تلقيت دعوة الأسبوع الماضي لمشاهدة فيلم' أسرار عائلية' الممنوع من العرض وذلك في صحبة مخرجه هاني فوزي ومؤلفه محمد عبدالقادر, وعدد قليل للغاية من النقاد والصحفيين, للوقوف علي أسباب رفض الرقابة علي المصنفات الفنية منحه تصريحا بالعرض العام.. ولا أنكر أنني ذهبت وفي ذهني الضجة المثارة عن موضوع الفيلم وأنه فيلم يروج للشذوذ الجسني, وأن ذلك ضد عادات وتقاليد المجتمع المصري, وأن هناك تهديدات من مجموعة ألتراس وزارة الثقافة ضد الفيلم وصناعه. وبالفعل ما إن وصلت حتي وجدت الجميع في الانتظار لنبدأ عملية المشاهدة وبمجرد ظهور التيتر وجدت عبارة' السيناريو مأخوذ عن قصة حقيقية' فالفيلم يناقش قصة شاب اسمه' مروان' يبلغ من العمر17 عاما وهو أصغر أبناء أسرة مكونة من أب مقيم في الولاياتالمتحدة منذ أكثر من20 عاما وأم تهتم بنفسها أكثر مما تفهم في تربية الأولاد والأخ الأكبر متخرج في كلية الحقوق لكنه عاطل ويبحث عن عمل أما الأخت الوحيدة فهي رمانة الميزان في الأسرة والمصلح الاجتماعي بين أفرادها, لكن المشكلة الأساسية تكمن في' مروان' الذي يدرس في المرحلة الثانوية ويشعر بعدم ميل ناحية زميلاته البنات في مقابل شعور طاغ بالميل نحو العنصر الرجالي, فحتي الآن لا يوجد مشهد واحد يخدش الحياء فالأمر عبارة عن مجرد صراع داخل الشاب صاحب الشخصية المركبة الذي يركز المخرج عليها. ثم يذهب بنا السيناريو إلي النقطة التالية, وهي كيفية اكتشاف الأسرة لهذه المشكلة, والتي جاءت عن طريق خوف مروان من إجراء عملية جراحية في المعدة والرعب من الحديث أثناء إفاقته من البينج فيعترف لأخته بالحقيقة والتي تخبر الأم فترفض تصديق ذلك, لكن الأخت تصر علي أن هذه حقيقة يجب التعامل معها, وبالفعل يتم عرض الشاب علي طبيب نفسي والذي يحوله لأحد المراكز المتخصصة, هنا يكشف السيناريو حقيقة مشكلة العلاج فالدكتورة المعالجة تستحي من الحديث مع المريض وتصب اهتمامها علي البحث العلمي الذي تريد الإنتهاء منه بصرف النظر عن حالة المريض الذي تعالجه يتصادف مع ذلك سخرية المدرس والطلبة في المدرسة منه, مما يجعل الشاب عدوانيا ويشعر بسعادة عندما يجعل هذا المدرس يتذلل له ويتسول ثمن الدرس الخصوصي الذي جاء من أجله, وتظل رحلة البحث عن طبيب آخر يستطيع تفهم حالته مسألة صعبة يتخللها نجاح مروان في الثانوية العامة ودخوله كلية العلوم, وتعارفه علي أحد الأساتذة الذي يجد ميلا جنسيا له, وكان المخرج بارعا في عرض الصراع النفسي الذي يضرب بداخل مروان, ومحاولة البعد عن الواقعة في لقطات بعيدة عن الفجاجة إلي أن يشاهد الشاب برنامجا تليفزيونيا لطبيب يعالج مثل هذه الحالات فيذهب إليه, هنا يكشف الفيلم عن بعده التام عن نوعية' البورنو' والإباحية, عندما يبدأ التشخيص الحقيقي والسليم لحالة مريض نفسي نشأ في ظروف غير طبيعية وسط عائلة مفككة نسبيا, فمروان لم يشاهد والده ولم يجلس معه سوي دقائق معدودات طوال عمره لأنه يفتقد لشخصية الأب الذي يعتبر أن إرسال الأموال لأبنائه يكفي فهم يعيشون في مستوي مادي أفضل من غيرهم, فماذا يريدون أكثر من ذلك؟, متناسيا دوره ك أب عليه مسئولية مهمة في تربية الأولاد أكثر من دوره كالبقرة الحلوب فقط لا غير, ويلقي بالمسئولية علي الأم التي تفتقد وجوده أيضا فتظهر عصبيتها وغيرتها حتي من أبنائها, وتعامل مروان أثناء طفولته علي أنه بنت لأن تربية البنات أسهل بكثير وفي نفس الوقت يتعرض الطفل رغما عنه للاعتداء عليه أثناء صغره. ومن هنا يضع الطبيب يده علي أصل الداء, فيصارح المريض بأن الحل في يده أي' مروان' إن أراد أن يعيش كما هو فليفعل ذلك, أما لو أراد العلاج حتي يعود للحالة الطبيعية فعليه أن يبدأ رحلة العلاج متسلحا بإرادة قوية مهما قابله من صعوبات, لأن هناك ضوءا ساطعا في نهاية النفق سوف يصل إليه لا محالة وهو ما تم بالفعل وعاد طبيعيا بعد أن استطاع أن يواجه نفسه أولا ثم يواجه المجتمع الذي كان يلفظه في السابق, وذلك بمساعدة الطبيب ووجود الدفء الأسري متمثلا في الأب الذي كان يفتقده في السابق. علي المستوي البصري استطاع هاني فوزي أن يقدم أول تجاربه الإخراجية