جلس إلي جواري غارقا في إنهاكه. كان يحمل رأسه بصعوبة, ويجاهد أن تبقي عيناه مفتوحتين. سألته: ألا تنام؟, وكأنه كان ينتظر السؤال, فرد مسرعا بصوت خفيض: اللعنة علي الكابوس, الذي أصبحت علي موعد معه كل ليلة, يأتيني بعد نومي بقليل, فأصحو مذعورا, وفي أذني طنين من بقايا أصواتها القبيحة المفزعة, فأفتش عنها بعينين خائفتين, حول وتحت فراشي, ربما تكون مختبئة, فلا أجدها!. أنتبه إلي أنه كابوسي اليومي اللعين, فأحاول أن أعود إلي النوم مرة أخري, فأجده قد تسلل معها من النوافذ المغلقة, وأبقي يقظا حتي الصباح, في انتظار أن يأتي أحدهما!. سألني في استسلام تام: ماذا تفعل, وقد أصبح كابوسك المرعب يطاردك في كل أوقاتك, وفي كل أحوالك, حين تشاهد التليفزيون أو تقرأ الصحف, وعندما تسير في الشارع علي قدميك, أو تركب سيارتك بعد أن تغلق كل نوافذها, حتي في عملك يلازمك, فتقرر أن تتمترس في مكانك, خوفا من هجوم مباغت لها!. قلت له مشفقا: أنت حتي الآن لم تحدثني عن هذا الكابوس الثقيل, فنظر إلي بعينين زائغتين وقال هامسا: كل ليلة أجد نفسي وحيدا في مكان مظلم, محاصرا بحلقة من الكلاب الضخمة, التي تنبح بشدة, وتشتعل عيونها سعارا, وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئا, تخذلني قدماي فلا أستطيع الهروب, وتخونني شجاعتي علي المواجهة, فاستسلم لمصيري, عندما تضيق حولي الحلقة, لتبدأ حفلة النهش!. يصمت لحظة يزدرد فيها ريقه بصعوبة, ثم يتساءل: هل يمكن أن يكون السبب هو أنني عندي خوف فطري من الكلاب, خاصة كلاب الشوارع, وقد تضاعف هذا الخوف, بعد أن تكاثرت أعدادها بجنون, وأصبحت تحتل شوارع المدينة, وتتحرك في جماعات, تستعرض قدراتها في النباح والمطاردة والعقر!. ما كل هذه الكلاب, الكبيرة والصغيرة, القديمة والجديدة؟ من أين تأتي؟ ولماذا هي بكل هذا السعار وهذه الشراسة؟ وفيم تفكر؟ هل تنوي أن تحكم المدينة بعد أن احتلتها وبعد أن بثت الرعب في نفوس أهلها؟! طرح اسئلته دون أن ينتظر إجابة مني ثم أطرق برأسه, محدثا نفسه: يبدو أن الكابوس قد أصابني بضلالات فكرية, وأصبح يحتاج إلي مواجهة حقيقية, قبل أن أصاب بسعاره, الذي لا شفاء بعده أبدا! في الختام.. يقول المثل العربي: ألف كلب ينبح معك ولا كلب ينبح عليك. لمزيد من مقالات محمد حسين