بعد ثلاثين عاما, أصبحت النساء يشكلن الآن نسبة50% من خريجي الجامعات في الولاياتالمتحدة, ولكن الرجال ما زالوا يتولون معظم المناصب القيادية في الحكومة ومجالات العمل المختلفة ويعلنون سيطرتهم في كل مكان آخر. وبرغم الآمال في أن تكون المرأة من أكبر المستفيدين من الربيع العربي إلا أنها كانت من أكبر الخاسرين بعد اندلاع الصراعات وانعدام الاستقرار وموجات النزوح وظهور جماعات إسلامية متشددة في أجزاء كثيرة بالمنطقة. والمرأة في مصر كانت الفائز الأكبر حيث كشفت أحدث دراسة دولية صدرت قبل أيام أن مصر أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة... ورغم الشكوي المرة في الحالتين ورغم اختلاف الأوضاع من عدة أوجه, لكن صوت المرأة لا يزال غير مسموع وليست علي قدم المساواة مع الرجل في اتخاذ القرارات التي تؤثر في معظم حياتنا. ومن هنا جاءت شيريل ساندبرج المدير التنفيذي للفيس بوك وواحدة من أقوي مائة امرأة في العالم, علي قائمة مجلة التايم الأمريكية, بكتابها الجديد الذي يعد واحدا من أفضل الكتب مبيعا في الولاياتالمتحدة خلال الأشهر الستة الأخيرة. وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان مارسي ضغوطك: المرأة, العمل, والقدرة علي القيادة تبحث شيريل سبب عدم تقدم المرأة, وتوضح الأسباب الجذرية لذلك, والحلول المنطقية والعملية التي قد تمكن المرأة من تحقيق كامل إمكاناتها, عسي أن تكون إرشاداتها مخرجا لكل امرأة في العالم. والسيطرة الذكورية علي النساء, والخوف من الانتهاك الجسدي للمرأة, أمور موجودة في كل المجتمعات بشكل أو بآخر لكنها للأسف ليست منتشرة في العالم الغربي مثلما نراها الآن في العالم العربي, وذلك وفقا لدراسة صادمة أعدتها مؤسسة طومسون رويترز بالتعاون مع336 خبيرا والمؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان حول الدول العربية. وأظهرت الدراسة أن مصر هي الأسوأ في مجال حقوق المرأة حيث ارتفعت بشكل مخيف حالات العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي والختان وانحسار الحريات منذ بدء الربيع العربي عام.2011 وأظهرت أيضا الدراسة, نقلا عن الأممالمتحدة, أن القوانين التي تميز بين الجنسين وزيادة معدلات الاتجار بالنساء ساهمت أيضا في إنزال مصر إلي قاع القائمة حيث ثبت تعرض99% من السيدات والفتيات للتحرش الجنسي, والذي أصبح من معالم الحياة اليومية للنساء, وخضوع ما يزيد علي27 مليون سيدة وفتاة أي91% من المصريات للختان وتلم60% فقط بمبادئ القراءة والكتابة. وأصبحت النساء بحاجة إلي ثورة مزدوجة; ثورة علي المستبدين الذين حكموا بلادنا, وأخري علي المزيج السام المكون من الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يدمر حياتنا. وفي المرتبة الثانية كأسوأ بلد عربي يمكن أن تعيش به المرأة تجيء العراق تليها السعودية ثم سوريا ثم اليمن, أما في صدارة أفضل الدول فتبرز جزر القمر حيث تشغل المرأة20% من المناصب الوزارية وتحتفظ الزوجة عادة بالأرض أو المنزل في