تفرض اللحظة الراهنة تضمين التحرك المصري مجموعة من الرسائل المباشرة الهادفة لتحديد الموقف المصري من مجموعة التحديات التي تحيط بملف التعاون المائي, وفي مقدمتها تقرير اللجنة الثلاثية الخاص ببحث تداعيات سد النهضة الاثيوبي والمقرر إعلانه شهر فبراير المقبل, واستمرار تأجيل وعدم حسم توقيت انعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء الموارد المائية لدول حوض النيل المقرر له الشهر المقبل في روندا( إذا تم عقده). فمراعاة عامل الوقت من جانب كافة دول الحوض أصبح أمرا حتميا, لإعادة تصحيح مسار التعاون المائي,ومطلبا للبدء في بلورة رؤية مستقبلية توفر القدرة علي تجاوز العديد من المشاكل والادراكات السلبية الناجمة عن اتفاق عنتيبي, وتوفر أيضا في نفس الوقت آليات حقيقية لتوسيع مفهوم الأمن المائي بالقدر الذي يتكامل ويدعم الأمن الغذائي والأمن الانساني. وهنا يمكن التأكيد علي المسئولية المشتركة لكافة دول الحوض, وليست مصر فقط علي تغيير بيئة التفاوض ومنهجيته وربطه ببيئة التعاون سواء من خلال مبادرة دول حوض النيل, أو اي إطار تعاوني آخر( مفوضية عليا), فبلورة رؤية تنموية شاملة تتجاوز مسألة المغالبة ومحاولة فرض الأمر الواقع علي مصر والسودان, كما تجلي في اتفاق عنتيبي, والشروع في بناء سد النهضة, والحديث المتواتر عن بناء السدود في الحوض, هي مسئولية الجميع, كما ان تكلفة عدم الاستقرار سوف يتحملها الجميع. واتساقا مع هذه المسئولية, يمكن الإشارة الي عدد من الرسائل المباشرة التي يجب أن يتضمنها التحرك المصري في المرحلة القادمة, أولها: تقديم تصور متكامل لمبادرة تعزز مشروعات التكامل بين توفير المياة وتوليد الطاقة, وان تستند هذه المبادرة علي رؤية كاملة لطبيعة المشروعات التكاملية التي يمكن تنفيذها والجداول الزمنية الخاص بها ومصادر تمويلها, وذلك كسبيل لتجاوز العديد من المؤشرات السلبية التي اخذت سبيلها الي معادلة التعاون مع مصر. فالحديث عن السيادة الوطنية, والمصلحة العليا, والحق في التنمية, ورفض الوصاية المصرية وحقوقها التاريخية, فضلا عن توافر البدائل التمويلية والخبرات والدراسات والأطراف الدولية المشجعة, قد شكلت جميعها عوامل دافعة لرفض منهاجية التفاوض المصرية من جانب, والسعي لبلورة رؤي تنموية من قبل غالبية دول الحوض تستند إلي رؤي الشركات الدولية التي قدمت لشراء الأراضي لزراعتها من جانب, والاستفادة من منتجاتها في إنتاج الطاقة الحيوية من جانب أخر. وهنا يمكن للجانب المصري المساهمة في صياغة اجندة واضحة للمشاريع الضامنة لسد الاحتياجات من المياه والطاقة, مع تبني بعض مشروعات استقطاب الفواقد وإعطائها الأولية في التنفيذ علي المشروعات الفردية المتعلقة بكل دولة, وذلك حتي تبرز بعض ثمار التعاون. الرسالة الثانية, تتعلق بدبلوماسية التنمية التي تتبناها مصر, وهنا اقترح إنشاء الوكالة المصرية لتنمية حوض النيل كآلية تنموية تتكامل فيها الجهود المصرية الحكومية وغير الحكومية للتواصل مع شعوب دول الحوض, وتشكل مساحة جديد للتحرك وتكثيف الجهود المصرية تجاه قضايا التنمية البشرية في الحوض. الرسالة الثالثة:تتعلق بتضمين التحرك المصري المطالبة برفع مستوي التعامل مع ملف التعاون المائي الي مستوي الرؤساء, كسبيل لتوفير الدعم السياسي والمعنوي والشخصي الذي يحتاجه الملف بعد أن وصل الي درجة عالية من الجمود والدوران في حلقة مفرغة منذ عام2007, وانقسام حاد بين الدول الموقعة علي اتفاق عنتيبي الست من جانب, وبين مصر وشمال السودان من جانب أخر, فضلا عن حالة الترقب التي تعكسها مواقف الدول الباقية( جنوب السودان, الكونغو, اريتريا مراقب). الرسالة الرابعة: تأكيد أهمية عقد الاجتماع الاستثنائي لوزراء الموارد المائية قبل إعلان تقرير اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة, واعتباره فرصة جيدة لإعادة التأكيد علي مبدأ اساسي مفاده أن معادلة التنمية في الحوض لن تستقيم بدون مراعاة قاعدة عدم الإضرار التي تبنتها مبادرة دول الحوض, وان مبدأ توازن المصالح يقتضي طرح مجموعة من الأفكار والمشروعات التي تتطلب المزيد من الدراسة, وهنا يمكن تبني مقترح تشكيل لجنة مصغرة لصياغة الأفكار المقترحة, وتبني بعض الأفكار العام التي طرحت من بعض دول الحوض مثل كينيا لتصحيح مسار التعاون المائي. الرسالة الخامسة, ترتبط بالدور الدولي وحالة التكالب والتنافس القائمة علي موارد حوض النيل, وهذه الرسالة بحكم مضمنها واتجاهاتها المتعددة تتطلب من مصر الدخول في حوار استراتيجي مع العديد من الأطراف الدولية والإقليمية, وان يستند هذا الحوار الي عدد من النقاط: مقايضة المصالح المتبادلة, وإيضاح الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل وربطها بمفهوم الامن القومي, وعدم تعنت المفاوض المصري, وان النهج التفاوضي الذي تتبناه عدد من دول الحوض لن يؤدي للاستقرار وجذب الاستثمارات. وهو ما يتطلب زيادة الدور المصري وكثافته في المنظمات والمؤسسات الدولية وأيضا القارية وشبه القارية التي تشهد في عضويتها دول حوض النيل أو تتفاعل مع ملف المياه. الرسائل السابقة, بدورها تتطلب بناء استراتيجية مصرية, تأخذ في الاعتبار ضرورة زيادة التشابك مع العديد من الملفات التعاونية والصراعية القائمة في منطقة حوض النيل والبحيرات العظمي, واستيعاب وتحييد العديد من تحركات القوي الدولية في هذه المنطقة وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والصين واليابان وايطاليا وإسرائيل وعدد من الدول العربية. كذلك تقتضي متطلبات التعاون مع دول الحوض وتوسيع أوجه ومجالاته ضرورة تكامل أدوات السياسة المصرية وزيادة درجة التنسيق بين المؤسسات والهيئات المتشابكة مع ملف المياه, وتفعيل آلية اتخاذ القرار, بحيث تعطي أولوية للتعاون الاقتصادي والفني والتواصل علي المستويات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني.