لمولد الرسول صلى الله عليه وسلم حضور كبير في أدبنا العربي, قديمه وحديثه, في نصوصه الشعرية والنثرية, بداية من شعر المسلمين الأوائل في صدر الإسلام, والعصرين الأموي والعباسي ومرورا بالعصور الوسيطة المتتابعة( الفاطمي والأيوبي والمملوكي) ووصولا لشعرنا العربي الحديث. حول تلك المعاني يقول د. بهاء حسب الله استاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة حلوان, كان حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن زهير والنابغة الجعدي أول من أرخوا له شعرا في زمن الرسول# ب وزمن الخلفاء الراشدين من بعده. ومن يعد لشعر تلك الفترة يلمس بنفسه ظلال( المولد المحمدي) في قصائد معظم شعراء العصر الإسلامي الأول, ومنهم علي سبيل المثال الشاعر الاسلامي( عباس بن مرداس) صاحب القصائد الكثيرة في موضوع الاحتفاء بمولد النبي وبعثته وهجرته منها قوله: نبي أتانا بعد عيسي بناطق... من الحق فيه الفصل منه كذلكا أمين علي الفرقاء أول شافع... وآخر مبعوث يجيب الملائكا كذلك تنسب للأعشي الشاعر الجاهلي قصيدة قالها في هذه المناسبة واصفا الرسول نفسه في يوم مولده, وواصفا آثار هذا اليوم علي الأجل القادم والأمل المعقود عليه في الجانب الانساني, قال: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه... ربيع اليتامي عصمة للأرامل ومن ذلك أيضا ما قاله حسان بن ثابت في مديح مولد المصطفي#ب: وقال الله: قد أرسلت عبدا... يقول الحق ان وقع البلاء شهدت به فقوموا صدقوه... فقلتم لا نقوم ولانشاء ويشير د. بهاء الي أن من يرجع لخطابة علي بن أبي طالب يلمس مدي اتساع أثر المولد النبوي علي موضوعات خطبه وأفكارها, فقد اعتبرها علي المعجزة الكبري للخالق سبحانه وتعالي, وإذا تركنا عصر صدر الإسلام لوجدنا شعر المولد النبوي ينتشر علي ألسنة الشعراء الكبار أمثال جرير والفرزدق وقطري بن الفجاءة وغيرهم, ويضيف أن الإمام البوصيري يعتبر هو الشاعر الأبرز في تلك الفترة في تاريخ مسيرة الرسول ومولده والدفاع عن دعوته وشرح أصولها وتفاصيلها وتعتبر همزيته التاريخية خير شاهد علي ذلك.. انظر الي قوله وهو يصف قصة ميلاد الرسول وأثرها علي قومه وامته. ليلة المولد الذي كان للدين... سرور بيومه وازدهاء توالت بشري الهواتف أن قد.. ولد المصطفي وحق الهناء وإذا ما وصلنا الي العصر الحديث لوجدنا في مطلع القرن العشرين كلا من أمير الشعراء أحمد شوقي في إسلامياته العديدة, وكذلك شاعر النيل حافظ ابراهيم وأحمد محرم صاحب الالياذة الإسلامية الخالدة, يؤرخون جميعا لتجربة المولد النبوي, وأثرها في قيام الدولة الإسلامية الأولي, وتعتبر همزيةأحمد شوقي في قصيدته المعروفة ب( ولد الهدي) من أبرز القصائد التي ألمحت الي المولد النبوي الشريف وأثره في هداية الأمة, ثم يأتي محمود حسن إسماعيل لينشد العديد من قصائده, وكذلك شاعر الجندول علي محمود طه والشاعر المعاصر محمد التهامي. وفي نفس السياق يقول د. عبدالله عبدالحليم وكيل كلية الاداب بجامعة حلوان وأستاذ الأدب العربي, تجلت شخصية المصطفي# ب في الأدب العربي منذ القدم وعلي وجه الخصوص في الشعر العربي, وصار المديح النبوي فنا قائما بذاته. واهتم الشعر العربي الحديث بشخصية النبي# ب بداية من البارودي الذي أبدع قصيدة بعنوان