يشير هذا العنوان إلي خلاصة نتائج المحادثات المرتبطة بسد النهضة, حيث نجحت إثيوبيا في استغلال حالة عدم الاتزان التي تمر بها الدولة المصرية علي مدي الثلاثة أعوام الماضية في فرض أمر واقع يتمثل في الانتهاء من بناء ما يقرب من نحو25% من السد, هذه النتيجة بدت أكثر وضوحا في جولة المحادثات الأخيرة التي جرت يوم4 نوفمبر الحالي. كما بدا واضحا الحرص الإثيوبي علي اكتساب المزيد من الوقت وتوسيع هامش المناورة, وهو ما يتجلي في رد الفعل السلبي تجاه القبول المصري بالدعوة الإثيوبية لجعل سد النهضة مشروعا تنمويا إقليميا, فالقبول المصري المشروط بدا أنه يفسد المنهاج التفاوضي الذي حرصت إثيوبيا وبعض دول الحوض علي إبرازه من خلال تصوير الموقف المصري بكونه متعنتا ولا يراعي الاحتياجات التنموية لدول الحوض. فالقبول المصري المشروط الذي يعد تنازلا كبيرا عن حقوق تاريخية, أربك الكثير من الحسابات الإثيوبية, ولكنه لم ينجح في تغيير قواعد اللعبة التفاوضية أو يدفعها نحو مسار يوفر المكاسب للجميع ويحد من مخاطر تهديد الأمن المائي. فقد جاء التحفظ الإثيوبي الداعي لتحميل مصر مسئولية عدم الشروع في تنفيذ خطط التعاون وتنفيذ توصيات اللجنة الدولية ليؤكد استمرار النهج الإثيوبي الساعي لتهميش دور مصر في معادلات التنمية والاستقرار في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي, والقبول بهذا الدور في المرحلة التالية لبناء السد نظرا لرغبتها في إضفاء سياسة الأمر الواقع علي مصر, وتأكيد قدراتها وهي رسالة تتجاوز في مضمونها مسألة بناء السد إلي نطاق أوسع يتعلق بطموحها الإقليمي وقيادتها للعديد من الملفات الشائكة في منطقة الحوض والقرن الإفريقي, لاسيما مع ما جاء في التقرير النهائي للجنة الدولية الخاصة بسد النهضة وتلمسه للعديد من النقاط التي تهدد الأمن المائي المصري, فهناك مسألة السعة المثلي للسد, وتأثيرات الملء الأول علي الإمدادات المائية لمصر وفواقد توليد الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالي وخاصة في فترة الجفاف, وقواعد التشغيل الخاصة بالسد وعلاقتها بالإيراد المائي للنهر والسدود القائمة عليه, بالإضافة إلي تأثير السدود المقترحة علي احتياجات دولة المصب, وكذا التأثيرات المتوقعة من التغييرات المناخية والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية, والتأثيرات المتعلقة بانهيار السد. فالمناورات الإثيوبية وتأجيل المحادثات لجولة أخري تعقد يوم8 ديسمبر المقبل, تتطلب العمل علي تقديم مجموعة من الرسائل الداعمة للموقف المصري, وتتطلب أيضا تحركا دبلوماسيا وسياسيا يهدف إلي تغيير بيئة التفاوض التي تعد مدخلا لا مفر منه للضغط علي المفاوض الإثيوبي واستعادة زمام المبادرة. الرسالة الأولي: ترتبط بالقدرة علي حشد الموارد والقدرات الخاصة بالدولة المصرية, وتوظيفها باتجاه يعظم من تأثير السياسة الخارجية رغم صعوبات المرحلة الراهنة وقيودها, وهنا يمكن تأكيد مجموعة من التحركات السياسية ذات الدلالة, منها: تأكيد تجاوز النهج الايديولوجي الذي حكم التحركات المصرية خلال العام الماضي لمصلحة النهج المعظم لمصالح الدولة الوطنية, وتجاوز المرحلة الانتقالية التي شابها الكثير من التفاعلات المستندة لرد الفعل بقدر أكبر من الفعل والمبادرة, وتجاوز حالة التذبذب والضعف التي اكتنفت عملية صنع واتخاذ القرار خلال المرحلة الانتقالية الماضية. فمن شأن هذه الرسالة أن تتجاوز النتائج السلبية التي أفرزتها إذاعة مناقشة ملف المياه علي الهواء والتي جرت بحضور د. مرسي رئيس الدولة المعزول, وأن تسهم في تغيير بيئة التفاوض من خلال إدخال عناصر وأطراف مؤثرة تتمثل في القوي والشركات الدولية المعنية بالاستقرار في هذه المنطقة لاستغلال مواردها, فالربط بين القضايا ذات الأبعاد التنموية والإستراتيجية من شأنه أن يسهم في إعطاء مصر مساحة كبيرة في إطار معادلات الاستقرار في منطقة الحوض. الرسالة الثانية: البدء في صياغة مجموعة من التفاعلات التي من شأنها أن تعيد صياغة البيئة التفاوضية بالقدر الذي يحجم عامل الوقت الذي أصبح في صالح إثيوبيا, وهنا يمكن الإشارة إلي مستويين من التفاعلات, أوله يتعلق بإمكانيات الاستفادة مما يحدث في المنطقة العربية من تحولات إستراتيجية من شأنها أن تعيد النظر في الكثير من قواعد اللعبة الإقليمية والدولية التي أسهمت في تهميش الدور المصري في مرحلة سابقة تجاه بعض القضايا الاستراتيجية, فعلي سبيل المثال هناك مؤتمر التعاون العربي الإفريقي الذي سوف ينعقد في الكويت في نهاية هذا الشهر يمكن أن يمثل أحد الفاعليات التي يتم من خلالها مد الجسر المصري للربط بين المنطقة العربية ومنطقة القرن الإفريقي الكبير. أما ثاني التفاعلات فترتبط بالقدرة علي استعادة ملف التعاون مع دول حوض النيل ككل, وتجاوز المرحلة الراهنة التي قصر فيها الاهتمام بدول الحوض الشرقي لنهر النيل وبمشروع سد النهضة بعد اتفاق عنتيبي, وذلك عبر طرح رؤية مصرية متكاملة لإيجاد آلية قانونية ومؤسسية حاكمة لتنظيم عملية إدارة التعاون المائي بين دول الحوض. ولذا, يبقي التحدي الأكبر في هذا السياق في القدرة علي توفير الضغوط الكافية لإعادة دول حوض النيل إلي مائدة التفاوض من خلال تحريك جهود الدول المانحة لمبادرة دول الحوض. الرسالة الثالثة: الانتقال من آلية المحادثات والتشاور الدائرة حاليا إلي آلية تفاوض حقيقية, فمن الواضح أن ردود الفعل الإثيوبية وحتي السودانية جاءت متوافقة مع التحرك المصري الذي افتقد الكثير من مقومات ومتطلبات التفاوض, وهو ما يتطلب محاصرة الجانب الإثيوبي والمحافظة علي تماسك الموقف السوداني واللجوء إلي أساليب تصعيدية محسوبة من شأنها أن ترفع تكلفة الإضرار بالمصالح المصرية, وتوفر قوة دفع من شأنها تحفيز الجانب الإثيوبي علي التفاوض, وربما يكون محاصرة عملية تمويل السد وإبراز مخاطر السد والسلوك الإثيوبي وانعكاساته علي ثلاثية الأمن الإنساني والغذائي والمائي في مقدمة التحركات المصرية لمخاطبة الرأي العام العالمي ومؤسسات الاتحاد الإفريقي. الرسائل السابقة, تشير لأهمية عامل الوقت وحتمية مواجهة مخاطر النهج الإثيوبي الذي يهدد الأمن المائي المصري ويتجاوز الحقوق التاريخية التي رسختها الاتفاقات والمعاهدات الدولية( وهي حق الإخطار والإضرار بحصتنا المائية) ويقيم نموذجا لتجاوز المصالح المصرية قابلا للتكرار من إثيوبيا وغيرها من دول الحوض. لمزيد من مقالات أيمن السيد عبد الوهاب