بدأت هذا الأسبوع اجتماعات أطراف اتفاقية تغير المناخ في وارسو من أجل التفاوض للتوصل إلي إطار قانوني جديد ملزم لجميع الأطراف لتخفيض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي لتغير المناخ بحلول عام2015 تمهيدا لبدء تنفيذ الإطار الجديد اعتبارا من عام.2020 ولا شك أن ظاهرة تغير المناخ أصبحت واقعا عمليا تعانيه شعوب العالم بأسره, في الدول المتقدمة, والدول النامية, والدول الحبيسة, والدول المكونة من جزر صغيرة, ودول المناطق الجافة القاحلة, والدول التي تعاني فيضانات وأعاصير مدمرة. ولا أدل علي ذلك من الإعصار الذي ضرب الفلبين هذا الأسبوع, والعاصفة الكبري التي أصابت مدينة نيويورك في توقيت العام الماضي نفسه وتذبذب الأمطار, وندرة المياه, والتصحر, والجفاف الذي تعانيه إفريقيا والدول العربية, وما يرتبط بذلك كله من نزاعات علي الموارد الأساسية اللازمة للحياة والتنمية. إن التوصل إلي اتفاق يعالج تفاقم ظاهرة تغير المناخ يستدعي تضافر جهود دول العالم كلها, لتخفيض الانبعاثات الناتجة عن مختلف الأنشطة اللازمة للنمو الاقتصادي, وكذلك للتكيف مع الآثار الضارة لظاهرة تغير المناخ, كل وفقا لحجم مسئوليته عن هذه الانبعاثات, وقدرته علي تخفيضها, وتأثره بها. لذلك, لن يكون الإطار القانوني الجديد بديلا عن اتفاقية تغير المناخ التي تم التوصل إليها مع بداية الصحوة البيئية العالمية عام1992, بل سيكون مكملا لها, وسيبني علي المبادئ التي قننتها الاتفاقية الأصلية, وعلي رأسها مبدأ المسئولية المشتركة مع تباين الأعباء, وهو المبدأ الذي أجمعت دول العالم عليه في قمة ريو عام1992, وعادت لتؤكده في ريو+10 ثم ريو+.20 فنجاح الدول المتقدمة في تحقيق التراكم التاريخي للموارد المالية نتيجة لأنشطتها الصناعية الكثيفة منذ بداية الثورة الصناعية, ورغم ما تسبب فيه من ضرر بيئي, أتاح لها تطوير التقنيات لمراعاة الأبعاد البيئية, وذلك التراكم لم تحظ به الدول النامية, ومن ثم لا يمكننا, اتساقا مع مبدأ العدالة والمسئولية التاريخية, أن نطالب الدول النامية بتحويل أنماط الإنتاج والاستهلاك للاسهام في تخفيض الانبعاثات الضارة بالبيئة والمناخ بما يمكن أن يعيق فرص نموها, وهي تكافح لتحقيق المستوي اللائق لحياة مواطنيها, ومن ثم يتعين تطبيق مبدأ العدالة في اقتسام الحيز المتبقي من الغلاف الجوي, من خلال تحديد التزامات واضحة بشأن تخفيض انبعاثات الدول المتقدمة تتناسب مع مسئوليتها التاريخية, وحجم الدعم الذي يتوجب أن توفره للدول النامية, متضمنا إيجاد حلول لقضيتي نقل التكنولوجيا والتمويل, فلا تصبح حقوق الملكية الفكرية عائقا أمام نقل وتوطين التكنولوجيا بالدول النامية, وأن يكون التمويل المقدم من الدول المتقدمة إلي الدول النامية جديدا وإضافيا وقابلا للتنبؤ به, فضلا عن كونه حكوميا مع إمكان النظر في مصادر أخري. تقع مصر في منطقة تعد من أقل مناطق العالم في نصيب الفرد من المياه, وأكثرها شحا في تساقط الأمطار, وندرة في مصادر المياه, الأمر الذي يدرك معه صانع القرار المصري أن لكل قطرة مياه تتدفق في نهر النيل, المصدر الوحيد للمياه في مصر, قيمتها وأثرها علي جميع مناحي الحياة, وجهود وخطط التنمية للجيل الحالي والأجيال التالية. ويدرك المصريون جيدا أن السبيل الوحيد للتصدي لتحدي التنمية المستدامة, بل استدامة الحياة والحضارة في المنطقة, هو التعاون والتكامل البناء بين جميع دول حوض النيل للاستفادة من الفرص المتاحة, ومواجهة التهديدات المشتركة, وتعظيم العائد من الموارد الطبيعية والطاقات البشرية في جميع هذه الدول الشقيقة لتأمين حاضر أفضل ومستقبل واعد لدول وشعوب المنطقة, بل والقارة الإفريقية التي تعتبر أكثر القارات تأثرا بظاهرة تغير المناخ, رغم أنها أقل القارات إسهاما في تفاقمها. لذلك تهتم مصر بالتنسيق مع جميع الأطراف الدولية, ولا سيما الدول الإفريقية والعربية, في مختلف مسارات التفاوض في إطار اتفاقية تغير المناخ للتوصل إلي عناصر اتفاق متوازن يحقق التخفيض العالمي المطلوب في غازات الاحتباس الحراري. وتسهم مصر بنشاط في تنسيق مواقف الدول النامية في مفاوضات صندوق التمويل الأخضر الذي يسعي لتوفير مائة مليار دولار سنويا بحلول عام2020 من مختلف المصادر, الحكومية التقليدية, والجديدة المبتكرة, بما فيها استثمارات القطاع الخاص, لتحقيق الأهداف المنشودة للحفاظ علي مستوي ارتفاع حرارة كوكب الأرض دون الدرجتين المئويتين خلال القرن الحالي. ولا شك أن تحقيق هذا الهدف العالمي الذي لا غني عنه, لن يتم دون التعاون والتفاعل البناء بين جميع دول العالم, بمختلف مراحل نموها,لتحمل هذه المسئولية التاريخية. وتتطلع مصر للمشاركة بفاعلية في القمة العالمية لتغير المناخ, التي ناقشت تطورات تنظيمها مع السيد بان كي مون سكرتير عام الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي, والمقرر عقدها العام المقبل لتقييم التقدم في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ, وحشد الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد مستقبل الأجيال القادمة وحقها في التنمية. وزير الخارجية لمزيد من مقالات السفير: نبيل فهمى