كشف الغمة بمديح سيد الأمة يقول في مطلعها: يا رائد البرق يمم دارة العلم... واحد الغمام الي حي بذي سلم ثم كان الدور الرائد لأمير الشعراء أحمد شوقي من خلال عدة قصائد عصماء منها نهج البردة ومطلعها... ريم علي الشعاع بين البان والعلم.. أحل سفك دمي في الأشهر الحرم... وفي ذكر المولد النبوي التي بدأها بقوله: سلوا قلبي غداة سلا وقابا... لعل علي الجمال له عتابا ثم الهمزية النبوية ومطلعها: ولد الهدي فالكائنات ضياء... وفم الزمان تبسم وثناء والروح والملأ الملائكة حوله... للدين والدنيا به بشراء وهذه القصيدة اقتفي فيها شوقي نهج البوصيري في همزيته أم القري: كيف ترقي رفيك الأنبياء... يا سماء ما طاولتها سماء ويضيف د. عبدالله أن شخصية النبي قد ظهرت في النثر العربي الحديث جلية في عدة أعمال أدبية نذكر منها علي سبيل المثال.. عبقرية محمد للعقاد وفي منزل الوحي لمحمد حسين هيكل, ومحمد لتوفيق الحكيم. واهتم المسرح أيضا بسيرة وشخصية النبي# ب من خلال عدة مسرحيات منها.. ميلاد النبي لمحمد محمود زيتون, والطائف لمحمد عبدالغني حسن. وعن تجليات المولد النبوي عند الجماعة الشعبية.. يقول الشاعر مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بهيئة قصور الثقافة.. يمثل مولد النبي# ب حدثا عظيما في يقين الجماعة الشعبية, وهو مفصل بين تاريخين, لذا فهي تحتفل به وتبتهج بقدومه بوصفه بركة ونورا وخيرا فتقيم الأذكار والمدائح, ويمكن أن نرصد مجموعة من عناصر التراث والمأثور الشعبي التي ترتبط بهذه الذكري العطرة التي تحتل مكانا عميقا في ذاكرة الانسانية عامة والمسلمين علي وجه الخصوص وتتجلي مظاهرها الشعبية في مصر فالميدان يقدم لنا في باب الأدب الشعبي: المديح النبوي المتعلق بميلاده والمعجزات المتعلقة به وتتنوع هذه الابداعات كما يقول شومان في أشكال متعددة منها الموال والمربع والأغنية كما تتراوح بين الأداء العامي والفصيح, فضلا عن الانشاد الديني ونصوص الذكر الصوفي. وتبدع الجماعة غناءها في مولده فتقول.. وولدته أمينة مينة تحت ضل التينة.. وسمته النبي محمد أبوعيون كحيلة, وولدته أمينة أمينة وقت الفجرية.. وسمته النبي محمد أبو عيون عسلية, كما ينتشر سماع الحكايا القصصية الشعبية الخاصة بمعجزات الرسول خاصة في بعض الاحتفالات التي يقيمها البعض بجوار أضرحة الأولياء أو في الساحات ابتهاجا بمولد النبي أو كنوع من النذر الذي يقام سنويا, كما يحلو للبعض رسم الحوائط قبل الذهاب لعمرة المولد النبوي بعض الحرف والمهن التي تعبر عن فرحة المصريين مثل صناعة الحلوي, ونشاهد خاصة في الريف الشوادر التي تمتلأ بالحلوي وبالأحصنة والعرائس المصنوعة من الحلوي, كما تأخذ كزيارات من العريس لعروسه كنوع من التبرك بالمولد النبوي ونفحاته, كما يرتبط به مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبية التي يجب رصدها كي تكتمل خارطة احتفالات المصريين التي لا تخلو مما يمكن تسميته بطقوس العبور من مرحلة لمرحلة أو من حالة لأخري, فالمولد ليس مجرد تاريخ كما يشير الشاعر شومان, لكنه بمثابة ثقافة شكلها المصري مضمنا به ميراثه الثقافي من قديم الأزل لذا فالاحتفالات التي يقوم بها المصريون لا تشبهها أية احتفالات في أي مكان وهذا سر عظمة وخصوصية المصريين.