حالة الطلاق. وفي عام2010 قدمت شيريل ساندبرج عرضا مذهلا وصفت فيه كيف يمكن للمرأة أن تتقهقر للوراء في مجالات متعددة وبنفسها ومن صنع أيديها دون قصد. وتحول عرضها هذا إلي ظاهرة كبري تابعها أكثر من مليوني شخص علي الإنترنت وشجع المرأة علي الجلوس علي الطاولة سعيا وراء التحديات, واتخاذ المخاطر, وتحقيق أهدافهن. وفي كتابها نراها تغوص في عمق هذه القضايا, وتجمع روايات شخصية, ومعلومات موثقة, وبحوثا عديدة لكشف الغموض المحيط بحياة واختيارات المرأة في حياتها اليومية والمهنية وسبب تدهور حالها بحيث تصبح عرضة للإهانة والاستهانة بقدراتها ومن ثم إذلالها وتهديدها بجنسها كأنه عار يلاحقها وليس تكريما من الخالق لها. ومن وأد النساء في الجاهلية إلي وأدهن بطرق مختلفة في عصورنا الحديثة في الغرب والشرق علي حد سواء. ولذلك بدأت شيريل في التحدث عن قراراتها الخاصة والأخطاء التي وقعت بها, والصراعات اليومية لاتخاذ الخيارات الصحيحة لنفسها, ولمهنتها, ولعائلتها. وفي ذلك قدمت نصائح عملية حول أساليب التفاوض, والإرشاد, و بناء حياة مهنية مرضية, كما تحث النساء علي وضع حدود لخطواتهن و التخلي عن أسطورة يجب الحصول علي كل شيء وإلا فلا. وما تعنيه هنا أن هناك خطوات محددة يمكن أن تتخذها المرأة للجمع بين الإنجازات المهنية مع تحقيق الذات إضافة إلي كيفية الاستفادة من دعم الرجال في العمل والمنزل بدلا من الانسياق وراء الشعور الزائف بذكورة العقل بالرغم من أنه قسمة عادلة منحها الخالق للبشر كافة لا فرق فيها بين رجل وامرأة. ومع تميزها بخفة الظل والحكمة وضعت شيريل كتابا ملهما ومحفزا علي العمل والتقدم. إن هذا الكتاب قادر ببساطة علي تغيير ما هو متعارف عليه حول المرأة عما لا تستطيع فعله إلي ما هي قادرة علي عمله وبكفاءة متناهية. وتري شيريل أن المرأة أحيانا تخشي من قوتها الخاصة بها, وتقول ان اكبر مخاوفنا هو أننا أروع مما نتصور. ولذلك فإن رسالة شيريل مختلفة وهي أننا نعوق أنفسنا بأنفسنا بسبب مجموعة من العوامل: التوقعات الاجتماعية عدم وجود ثقة بالنفس والتربية منذ الصغر علي تنفيذ المطالب والتبعية للمجتمع الضيق المحيط بنا. ولذلك فهي توجه رسالة قاسية مفادها انه إذا استمرت المرأة علي اتباع هذا النهج رغم كل التقدم الذي قد يكون متاحا في بلادها فإنه خلال15 عاما من الآن فإن ما يقرب من ثلث النساء ستظل تعمل كما العبيد لفترة دوام كامل قد تكون أكثر من زميلها الذي قد يصبح رئيسها في العمل بعد فترة قصيرة دون أن تدري. وفي نفس الوقت, ولأنها مدركة لحجم الانتقادات التي ستواجهها, فقد أكدت أن كل منافسيها إنما يخشون من التغيير وأنها لا توجه كل اللوم لضحاياها إنما بكل بساطة تري أن تحسن الوضع لا يحتاج إلي تميز علمي وفكري وثقافي بل إلي قدرة علي التفاوض والمناورة! ومن واقع تجربتها الشخصية تؤكد أن المرأة إذا حققت تقدما فعليها أن تظل متكتمة بشأنه بشكل أو بآخر لبعض الوقت لأنها في كلتا الحالتين ستوصف بأنها متباهية أو يتم تجاهلها عمدا. وتتذكر في