نستكمل حوارنا مع شيخ المخرجين المسرحيين حسن عبد السلام, الذي أتم85 عاما منها60 عاما خلف الكواليس, يقود الممثلين والفنيين لتقديم رؤي جديدة ورسائل اجتماعية وسياسية بالغة الأهمية من خلال الضحك والسخرية والمرارة أيضا. يقول: أعتقد أن من أهم المراحل في حياتي عملي بالثقافة الجماهيرية في مشروع الدكتور ثروت عكاشة لنقل الفكر والإبداع الي مختلف الأقاليم المصرية, لم أكن دارسا للإخراج دراسة أكاديمية, وأشتريت كتابا إنجليزيا عنوانه المخرجون علي أرض الإخراج, واستعنت بقريب لي لترجمة ما لم أتوصل الي فهمه, وظللت أقرأ كل ما يقع في يدي من كتب عربية أو أجنبية لكني لم أكن مبهورا بما فيها من قواعد, بل لعلي كنت أعشق القفز علي تلك القواعد الجامدة الثابتة, وأبحث عن أشكال جديدة, وكان معظم زملائي يقدمون مسرحيات عالمية من المسرح الأوروبي أو الأمريكي, واخترت أنا قبل54 سنة تقديم عرض من المسرح الآسيوي والياباني.. ولم تمنعني تلك التجارب من مخاطبة الجمهور العريض في مسرح القطاع الخاص, فبعد عامين فقط من اخراجي للعرض الياباني قدمت سيدتي الجميلة.. ثم طبيخ الملائكة التي أعتبرها أول مسرحية عربية تصنف كوميديا سوداء.. وبرغم ما فيها من عناصر كثيرة جديدة وتجريبية الا أنها نجحت جماهيريا ثم قدمت مسرحية سياسية بعنوان الزنزانةمن أروع التجارب التي اعتز بها.. وأري أن الأصل في الأعمال الكوميدية أن تكون ذات بعد اجتماعي وتطرح قيمة انسانية وليست مجرد تسلية وترفيه, بل إن الكوميديا من أيام أرسطوفان وسيلة من وسائل التطهير واظهار العيوب. لم أقدم مسرحية كوميدية إلا وتطرح قضية, ومن أهم المعارك الفنية التي خضتها في حياتي معركة الأوبريت, الذي نعتبر في مصر رواده علي المستوي العربي وأكبر المتميزين فيه فعندما تولي الأديب يوسف السباعي وزارة الثقافة قام بتعييني مديرا عاما للمسرح الغنائي.. وكانت أول خطوة قمت بها اعادة فن الأوبريت وقدمتألف ليلة وليلة لبيرم التونسي ثم مشروع الفنان الشامل.. وبدأت بفرقة متقال الشعبية سنة1973, واختارت لجنة دولية هذه الفرقة لتمثل مصر في مهرجان نانسي في فرنسا, ولكني فوجئت بحرب ضدي ووأد لمشروع الأوبريتات القديمة, وبعدها بعامين عينت رئيسا لقطاع الفنون الشعبية, فأعدت الأوبريتات بل قمت بإخراج أوبريت جديد هو رصاصة في القلببطولة علي الحجار وأنغام.. ومن الأعمال التي أعتز بها كذلك مسرحية استعراضية سياسيةاسمهاكعبلونقام ببطولتها سعيد صالح.. كما قلت رأيي في الصهيونية من خلال مسرحية ألفها بهجت قمر عنوانهاسندريلا والمداح, وقام ببطولتها نيللي وهاني شاكر ومحمد نجم, وعندما أقعدني المرض علي كرسي متحرك ظننت أنه يصعب العودة للإخراج وفوجئت بزيارة النجم أحمد آدم والمؤلف أحمد الإبياري لي يحملان مسرحيةربنا يخلي جمعة.. كنت طريح الفراش وسأنهض منه الي الكرسي, فقلت لهما كيف أقوم بالإخراج وأنا علي هذه الحال؟!. أمسك أحمد آدم برأسي قائلا: أنا أريد هذه الرأس, لا أريد قدميك في شيء.. وقدمت لهما المسرحية التي أعتبرها من أجمل المسرحيات الأخلاقية الهادفة من خلال الضحك.. ومن الأعمال السياسية الجميلة التي لا أنساها مسرحية يا غولة عينك حمرا التي ألفها كرم النجار, ولعب بطولتها نور الشريف, وكانت في نظري أجرأ عرض ينتقد السياسات الأمريكية في المنطقة. لم أحصل علي جوائز من الدولة برغم ما قدمته من أعمال, والشيء العجيب أنني قد أبلغت بحصولي علي جائزة الدولة التقديرية في عام2010 ثم لم أحصل عليها!! اتصل بي الفنان الرائع رياض الخولي ومعه المخرج هشام جمعة, وقالا لي مبروك, نحن مجتمعون في مجلس النقابة, وقد اخترناك بالإجماع لتحصل علي الجائزة, ولا أخفيك شعرت بسعادة كبيرة ورأيت صورتي منشورة في معظم الجرائد, وعند تسليم الجوائز وجدت غيري يتسلم الجائزة!!.. كان الموقف محرجا الي حد البكاء أنا لست أفكر في أي جائزة كل ما أتمناه أن أموت وأنا أجري بروفة مسرحية جديدة علي خشبة المسرح, أعرف أن الكثيرين يقدرون عطائي, ويكفي أن وزير الثقافة السابق الخلوق د. عماد أبو غازي عندما علم بطلب مقابلتي له خرج من مكتبه ليستقبلني بترحاب ويدعوني الي الدخول معه الي المكتب. مشاكل المسرح المصري أهمها في رأيي عدم تقدير شباب الكتاب المبدعين ماديا وأدبيا, كيف نقلب الآية ونجعل المؤلف صاحب العمل هو الأقل أجرا بين جميع المشتغلين في مسرحيته؟! إننا نجبر هؤلاء الكتاب علي هجر المسرح الي السينما والتليفزيون حيث الكتابة أسهل والأجر أفضل. والمشكلة الثانية هي المبالغة في تدليل النجوم, في الماضي كان العرض المسرحي هو النجم وليس اسم البطل الأول, كان الجمهور يقول أنا ذاهب لسيدتي الجميلة برغم أن النجوم وقتها كانوا بحجم وقيمة فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وغيرهما. المشكلة الأخيرة الشخص الذي يجلس علي الكرسي.. عندما ينسي رسالته ودوره ويعمل لهواه, أواه منك ياانسان يامصري.. أواه منك عندما ترضي من تحب وأن كان رخيصا, وتؤذي من يفيد هذا الوطن لمجرد انه لا يستهويك, ولا تشعر ناحيته باستلطاف!!