غامض, غريب الاطوار, ولا يكشف أبدا عما يدور في ذهنه.. هكذا وصفت الصحافة الفرنسية شخصية عبد الحكيم دخار الرجل الذي أشاع الرعب في نفوس الفرنسيين في الآونة الأخيرة وكان وراء ثلاث عمليات إطلاق نار. ألقي القبض علي دخار مؤخرا بعد عملية مطاردة بوليسية استمرت بضعة أيام انتهت أخيرا في مرأب للسيارات ببلدية بوا دو كلومب بالضاحية الباريسية بعد إبلاغ الشخص الذي كان يأويه رجال الأمن, ليضع توقيفه حدا لمطاردة شاركت فيها قوات الشرطة التي جندت نحو40 من أفرادها قبل أن تهاجم موقع وجود المشتبه فيه لتجده شبه مغمي عليه داخل سيارته بعد أن تناول جرعات زائدة من الدواء بغرض الانتحار وفق رواية المحققين. ستسمعون عني مجددا.. أخر جملة قالها الفرنسي من أصل جزائري عبد الحكيم دخار مهددا بسلاحه أحد رؤساء تحرير محطة بي إف إم التليفزيونية والتي اقتحمها بعد حوالي90 دقيقة من مهاجمته مقر صحيفة ليبراسيون الفرنسية وأطلق النار من بندقية صيد في بهو المقر, مما أدي إلي إصابة مساعد مصور بجروح بالغة في البطن والصدر ولاذ بالفرار, ليفتح بعدها النار أمام مقر إحدي البنوك الشهيرة في حي لا ديفونس دون أن يصيب أحدا. مهاجم ليبراسيون يساري أصولي مهووس بأحوال العرب, فقد ندد في رسائل كانت بحوزته بمساوئ الرأسمالية وبتلاعب وسائل الإعلام بالرأي العام وبالأوضاع في ليبيا وسوريا والعالم العربي, فهو كما تقول عنه الصحافة مهووس بفكرة وجود مؤامرة فاشية وهو الأمر الذي دفعه إلي تنفيذ العمليات الثلاث. اسم عبد الحكيم دخار ليس غريبا علي الشرطة الفرنسية, فإذا بحثت في الملفات الإجرامية بفرنسا ستجد أنه سبق وأن سجن لأربع سنوات عام1994 بعد إدانته بتهمة الانتماء والمشاركة بشكل غير مباشر في عصابة شريرة في القضية التي عرفت إعلاميا بإسم راي- موبان, وكان بطلاها الرئيسيان شابة تلقب فلورانس راي(19 عاما), كانت تدرس آنذاك الطب وشاب آخر يدعي أدري موبان(23 عاما) كان طالبا في علم الفلسفة, أما العقل المدبر فكان دخار, وبعد فشل الأصدقاء الثلاثة في محاولة السطو علي مستودع للسيارات بمنطقة بونتان شمال باريس ومطاردة رجال الأمن, تخلي دخار عن رفيقيه ليتركهما لعملية مطاردة بوليسية بشوارع باريس انتهت بمقتل خمسة أشخاص بينهم ثلاثة رجال شرطة وموبان. ورغم نفي عبد الحكيم دخار المشاركة في العملية عند إلقاء القبض عليه, لكن راي أكدت أنه كان الرأس المدبر لها وهو الذي اشتري السلاح الذي استعمل في العملية وفي قتل رجال الشرطة, كما وصفه شهود تليت افاداتهم خلال المحاكمة بأنه كان صديقا للزوجين موبان- راي واتهموه بأنه استفاد من صغر سنهما وحماستهما لتجنيدهما. دخار(48 عاما) يعرف بتأثره بالأوساط اليسارية الفرنسية المتطرفة وبتكتمه وعدم ثقته في الآخرين, فبشعره القصير ونظارتيه الشبيهتين بنظارتي مالكوم اكس الداعية الإسلامي والمدافع عن حقوق السود, وبإسمه المستعار تومي, كان في بداية التسعينات معتادا علي ارتياد المنازل التي يؤمها اليسار المتطرف وغالبا تحت الرقابة المشددة للشرطة. خلال محاكمته عام1994 حاول إقناع المحكمة بأنه كان يعمل لمصلحة المخابرات الفرنسية والجزائرية التي طلبت منه مراقبة الأوساط الإسلامية المتطرفة في الضواحي الفرنسية في التسعينات لكنه لم يفلح في ذلك. دخار حسب قول محاميه يعاني مشاكل في الاندماج في المجتمع الفرنسي ومن التهميش الاجتماعي, وكان يردد دائما أنه كان يتلقي أوامر من عمه الذي كان مسؤولا كبيرا في المخابرات الجزائرية. بعد خروجه من السجن عام1998 سافر إلي الخارج وابتعد عن الأنظار ليعود إلي الواجهة إثر الهجوم الذي نفذه مؤخرا, وقد سئل مانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي عن السبب الذي جعل أجهزة الأمن الفرنسية غير قادرة علي تحديد هوية دخار في الأيام الأخيرة قبل القبض عليه لاسيما وأنها أكدت مرارا عديدة انطلاقا من تحليل عينات من الحمض النووي في الأماكن التي اقترف فيها جرائمه أن مقترف هذه الجرائم هو الشخص نفسه, فرد الوزير قائلا: إن سجل الحمض النووي الوطني في فرنسا قد وضع بعد عام1998 أي بعد اختفاء دخار عن الأنظار. صحيح أن إلقاء القبض علي دخار الذي وجهت له النيابة العامة تهما أولية منها محاولات اغتيال واختطاف أنهي مسلسل الرعب الذي عاشته فرنسا علي مدار أيام ولكنه فتح فصلا أخر من فصول الإرهاب, حيث يبحث محققون جزائريون في اتصالات هاتفية أجراها دخار مع أرقام هاتفية في الجزائر, كما أن الشرطة الفرنسية طلبت تعاون الجزائريين في موضوع الاتصالات الهاتفية والتواصل بين المتهم وأشخاص في داخل الجزائر غير القريبين منه أسريا في الفترة التي سبقت اعتقاله وذلك عن طريق بريد إلكتروني استعمله المتهم وعثر عليه المحققون الفرنسيون, وهو ما يفتح الباب أمام شبهات المحققين في احتمال ارتباط المتهم بشبكات إجرامية أو إرهابية.