ذلك أنها حصلت علي منحة من مؤسسة فورد لتفوقها الدراسي في العام الأول من دراستها الجامعية ولم تعلن ذلك لأحد. وتشرح أنها أدركت بالفطرة أن انتشار خبر تفوقها الدراسي سيجلب عليها المتاعب, فمن ناحية سيستغل زملاؤها تفوقها للجوء إليها في كل وقت وإزاحة العبء عن أنفسهم الأمر الذي سيصعب حياتها الخاصة. والمذهل في الأمر أنها تزوجت في سن صغيرة نسبيا, في الرابعة والعشرين من عمرها, تبعا لنصيحة والديها بأن المرأة يجب أن تتزوج في سن مبكرة من رجل مناسب قبل أن ينفذوا جميعا من الأسواق. وبمعني آخر فإن البيئة التي تربت فيها المرأة ليست السبب في تقدمها أو تأخرها. وإذا عاشت سيدة مثل شيريل في بيئة محافظة لم يمنعها ذلك من التقدم فكريا والخروج من الإطار وتولي منصب قيادي ليس فقط في واحدة من أهم المؤسسات الدولية بل من أكثر الأفكار العملية والمبتكرة التي تجمع الملايين من كل أنحاء العالم حول أهم شبكة تواصل اجتماعي يوميا. ولكن هذا هو بالضبط الهدف من الكتاب: فهو لا يقدم دعوة جديدة للثورة النسائية, بل يؤكد أن هذه الثورة قد توقفت ولذا يمكن اتباع أسلوب آخر كذلك الذي اتبعته شيريل. وينطوي هذا الأسلوب علي الكثير من المرونة والكثير من الابتسام. وتحتاج المرأة إلي الجمع بين اللطف والإصرار. واتباع هذا النهج من شأنه تحقيق بعض الأفكار الرائعة في سوق العمل أيضا حيث يكون لدي الكثير من الشركات الكبري حجم عمل أكبر من حجم القوي العاملة, في مقابل شركات أخري تتقدم ببطء بسبب كثرة التناحر علي المناصب مقارنة بالاهتمام بمحتوي العمل الممل وغير المفيد. ولذا فإنها مؤمنة بنصيحة سمعتها من إحدي الخبيرات والتي تؤكد حقنا في التعبير عن مشاعرنا بالحزن والغضب تجاه الانتقادات والمعوقات, لكن علي ألا تعوقنا عن الاستمرار والتقدم. وتعتبر في ذلك الأطفال هم قدوتها! فالطفل يبكي دقيقة ثم علي الفور يواصل لعبه. إذن, هذا ليس كتابا حول كيف يمكن للمرأة أن تتمتع بمساواة أكبر: لكنه كتاب يعلمنا كيف يمكن للمرأة أن تصبح متفوقة مثل شيريل ساندبرج وكيف تكون قادرة علي اتخاذ قرار بشكل سريع نسبيا حول مدي واقعية هذا الهدف بالنسبة لك. وإذا تمكنت امرأة من الوقوف أمام المعوقات اليومية فبإمكانها إزاحة قضايا أكثر خطورة مما سيدفع المجتمع إلي الاعتراف بوجودها وقيمتها.. وتضيق هذه السطور عن سرد عدد النساء اللاتي كانت لهن بصمة مؤثرة في كافة مجالات الحياة.. وكن يجمعن بين ذكاء العقل وجمال الوجه والحنكة السياسية.. ولعل مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة إبان رئاستها للوزارة وفي محاولاتها لإقناع الرئيس الامريكي الأسبق ريجان بمساعدتها في حربها ضد الارجنتين لاستعادة جزر فوكلاند الارجنتينية تعطي نموذجا لاقتدار المرأة في عالم السياسة الذي وصلت فيه إلي منصب وزيرة الدفاع مستعينة بأسلحتها الخاصة من الكفاءة والتميز والصفات التي حباها الله بها وعلي رأسها قدرتها علي التضحية في سبيل المصلحة العامة لأنها اعتادت أن تفعل ذلك في حياتها الخاصة.