لم يعد اختلاط الحابل بالنابل في ساحة الفتوي علي شاشات الفضائيات وقفا علي أمور العبادات والمعاملات, وانتشرت فتاوي حول حكم الشهادة في سبيل الله, وأحكام الشهداء وأنواعهم. فأعطي بعض المنتسبين إلي أهل العلم وساحة الفتوي والدخلاء, علي السواء, لقب شهيد لمن يريدون ومنعوه عمن يريدون, وتجاوز كثير من المنتسبين إلي العمل الدعوي الخطوط الحمراء لمكانة الكلمة, وأثاروا بفتاواهم الغريبة المزيد من البلبلة بين عامة الناس دون مراعاة لمصلحة الوطن. وجاء بيان مشيخة الأزهر الشريف, الذي عبر فيه عن قلقه الشديد من انتشار فتاوي الشهداء في وسائل الإعلام ليطرح المزيد من التساؤلات حول معني الشهادة في سبيل الله, ومن صاحب الحق في وصف أي من ضحايا المشهد السياسي بالشهداء. وفي ظل تضارب الفتاوي حول ضحايا الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد, أكد علماء الأزهر أن استهداف الرموز الأمنية أو المنشآت العسكرية يعد خيانة لله وللوطن تستحق أقصي عقوبة, وتستوجب تطبيق حد الحرابة علي المجرمين دون هوادة, وان الاعتداء علي جنود مصر الأوفياء الذين حملوا أرواحهم علي أكفهم من أجل الحفاظ علي حرمة مصر وأرواح شعبها وكرامتهم, ينم عن خسة وجبن من تبنوه وقاموا به, وأن الدين والوطن منهم براء. وطالبوا جند مصر الأوفياء بالاستمرار في آداء واجبهم في الحفاظ علي أمن مصر القومي بأبعاده الداخلية والخارجية ضد كل معتد آثم. يقول الدكتور سعيد عامر, أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر, إن الشهادة في الإسلام لها أنواع ثلاثة, الأول شهيد الدنيا والآخرة, وهذا الذي يموت بأيدي الأعداء في ساحة القتال, لا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه, ويدفن بثيابه ودمه, وهذه أعلي أنواع الشهادة, أما النوع الثاني فهو شهيد الدنيا, وهو الذي يموت في ساحة القتال بأيدي الأعداء ونيته في القتال, ليست خالصة لله, بل للسمعة والرياء, ويقال فيه:( جاهدت ليقال وقد قيل) وهذا ينطبق عليه حكم الشهيد في الدنيا, ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه, وليس له درجة الشهيد في الآخرة, ولا يعلم بحاله إلا علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفي, أما النوع الثالث فهو شهيد الآخرة وينطبق عليه حديث النبي, صلي الله عليه وسلم:( ما تعدون الشهداء فيكم ؟, قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد, قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل, قالوا: فمن يا رسول الله؟, قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد, ومن مات في سبيل الله فهو شهيد, ومن مات في الطاعون فهو شهيد, ومن مات في البطن فهو شهيد, والغريق شهيد) وروي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون دمه فهو شهيد, ومن قتل دون دينه فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو شهيد, وقد أعد الحق سبحانه لهؤلاء الشهداء منزلة سامية في الجنة, لا يصل إليها إلا من كان مثلهم, أو كان من النبيين أو الصديقين أو الصالحين من المؤمنين, يقول الحق سبحانه:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا), كما جعل الله سبحانه للواحد منهم أن يشفع في سبعين من أهل بيته, إلي غير ذلك مما أعده الله لهم يوم القيامة. ضحايا الأحداث الراهنة وأضاف: أن ما يحدث الآن, ربما يتعلق بالقسم الثالث, ويجب ألا نجزم بالشهادة لأحد, إنما نقول نحتسبه عند الله شهيدا,( من قتل دون نفسه أو ماله أو عرضه أو وطنه نحتسبه عند الله شهيدا) ومن هنا كان البيان الكافي الذي أصدره الأزهر الشريف بعدم التوسع والحكم بالشهادة, إنما كل حالة تقدر بحالها, وبواقعها, وفي النهاية نقول نحتسبه عند الله شهيدا, ويريد الأزهر بهذا البيان, الكلمات التي تجمع الصف لا تفرق وتجمع الشمل علي هدف واحد وغاية واحدة لنعيد القيم الأخلاقية, فيما بيننا حتي يسود الأمن والأمان ونبتعد عن الانفلات الأخلاقي والانفلات الأمني, وحقن الدماء, خاصة أننا أبناء وطن واحد وتجمعنا أخوة النسب وأخوة الدين وأخوة الوطن, ونريد أن نكون متآلفين متعاونين علي الخير لا علي الشر, لمصلحة البلاد والعباد. من جانبه أوضح الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, أن كلمة شهيد تناولتها كتابات وتصريحات وخطب وندوات ومناظرات سياسية وغيرها, وصارت وصفا, وسبوبة وارتزاقا في معترك ومشهد الأحداث. واستنكر صدور فتاوي تصف بعض المتظاهرين السلميين بالبغاة الواجب قتالهم قائلا: إن الاستدلال بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم:( سيخرج قوم آخر الزمان, حداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من قول خير البرية, لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة) فإن الحديث ينطبق علي( البغاة) بشروط البغي التي تعارف عليها الفقهاء, ولا يتعلق بالمشهد السياسي الحالي الدائر الحاصل, لأن ما يحدث عنف فكري لا يستوجب إراقة دماء لمتظاهرين سلميين وهم ليسوا بغاة ولا تهدر دماؤهم بحال. التعويضات المالية وأكد الدكتور أحمد كريمة, أن الشهيد الحق جزاؤه عند الله, لأنه لم يسع لأعراض أو أغراض الدنيا, وبعد شهادته لم تجعل له الشريعة الغراء عوضا ماليا لا في الغنائم ولا الفيء, ولا في بيت مال المسلمين, ولم يعهد في حياة سيدنا رسول الله, صلي الله عليه وسلم, وفي عهود خلفائه الراشدين, رضي الله عنهم, أن الشهيد تخصص له أي لورثته أو لأوليائه ماليات مطلقا, فالشهادة احتساب في مبدأ كل أمر ومنتهاه, ولا يتعلق بالشهيد الثأر له, فالمعارك المشروعة بدواعيها ومقتضياتها سجال من هجوم ودفاع من الجانبين, وليس في فقه الجهاد في الإسلام المطالبة من الطرف الآخر في عقود الهدنة أو الصلح وما أشبه مما هو معروف في السياسة الشرعية بالثأر لقتلي المسلمين. وأكد الدكتور أحمد كريمة, أن ما يحدث في قتال البغاة وهم الخارجون من المسلمين عن طاعة الحاكم الحق والممتنعون عن أداء الحق الواجب الذي يطلبه الحاكم, فقد ذكر الفقهاء أحكاما عديدة متنوعة أهمها, ان من قتل من أهل العدل كان شهيدا لأنه قتل في قتال مشروع, قال الله, عز وجل:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) سورة الحجرات:9, وأما من مات من البغاة, فهو من موتي المسلمين وتجري عليه أحكام موتي المسلمين.