بشكل جيد, رغم استخدامه أسلوب' الراوي' طوال الفيلم وكأنه يعبر عن مشكلة مكبوته تريد أن تخرج لكنها تصطدم بحاجز كبير بينها وبين المجتمع, واستطاع بمساعدة المؤلف الإمساك بالخط الرئيسي وهو تشخيص المشكلة علي أنها مرض وليس نشرا لثقافة مستوردة من الخارج, وكان بارعا في مشهد المواجهة بين الإبن والأب سواء عن طريق النظرات أو حتي الجمل الحوارية الصعبة رغم طول المشهد الذي أخذت الأسلوب المسرحي, بالإضافة لأنه لم يستخدم المشاهد الفجة باستثناء لقطة واحدة كانت تذاع عبر الإنترنت من الممكن أن تحذف بسهولة, بالإضافة لاعتماده علي وجوه جديدة بعيدا عن الأسماء الرنانة, وجاءت الإضاءة معبرة عن اللحظة التي يتحدث فيها البطل سواء مع نفسه أم مع شخص آخر, ولعب الظل والنور دورا إيجابيا في تحقيق ذلك, ساعدته موسيقي راجح داود التي أضافت للمشهد بعدا إنسانيا بنعومة شديدة. في المقابل يؤخذ علي المخرج مشكلة التجربة الأولي المتمثلة في وجود إطالة في الجمل الحوارية التي كانت تؤكد المعني الذي وصل من البداية, بالإضافة إلي أن الجزء الأخير من الفيلم كان من الممكن أن ينتهي نهاية نموذجية بالمواجهة بين الأخوين, بعيدا عن تأكيد المشاكل الموجودة عند باقي الأسرة وأن جميع أفرادها لديهم عيوب, وقدم الفنان الشاب' محمد مهران' دور مروان ببراعة شديدة استطاع الإمساك بخيوط الشخصية وتطوراتها بشكل ممتاز, وجرأته غير العادية تذكرني بجرأة الفنان العالمي' شون بن' في فيلم'Milk' الذي لعب شخصية شبيهه بذلك, وكان التحدي الأكبر بالنسبه له أن الكاميرا دائما معه في كل مشاهد الفيلم, وأعتقد أنه سيكون له شأن كبير في المستقبل القريب. نعود لمشكلة الفيلم فقد أخذت أكبر من حجمها بكثير, فمستوي الفيلم فنيا يعتبر متوسطا, ويزيد درجة لو وضعنا في الاعتبار أنها التجربة الأولي للمخرج, لكن المشكلة الوحيدة هي الفكرة التي يدور حولها الفيلم وهي المسكوت عنه دائما, فهي عبارة سهلة علي ألسنة الناس وتعني حتمية الابتعاد عن بعض المشكلات الموجودة في المجتمع, خاصة ما يتعلق بالتابوهات الثلاثة' الدين والجنس والسياسة'. بالتأكيد هناك درجات مختلفة مسموح بها في الإقتراب من هذه التابوهات, أما مناقشة المسألة بهذا العمق فهو من المحرمات, لكن علينا أن نعرف أن المخرج اختار مناقشة الموضوع من زاوية أنه حالة مرضية موجودة من الممكن أن يتم علاجها, وأن مفهوم الحرية ليس معناه الابتذال- كما يحب أن يصوره البعض- إنما تعني حرية الفكر في مناقشة بعض المشاكل الموجودة في المجتمع, والوقوف علي أسباب حدوثها وكيفية التعامل معها للوصول للعلاج الأمثل لهذه المشكلة. ومن جانبه يري المخرج أحمد عواض بأن هذه الضجة لا أساس لها, فالمشكلة بدأت عندما جاء المخرج لعرض الفيلم في نسخة عمل فأبدت الرقابة13 ملاحظة, وأنا هنا دقيق في اختيار الكلمات حيث أنها ملاحظات وليست مشاهد حتي يكون القاريء في الصورة, وطلبنا من المخرج تخفيف حدة بعض المشاهد التي تظهر بفجاجة علي الشاشة, فمثلا هناك مشهد لبطل الفيلم يبصق في كأس الليمون ثلاث مرات قبل أن يقدمه للمدرس فطلبنا أن تكون مرة واحدة وليست ثلاثة فالمعني وصل فلماذا نضع الجمهور في حالة اشمئزاز ويمكن القياس علي ذلك لبعض المشاهد الأخري. لكن فوجئت بحملة ضارية بأني ضد حرية الإبداع رغم أني في الأساس مخرج ومؤمن بحرية الإبداع, وكانت لي شخصيا مشاكل مع الرقابة في السابق, وأعرف تماما أن إخراج أي فيلم يجعل مخرجة يعيش في القصة ويخشي أن يحذف منه مشهدا واحدا, لكني هنا أعمل لصالح الفن ولست ضد أحد ولا حتي محسوب علي أي جماعة, لدرجة أن بعض شباب السينمائيين اتصلوا بي وقالوا أن' ألتراس وزارة الثقافة' أعلنوا علي مواقع التواصل الاجتماعي تضامنهم معك, فقلت أولا أنا لا أعرف الألتراس بل أرفض وجود ألتراس للوزارة لأن ذلك يعتبر موجها ضد المبدعين, ومن هنا أرفض المزايدة وأقول أن مشكلة الرقابة مع الفيلم هي عبارة عن بعض الملاحظات ليس أكثر وإن تم تخفيف هذه الملاحظات فالتصريح جاهز أما لو لم تتم فسأنزل علي رغبة المخرج وأرسل الفيلم للجنة التظلمات كما يريد مخرجه وتكون هي الحكم.