكاء، كانوا يسمون الملك زوسر «صاحب هرم سقارة المدرج» بالملك الرحيم والعادل وهذه الصفات ما يتمناه المصريون من الحاكم ليلتفوا حوله . هل تمتلك مصر حلولا للتعامل مع أزمة سد النهضة؟ أنا اثق بأن هناك خبراء مصريين على اعلى مستوى لديهم خطط وحلول لهذه المشكلة ولو جمعنا هؤلاء الخبراء فسيطرحون العديد من الحلول، لاننا لدينا دائما عقول ذكية وخبرات كبيرة ولكننا لا نستفيد بها. لا ينفع فى هذه الدنيا ان تكون نصف طيب ونصف شرير، ونصف وطنى ونصف خائن، ونصف شجاع ونصف جبان، ونصف مؤمن ونصف فاسق، دائما فى المنتصف شيء ما.. اقتباس من رواية نقطة نور - هنا وضعت يدك على مكمن العلة، ماذا يفعل الانسان حتى لا يكون واقفا دائما فى المنتصف بلا موقف؟ الإرادة قبل كل شيء، هناك خطيب يونانى شهير كان اسمه «ديموستنيس» وكان اللثغ «نوعٌ من عيوب النطق». فالشخص الألْثغ يجد صعوبة فى نطق ال«س» وال«ز». الثغ.. فأصر ان يحارب هذه العلة فكان يقف امام البحر واضعا عودا من الخشب أسفل لسانه ويخطب فى البحر حتى عالج نفسه وشفي، لابد لأى شخص واقف فى المنتصف ان يعترف اولا انه يقف فى المنتصف وهذا الامر يتطلب شجاعة. ترى هل هناك سياسيون فى مصر يقفون فى المنتصف؟ للأسف الواقفون فى المنتصف كثيرون جدا، ستجدين من يخشى التورط بأن يكون مع أحد الاطراف ويؤثر السلامة، وعلى المستوى الاجتماعى نجد ان الجسارة والنخوة والشجاعة فى طريقها للاندثار.. وهذا فى رأيى افراز ثلاثين عاما من حكم مبارك بسبب الركود وانكسار الروح لدى المصريين والتى عادت مرة اخرى بعد ثورة يناير. هل من الممكن ان يساعد الادب والفكر والسينما على تغيير الواقع؟ بالطبع من الممكن ان يساعدوا جدا، ولكن فى هذه الحالة لابد من وجود شخص عنده رؤية وفلسفة وثقافة مثل ثروت عكاشة. ماذا يكتب بهاء طاهر الآن؟ أكتب الآن رواية وقصصا قصيرة عن مواضيع انسانية عامة.