من المعلوم أن الماء لاسيما العذب منه من أهم مقومات الحياة, ولذا نري كتاب الله تبارك وتعالي يقول مبينا أهمية الماء وعظيم نعمته فيها:( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع يخلق الله ما يشاء إن الله علي كل شيء قدير) ويقول تبارك وتعالي:( ألم نخلقكم من ماء مهين)( فلينظر الإنسان مم خلق. خلق من ماء دافق), وغير ذلك من الآيات كثير مما يذكر الإنسان بأهمية الماء فمنه خلقت الكائنات ومنها الإنسان نفسه, وبه بقاؤها واستمرارها, ولذا يوصي الإسلام بالمحافظة عليه, وينهي عن الإسراف في استخدامه فيقول الله عز وجل:( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين), والإسراف فيه ممنوع ولو كان في العبادة كما في الوضوء أو الغسل أو تطهير الثياب المتنجسة.. وغير ذلك وها هو رسولنا, صلي الله عليه وسلم, ينكر علي سيدنا سعد حين رآه يتوضأ فيستخدم من الماء ما يزيد علي ما تحصل به الكفاية, ويعد ذلك من الإسراف: حيث قال له( ما هذا السرف يا سعد؟) فقال: أفي الوضوء سرف؟ قال( نعم وإن كنت علي نهر جار). وهذا التوجيه الحكيم يأتي في وقت لم تكن مشكلة الماء قد استفحلت كما هو الحال والشأن في عصرنا والعصور المقبلة, حتي أصبح يقال إن الحروب المقبلة ستكون من أجل السيطرة علي مصادر الماء, وهذا ليس ببعيد فكثير من النزاعات القائمة الآن ليست ببعيدة عنها, فهو جزء من النزاع العربي الإسرائيلي, وحتي بين بعض الدول العربية والإسلامية. ولذا عد العلماء الزيادة في غسل أعضاء الوضوء ثلاث مرات من الإسراف, وكذا من الإسراف حتي في حال الاقتصار عليها الزيادة في الكمية المستخدمة عما تحصل به الكفاية, ولا يرتبط ذلك بندرة المياه في المكان أو وفرته, لأن نظرة الإسلام شمولية لا ترتبط بالمكان أو الزمان, فإن كان الماء وفيرا في بعض الأماكن, فهو نادر في كثير منها, كما لا يرتبط ببذل المال, بل يعد من الإسراف ترك صنابير المياه بغير إحكام في إغلاقها وإن كان التارك يدفع تكلفة ذلك, ومن الإسراف في استخدام الماء ترك( حنفيات) المرافق العامة كالمساجد والمستشفيات والمدارس وغيرها, لما فيه من إهدار للماء والمال العام, ناهيك عن الاعتداء علي المياه بالتلويث لها, وإلقاء النفايات والحيوانات النافقة في مياه النيل, وصرف المصانع, وبعض المنشآت السياحية لمخلفاتها في المياه العذبة التي يشرب الناس منها, وهو عمل غاية في الإجرام والسقوط... فقد حرم الإسلام التبول في الماء, لما فيه من إفساد الماء علي مستخدميه فعن النبي صلي الله عليه وسلم, أنه قال:( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه), فالبول وهو نجس بطبيعته ضار بصحة الآدمي إذا اختلط بالماء لا سميا الراكد غير المتحرك, يساعد علي انتشار الجراثيم لتلوث جميع الماء, وهذا يساعد علي انتشار الأمراض, والإسلام ينفي إضرار الإنسان بنفسه أو غيره, ومن قواعده المتفق عليها قوله الا ضرر ولا ضرار, وإذا كان الماء أصل الحياة, وكان بقاؤها رهنا بوجوده صالحا, فيمكن أن يكون وسيلة إفناء وفي ذلك آيات كثرة منها ما جاء في إغراق قوم نوح:( وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادي نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلي جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت علي الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين). وفي إغراق فرعون ومن معه يقول الله تعالي:( فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم. وأزلفنا ثم الآخرين. وأنجينا موسي ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين), ويقول:( فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا). ونعوذ بالله من انقلاب نعمة الماء نقمة علينا.