تواجه الدولة والمجتمع موجة جديدة من الإرهاب الأسود الذي يحاول أن يثني المصريين عن طريقهم نحو استكمال بناء دولتهم التي حلموا بها مع ثورتهم, حيث تحاول تلك الجماعات أن تفرض إرادتها علي الإرادة الشعبية التي تجسدت في خريطة الطريق التي توافقت عليها أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة, وأيدها المواطنون. علي الرغم مما يراه البعض من أن هذه الموجة الإرهابية تتشابه مع الموجة التي واجهتها الدولة في تسعينيات القرن المنصرم, إلا فإن الواقع يؤكد أن هذه الموجة تختلف عن سابقتها من جانبين: الأول, أنها تأتي عقب ثورة شعبية عبرت فيها الجماهير عن عزمها المشاركة في إدارة الدولة بما يتوافق وتطلعاتها, ويعني ذلك أن هذه الموجة ليست موجهة إلي الدولة ومسئوليها فحسب, وإنما هي موجهة وربما بدرجة أكبر إلي المواطنين المرتدين وفقا لمنطق جماعات السلفية التكفيرية او كما يسمون أنفسهم الآن جماعة بيت المقدس ومن يدور في فلكها, يدلل علي ذلك التفجيرات التي تقع في الأماكن التي يستخدمها المواطنون كما حدث اخيرا في تفجير أتوبيس النقل العام, ووضع العبوات الناسفة التي يتم كشفها قبل تفجيرها في تلك الأماكن, أو الاعتداء المستمر علي المؤسسات كما هو الحال في الاعتداء علي الجامعات وعلي الأخص جامعة الأزهر, التي لم يكن تكثيف الاعتداء عليها مقارنة ببقية الجامعات مصادفة وإنما لأغراض وأهداف محددة تستهدف مؤسسة الأزهر ذاتها, أو الاعتداء علي الشخصيات العامة التي لا تتولي مناصب رسمية في الدولة لمجرد تأييدها لما جري في الثلاثين من يونيو, مثل الاعتداء الأخير علي منزل القيادي السلفي الدكتور ياسر برهامي نائب الدعوة السلفية. أما الجانب الثاني, فيتمثل في الخلط الذي تنادي به هذه الجماعات في خطاباتها, ففي التسعينيات كان الخطاب يرتكز علي المطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية فحسب. أما ما يجري اليوم, فقد تراجعت قضية تطبيق الشريعة في خطابات تلك الجماعات لتتصدر قضية سياسية وهي قضية الشرعية وحمايتها بحجة عودة شرعية الرئيس السابق محمد مرسي. في ضوء ما سبق, يمكن القول إن التعامل مع هذه الموجة الإرهابية تتطلب البحث عن آليات جديدة ورؤي مختلفة عما جري في السابق, فصحيح أن المواجهة الأمنية مطلوبة في هذه اللحظة وخاصة مع تزايد حدة هذه الموجة واتساع رقعة أهدافها, إلا أنه من الصحيح أيضا أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي, وأكرر وحدها لاتكفي, وإنما هناك حاجة ماسة إلي وضع رؤية متكاملة تشترك فيها مؤسسات الدولة وأجهزتها المعنية كافة وخاصة مؤسساتها الدينية المتمثلة في الأزهر الشريف ووزارة الاوقاف, وكذلك مؤسساتها الإعلامية بإفساحها المجال للعلماء والفقهاء للتصدي لهذه الموجة الإرهابية التكفيرية, شريطة أن يختلف الخطاب الديني الموجه الي هؤلاء التكفيرين الذين ينجحون في استقطاب الشباب والتغرير بهم تارة تحت مسمي الشريعة وتطبيقها وتارة أخري تحت مسمي الشرعية وحمايتها, وكلاهما فاقد لمعناه ومدلولاته الحقيقية. فحينما تقوم جماعة بممارسة القتل والعنف والإرهاب تجاه المجتمع وأفراده وتتخذ من الشريعة مسمي لها كما هو الحال في جماعة أنصار الشريعة, فالتساؤل الواجب: هل الشريعة تؤيد ما يقومون به من أفعال؟ وهل هم بذلك يحققون الغاية العليا للدين الإسلامي وشريعته الغراء؟ ولذا, فحماية الشباب من الوقوع في براثن مثل هذه الجماعات التكفيرية يستوجب العمل علي جانبين مهمين إلي جانب الدور الأمني: الأول, تفعيل دور أجهزة الدولة المعنية بقضايا الشباب ومشكلاتهم وتحديدا وزارتي الشباب والرياضة, وهنا يبرز التساؤل أين ذهبت وعود المسئولين في هذه المرحلة, وتحديدا ما وعد به نائب وزير الشباب خالد تليمة بإنشاء أكاديمية لتعليم الشباب وتثقيفهم, وكذلك فكرة د.مصطفي حجازي مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية بإنشاء معهد لتدريب الشباب علي العمل السياسي؟ أليس من المنطق أن توجد هذه المؤسسات ويتعاظم دورها لشرح حقيقة ما حدث في الثلاثين من يونيو وما هو الخلط الذي يحاول أنصار تلك الجماعات نشره بين الشباب حول مفهوم الشرعية وكيفية اكتسابها وفقدها؟ وإذا كان ثمة تأخير أو عوائق بيروقراطية تحول دون سرعة إنشاء هذه المؤسسات, فهناك دور لمراكز الدراسات والبحوث السياسية في تنظيم مثل هذه الدورات وورش العمل للتوعية السياسية للشباب, كذلك أناشد الدكتور اسماعيل سراج الدين ان يجعل من مكتبة الاسكندرية مكانا لتثقيف الشباب سياسيا, هذا علي جانب الوعي السياسي, أما علي جانب الوعي الديني, فيبرز دور رجال الأزهر والأوقاف وكوادرهم العلمية والفقهية في تصحيح مفاهيم الشباب وإكسابهم المعارف الصحيحة, فالتعليم لا يعني دوما اكتساب معارف جديدة بقدر ما يعني التخلص من الكثير من الأوهام القديمة والمتمكنة من النفوس والعقول, وهو ما يعني أن ثمة حاجة إلي إضاءة الطريق للشباب من خلال خطاب ديني صحيح يرتكز علي أسس الفهم السليم للدين الإسلامي, بحيث يبين لهم حرمة الدماء والأموال والأعراض فأين فكر هذه الجماعات وفتاواها من الشريعة ومبادئها والفقه وأحكامه؟ لمزيد من مقالات عماد المهدى